الاثنين 14 أيار (مايو) 2012

مرشحو الرئاسة المصرية ورؤاهم الإقليمية... كيف ينظرون إلى إيران والسعودية وفلسطين و...«إسرائيل»؟

الاثنين 14 أيار (مايو) 2012 par د. مصطفى اللبّاد

استأثرت المناظرة الانتخابية العلنية بين مرشحي الرئاسة المصرية عمرو موسى وعبد المنعم أبو الفتوح باهتمام الرأي العام المصري والعربي لأسباب مفهومة، نظراً لعدم الاعتياد على هذا النوع من المناظرات. ومع الأضواء الإعلامية والهجوم الشخصي المعتاد من كل مرشح على الآخر وطغيان القضايا الداخلية على السجالات والمناظرات، فقد ظلت قضايا المنطقة ومواقف مصر الإقليمية المرتقبة على الهامش. بدوره، يخلّف هذا الهامش فراغاً تحليلياً كبيراً، خصوصاً أن منصب رئيس الجمهورية في مصر هو الذي يحدد ملامح السياسة الإقليمية والخارجية بشكل كبير. ولعل غياب دستور محدد المعالم حتى الآن، هو المثال الأسطع على ضبابية الحالة التي تعيشها مصر راهناً، لأن المرشحين للرئاسة يطلون على الرأي العام من دون أن يعلموا ـ حتى على وجه التقريب - حدود منصب الرئيس القادم وصلاحياته، وشكل النظام السياسي: هل جمهورية رئاسية يتمتع فيها الرئيس بثلاثة أرباع صلاحيات النظام السياسي كما هو حال مصر منذ العام 1954 وحتى العام 2011، أم نظام رئاسي برلماني على النموذج الفرنسي كما يريد «الإخوان المسلمون» على وجه التحديد؟ وبالرغم من تركيز المرشحين على القضايا الداخلية، يبقى وجه العملة الآخر ـ أي السياسة الإقليمية والخارجية - مخفياً. تحاول هذه السطور استشراف معالم السياسة الإقليمية للمرشحين الأربعة الأوفر حظاً في الانتخابات المقبلة وهم: عمرو موسى، عبد المنعم أبو الفتوح، حمدين صباحي ومحمد مرسي.

يبدو أن هناك إجماعاً بين المرشحين الأربعة على أولوية قضية مياه النيل لمصر، إذ أن التراجع الفظيع في قوة مصر الناعمة في أفريقيا قد أثر على وضعية مصر القانونية إزاء مياه النيل، بعد ائتلاف دول المنبع بقيادة اثيوبيا، ومحاولة هذا الائتلاف الجديد فرض اتفاقية إطارية تقلب معادلة تقاسم حصص مياه النهر لغير مصلحة مصر. وبالتالي فمن المتوقع في حال فوز أي من المرشحين الأربعة أن تعمد القاهرة إلى تدعيم نفوذها في القارة السمراء حفاظاً على حقوقها التاريخية في مياه النيل. ويزيد من صوابية هذا التوقع أن مصر هي الواحة الأكبر في العالم، وأن تدبير الري وتنظيمه كانا ركناً أساسياً من أركان الدولة المصرية القديمة قبل آلاف السنين، وبالتالي فمقولة المياه هي شريان الحياة لمصر، هي مقولة تعكس واقعاً أكثر منه مجازاً لغوياً. ولعل ميزان القوى الراهن بين دول المصب (مصر والسودان) ودول المنبع بقيادة اثيوبيا ـ مع اختلاله النسبي في السنوات الست الأخيرة لغير مصلحة دول المصب - يمكن تعديله بشكل أيسر نسبياً مقارنة بميزان القوى في «الشرق الأوسط». ومن المتوقع أن يتم هذا التعديل بوسائل القوة الناعمة المصرية، لأن استنكاف مبارك عن الاهتمام بهذه القضية الحيوية لمصر جعل دول المنبع تعقد اتفاق إطار في ما بينها لفرض واقع جديد، في الوقت الذي لوحت فيه رموز نظامه في أكثر من مناسبة بالقوة الصلبة المصرية، للتعمية عن هذا الاستنكاف وتلك الإخفاقات.

