الأحد 13 أيار (مايو) 2012

ذاكرة الزيْتون

الأحد 13 أيار (مايو) 2012 par خيري منصور

مرّة أخرى تعيدنا سلطات الاحتلال في فلسطين عبر الذاكرة المُلْتاعة إلى أسطورة الزيتون المرّ التي تحولت بعد خمسة وعشرين قرناً من ولادتها اليونانية إلى حقيقة تاريخية في فلسطين.

في البداية أحْرَقت واقتلعت من الجذور أشجار الزيتون ذات العُمْر المديد لأنها تُذكر الغزاة بزارعيها، والذريعة الجديدة الآن هي أن هناك محميات طبيعية يجب أن تُزال منها أشجار الزيتون، وكأن هذه الأشجار ليست من الطبيعة أو أنها مصنوعة من البارود.

في الأسطورة اليونانية اعتدى أحد قطاع الطريق وببذاءة على عذارى يغتسلن ويغنين حول بئر ماء، ولم يكن هناك من يشهد غير أشجار الزيتون، ولأنها لا تستطيع أن تتحرك من مكانها بسبب عُمْق جذورها وارتباطها بالأرض عبّرت عن حزنها بأن أصبح الزيت مُراً في ذلك الموسم.

ولدت تلك الأسطورة الزيتونية على الشاطئ الغربي للبحر المتوسط، لكنها تُرْجمت حرفياً إلى تاريخ وواقع مُرّ على الشاطئ الشرقي لذلك البحر.

فالزيتونة المُضَمخة بحفيفٍ قُرْآني والتي ليست شرقية ولا غربية، هي من لحم ودم وعظم، ويوشك زيتها أن يكون دمعها، لأن من زرعوها لم يَخْطُر ببالهم أن هناك قاطع طريق يتربص بها بعد أن تصل سِنّ البلوغ وتثمر.

كأن من أعلنوا الحرب على هذه الشجرة يبحثون عن بديل لها ينمو في إناء أو زجاجة تماماً كما ينمو المستوطن في بيت زجاجي ويتنفس صناعياً، أو يريدون لحفيفها أن يكون بالعبرية انسجاماً مع استراتيجية العبرنة والتهويد، لهذا يكرهون هذه الشجرة التي تذكرهم بأنهم طارئون، وبأن ظلها لم يكن ذات يوم من أجل أن يتمطى عليه ثعبان أو تبيض عليه أفعى.

كان ولا يزال وسيبقى ظلاً لمقاوم أعْياه النعاس أو لعاشقين انتهيا للتو من قطف ثمارها بحنان وامتنان.

ولا يدرك الطارئون والعابرون أن الزيتونة إذا أحرقت لن يكون لها رماد ككل رماد، وأنها عنقاء تُبْعث ثانية وثالثة وحتى القيامة من شروشها العصية على النار والمخالب البشرية.

سيبدو اقتلاع أشجار الزيتون لأسباب متعلقة بالمحميات الطبيعية أمراً مثيراً للسخرية، يسخر منه العلماء والفلاحون وحتى من يحولون الزيت إلى صابون.

لكن ما تخترعه سلطات الاحتلال والاستيطان من ذرائع لا ينتهي وكأن هناك آلة شيطانية لا تكف عن إفراز هذا النوع من الصمغ السّام.

وهناك حكاية رواها الراحل صالح برانسي ذو الباع الطويلة في الدفاع عن التراث الشعبي الفلسطيني تحت الاحتلال، عن ضابط صهيوني كان حاكماً عسكرياً لبلدة الطيبة، فقد كان هذا الضابط واسمه بلوم يعاقب الناس إذا فعلوا الشيء أو نقيضه، ومن ذلك مثلاً أنه كان يعاقب من يمر أمامه صامتاً ولا يحييه، ثم يعود ليعاقب آخر مَر أمامه وحياه، وهي نظرية العقاب الجاهز الذي يبحث عن متهم، وهي النظرية التي افتضحها سياسياً وروائياً الكاتب التشيكي كونديرا في النظم الشمولية والبوليسية.

ولو تخيلنا أن مثل هذا الضابط يستجوب شجرة زيتون، فإنه سيقطعها إذا صمتت، ثم يقطع جارتها إذا واصلت الحفيف.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2165513

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

22 من الزوار الآن

2165513 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010