الاثنين 14 أيار (مايو) 2012

شهداء مع وقف التنفيذ

الاثنين 14 أيار (مايو) 2012 par أمجد عرار

فيما يتجاوز إضراب الأسرى حدود القدرة البشرية الاعتيادية في ظروف غير الأسر وغير هذه النسخة الأردأ بين الاحتلالات التي عرفها تاريخ البشر، مرّت قبل أسبوعين ذكرى استشهاد الأسير الفلسطيني الأسطوري إبراهيم الراعي، (أبو المنتصر)، كما يسميه رفاقه في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. في الحادي عشر من إبريل/ نيسان عام 1988 تسلل الخبر المفجع من زنازين الاحتلال، ولم تكد تمضي خمسة أيام على تمدد ظلال الحزن في أرجاء الوطن الفلسطيني وشتاته، حتى صُدِم الفلسطينيون بفاجعة أخرى لا تقل حجماً ووطأة عن الأهمية التي مثّلها بطلها الشهيد القائد خليل الوزير (أبو جهاد). ما كان للحزن على الراعي أن يتبخّر مهما كان صفيح الأسى الذي أشعله استشهاد أبو جهاد، فالحزن لا ينشطر عندما تتزامن الفواجع، لكنّ حرارته ترتفع أكثر متجاورة مع الغضب الممزوج بإصرار أكثر تجذّرًا على صيانة ما قضى لأجله آلاف الشهداء من القادة والجنود المجهولين.

والاحتلال الصهيوني كان يربط بين هؤلاء الأبطال وبين الشهيد إبراهيم الراعي، (أبو المنتصر). والراعي هو أكثر من أسير وأكثر من شهيد. هو واحد من أولئك الأبطال القليلين في تاريخ الشعوب المضطهدة الذين كسروا الحاجز الذي كان الناس يعتقدون قبلاً أنّه يشكل حدودًا نهائية للقدرة البشرية، يعجز الإنسان عن تجاوزه، فصنع نموذجًا أسطورياً أقلق الكيان الصهيوني الذي قرر اغتياله في الأسر في 11 إبريل/ نيسان 1998.

الاحتلال ربط بين الشهيد الراعي وسلسلة عمليات استهدفت جنوده وعملاءه، وربط به وبمسؤولياته النضالية كوكبة من الفلسطينيين يدخلون اليوم عامهم السابع والعشرين في الأسر تزامناً مع اليوم السابع والعشرين لمعركة الجوع. رشدي أبو مخ، إبراهيم أبو مخ، وليد دقة، وإبراهيم بيادسة، أربعتهم من بلدة باقة الغربية المحتلة 1948 ومحكومون بالسجن المؤبّد، ومرت عليهم، كما كثيرين غيرهم، كل اتفاقات السلام الوهمي وحتى صفقات تبادل الأسرى، حيث تتعامل «إسرائيل» معهم باعتبارهم «مواطنيها» فلا هم فلسطينيون ليخرجوا في الصفقات الفلسطينية، ولا هم لبنانيون ليخرجوا في الصفقات اللبنانية، فكيف يخرجون؟ هذا بحث آخر.

لكن، ونحن في قلب معركة الأمعاء الخاوية، من المهم أن يعرف العالم بعض تفاصيل المعاناة التي يكابدها من يقع في أسر هذا الاحتلال. أقول بعض التفاصيل لأن كلها، أو حتى معظمها، يحتاج لموسوعات من الكتابة وآلافاً من البرامج التلفزيونية لكي يسبر أغواره، فلا هذه متاحة كتابياً ولا تلك تستهوي فضائيات تفكّر في مواضيع «أكثر أهمية» من الأسرى.

الشهيد الراعي أمضى أحد عشر شهرًا في زنازين التحقيق والتعذيب المتواصل يوماً بيوم وساعة بساعة من دون أن يتمكّن المحققون من انتزاع كلمة واحدة من لسانه، وعندما أحضروا له المعترفين عليه لكي يُضْعفوا موقفه، فُوجئ المحققون بأن صلابته وتحديه فرض على من اعترفوا التراجع وسحب الاعترافات. وانسحب النموذج خارج السجون ليتحوّل إلى أنشودة وهتاف «اصمد، اصمد يا رفيق، مثل الراعي في التحقيق».

أكثر من مئتي أسير فلسطيني استشهدوا في الأسر منذ 1967، سواء في التعذيب خلال التحقيق، أو بسبب تراكم المرض وانعدام العلاج، أو خلال الإضراب عن الطعام. هذا العدد لا يشمل الأسرى الذين تحرروا واستشهدوا لاحقاً في عمليات اغتيال بوسائل «غامضة» أو بالأمراض التي راكمها الأسر والتعذيب أو الإضراب عن الطعام، ولا يشمل أيضاً الشهداء الذين تمت تصفيتهم خلال اعتقالهم على أيدي قوات الاحتلال بمسمياتها الخاصة والعامة.

وإزاء واقع كهذا يلفه الصمت العربي والإسلامي والدولي متحالفاً مع انحطاط الاحتلال، فإن آلاف الأسرى يظلون، حتى إشعار آخر، «شهداء مع وقف التنفيذ».



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2165543

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2165543 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010