ستظل مسألة القضية الفلسطينية وغزة قضية حيوية لمصر، ليس فقط لقرب غزة الجغرافي من سيناء، ولا لأن حلّ القضية الفلسطينية حلاً مرضياً يمثل قضية فائقة الحيوية لمصالح مصر الوطنية، ولكن أيضاً لأن القضية الفلسطينية هي بوابة العبور لموقع القوة الإقليمية. وهي حقيقة يمكن التثبت منها عبر استعراض تجربة مصر في الخمسينيات والستينيات، ولإيران منذ انتصار ثورتها، وتركيا في السنوات الخمس الأخيرة.

اعتبر عمرو موسى في المناظرة الأخيرة «إسرائيل» خصماً عنيداً، فيما اعتبرها أبو الفتوح عدواً خلال المناظرة ذاتها، والأرجح أن حمدين صباحي ومحمد مرسي يشاطران أبو الفتوح رأيه، كل لخلفيات مختلفة. وبالتالي فالأرجح أن العلاقات المصرية - «الإسرائيلية» ستدخل في مرحلة من التبريد النسبي - أياً كان الرئيس القادم - مقارنة بحالها في عصر حسني مبارك. ويبدو أن حمدين صباحي باتجاهاته الناصرية الواضحة، وأبو الفتوح بخلفيته الإسلامية سيكونان المرشحين الأكثر تضامناً مع مظلومية الشعب الفلسطيني وقضيته من غيرهما من المرشحين. ومن المتوقع أن يبني كل من أبو الفتوح ومحمد مرسي سياساتهما الفلسطينية المرتقبة بالأساس على قياس حركة «حماس» ومصالحها، أما عمرو موسى فسيواصل سياسته حيال «إسرائيل»، أي إطلاق تصريحات قوية مع عدم القدرة على القيام بتغيير حقيقي في أساس المسألة على الأرض. وفي كل الأحوال ستلعب موازين القوى الراهنة دوراً كبيراً في التأثير على سياسات مصر المقبلة حيال «إسرائيل»، بحيث سيكون السقف وقف تصدير الغاز ووقف التطبيع، وربما تعديل بنود في اتفاقية السلام المصرية - «الإسرائيلية» للسماح بوجود عسكري مصري في كامل سيناء، وهي أمور أعلنها صباحي في غير مناسبة في الشهور والسنوات الأخيرة.

أخذ الكثيرون على عمرو موسى زلة لسانه التي اعتبر فيها إيران «دولة عربية»، على الرغم من تصريحاته الانتخابية المتكررة التي ركزت على وصف كل من إيران وتركيا باعتبارهما في حالة منافسة إقليمية مع مصر. وبالرغم من أن موسى كان صاحب مبادرة «الجوار العربي» العام 2010، إبان توليه منصب الأمين العام للجامعة العربية، التي لقيت انتقاد القاهرة والرياض وقتها، وارتأت الانفتاح على هاتين الدولتين انفتاحا مؤسسياً، إلا أن حملته الانتخابية وعلاقاته العربية والإقليمية فضلاً عن رؤيته للقاهرة الجديدة قد أثرت سلباً إلى حد ما على رؤيته لاسطنبول وطهران. أما عبد المنعم أبو الفتوح، فيبدو واضحاً تأثره بالنموذج الذي تقدمه تركيا، سواء من حيث تركيزه على الجوانب الاقتصادية لمصر، أو شعاره الانتخابي «مصر من بين أقوى عشرين دولة اقتصادياً في العالم عام 2022» الذي يحاكي خطاب أردوغان ومفردات خطابه السياسي وشعارات حزب «العدالة والتنمية» في الانتخابات البرلمانية التركية الأخيرة. يبدو الوضع مختلفاً في حالة محمد مرسي، مرشح «الإخوان المسلمين»، حيث ينظر بإيجابية إلى تركيا وتجربتها في الاقتصاد والسياسة الخارجية، ولكنه ظل وإخوانه، على مسافة ملتبسة بشكل ما من تركيا، بسبب طموحات «دولة الخلافة» و«أستاذية العالم» التي يتبناها «الإخوان» علناً، والتي تتصادم موضوعياً مع تركيا حتى ولو كان الصدام مؤجلاً. أما حمدين صباحي، فقد أبدى انفتاحاً على تجربة تركيا ولاحظ التغير في موازين القوى الإقليمية لمصلحتها، إلا أن جوهر سياسته الخارجية يقوم على فكرة وجود منطقة عربية تحتاج إلى قيادة مصرية، وبالتالي فتركيا يمكن التعاون والتنسيق معها كدولة جوار جيد، وليس أكثر من ذلك.

يعود التباين بين المرشحين الأربعة ليظهر بوضوح في حالة الموقف من إيران، فعمرو موسى لا يحمل حساسية كبيرة حيال إيران، كما كان حسني مبارك، إلا أن جوهر تحالفاته الإقليمية سيبقيه بعيداً عن التحالف معها. الشيء ذاته ينطبق على محمد مرسي، ولكن لأسباب مختلفة عن موسى، لأن البعد المذهبي يبدو واضحاً لجماعة «الإخوان المسلمين» في التعامل مع إيران بعد «الربيع العربي»، على الرغم من علاقات «الإخوان» التاريخية مع إيران، والتي تعود إلى مطلع الخمسينيات من القرن الماضي. من المتوقع أن يكون كل من أبو الفتوح وصباحي أكثر براغماتية وانفتاحاً على إيران والتنسيق معها، مقارنة بموسى ومرسي، إلا أن ميل أبو الفتوح الواضح لتركيا سيجعله يرسي عطاء التحالف الإقليمي عليها، في حين يبدو صباحي الذي يملك علاقات تحالفية مع حركات المقاومة العربية والإسلامية الأقرب بين المرشحين الأربعة إلى رفع مستوى العلاقات مع إيران، وصولاً ربما إلى التحالف والتنسيق معها.

ربما كانت العلاقات مع دول الخليج العربية هي الغامض الأكبر في تصورات المرشحين الرئاسيين ورؤاهم، فلم يأت أيهم صراحة على الإشارة إلى العلاقات المصرية - السعودية. ومع ذلك يبدو واضحاً أن السعودية تفضل عمرو موسى لأسباب متعددة، أولها أن كل من المرشحين: أبو الفتوح وصباحي ومرسي يملك نسقاً فكرياً وعقائدياً لا يتسق بالضرورة مع توجهاتها. ولأن السعودية تتخوف من طموحات «الإخوان المسلمين» السياسية وقدرتهم النظرية على منازلة النموذج السياسي - الديني الذي تقدمه والانتصار عليه، يبدو محمد مرسي وأبو الفتوح خارج دائرة الرهان السعودي. الشيء ذاته ينطبق على حمدين صباحي، الذي ينطلق فكرياً وعقائدياً من خبرة تاريخية ناصرية في التصادم مع السعودية وطموحاتها والنموذج السياسي - الاجتماعي الذي تقدمه؛ فضلاً عن معاكسة تحالفاتها الإقليمية والدولية.

مختصر الكلام، يقبع التوازن الإقليمي السائد راهناً فوق «جثة مصر - مبارك السياسية» بالمعنى المزدوج للكلمة، بمعنى أن الغياب المصري في العقود الثلاثة الماضية قد أنتج بمرور الوقت خريطة للتوازنات تقوم في علّة وجودها على غياب الدور المصري. وبالتالي ستؤدي قيامة القاهرة، لا محالة، إلى قلب طاولة التوازنات الإقليمية الواقفة على «جثة مصر - مبارك السياسية»، وإلى إعادة تشكيل القرار الإقليمي بما يعكس الأحجام التاريخية لمكوناته. يا مصر «قومي وشدي الحيل!».



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 39 / 2165513

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

22 من الزوار الآن

2165513 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010