السبت 12 أيار (مايو) 2012

«إسرائيل» وديمقراطية الحزب الواحد

السبت 12 أيار (مايو) 2012 par عوني صادق

الإعلان عن الاتفاق المفاجئ بين نتنياهو وشاؤول موفاز، وانضمام الأخير إلى الحكومة، وصفه بعض المراقبين «الإسرائيليين» بأنه «هزة أرضية سياسية»، بينما قال بعض آخر إنه «قنبلة نووية سياسية» ألقيت في الساحة السياسية «الإسرائيلية٢، التي كانت تسيطر عليها أجواء الانتخابات المبكرة. وقد صادق 71 عضواً من أعضاء «الكنيست» على الاتفاق، وعارضه 23 عضواً، وأظهر استطلاع نشرته صحيفة (هآرتس) أن 23% فقط من «الإسرائيليين» اعتبروا أن الاتفاق جاء لاعتبارات تتعلق بـ «المصلحة الوطنية»، في مقابل 63% رأوا أنه جاء لاعتبارات سياسية وشخصية. قادة «المعارضة» تحولوا إلى مجموعة من الشتامين، ومنهم بنيامين بن أليعازر، النائب عن (العمل)، الذي قال عن موفاز إنه «باع روحه للشيطان، وجعل المواطن يفقد الثقة في نظامه السياسي ويرى السياسة مجمعاً للقاذورات».

ومثلما كانت التحليلات قد تشعبت حول دوافع «قرار» نتنياهو بالذهاب إلى الانتخابات المبكرة، في وقت كان يتمتع فيه بأغلبية مريحة تسمح له بالبقاء حتى موعد الانتخابات العادية العام 2013، تشعبت أيضاً حول دوافع الاتفاق. ودائماً هناك ما يمكن أن يوضع من الدوافع لأية خطوة سياسية، ومثله يمكن أن يوضع لخطوة سياسية مضادة. وبالنسبة للاتفاق الأخير بين «الليكود» و«كاديما» تضاربت وتعارضت التحليلات والتوقعات، فهناك من رأى أن انضمام «كاديما» يعتبر تحركاً نحو «يسار الوسط»، وفيه ما قد يشجع على إقدام نتنياهو على تجميد الاستيطان، ومن ثم استئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية. ومنهم من رآها خطوة نحو الحرب، إما على غزة أو ضد إيران. وهناك، في الوقت نفسه، من رآها «حكومة تهدئة» بالنسبة إلى إيران. كذلك، هناك من رأى فيها مجرد «خطوة انتقامية» ضد الذين عارضوا نتنياهو من المستوطنين ورفضوا ترؤسه لمؤتمر «الليكود»، أو ضد «إسرائيل بيتنا» وزعيمه أفيغدور ليبرمان وتخلصاً من تهديداته. وأخيراً، هناك من رأى فيها رسالة موجهة ضد إدارة أوباما الأمريكية، التي تخلت عن مشروعه في مواجهة إيران.

ليس ذلك مهماً في ذاته، لأننا لن نجد في تلك الآراء إلا جزءاً صغيراً من الحقيقة، لكننا لن نجد الحقيقة، لا منفردة، ولا مجتمعة. وبصرف النظر عن أن الخطوة توجت نتنياهو «ملكاً» على «إسرائيل»، كما رأى البعض، وأيضاً بصرف النظر عن المصالح المشتركة التي فرضت «الوحدة» على الحزبين كما رأى البعض الآخر، ثم أخيراً بصرف النظر عمن ربح أو خسر من الاتفاق، فإن المؤكد أن التوافق، إن لم يكن الاتفاق في المواقف الرئيسة والأهداف الأساسية بين الحزبين، هو ما سمح بهذه الخطوة. والحقيقة الوحيدة البارزة التي أظهرها الاتفاق هي الخطأ الشائع عن «ديمقراطية إسرائيل» بأن فيها «تعددية حزبية»، وتقسيم هذه الأحزاب إلى «يمين» و«وسط» و«يسار»، إذ ثبت أن هناك حزباً واحداً، وأن «الديمقراطية في إسرائيل» هي «ديمقراطية الحزب الواحد» مثلما هي «ديمقراطية الدين الواحد».

الآن في «الكنيست» 94 عضواً من أصل 120 عضواً تؤيد «حكومة الوحدة»، أي أن 16 عضواً فقط في «الكنيست» لا يؤيدونها (وهذا ليس مؤكداً، فربما يوجد بين هؤلاء من يؤيدها)، وهي نسبة تحيل الديمقراطية المزعومة إلى ديكتاتورية صريحة، إذ تسمح لنتنياهو بأن يمرر أي قرار يريد أيا كان، إنفاذاً أو إلغاء، أكان حرباً أو سلاماً، توسيعاً للاستيطان أو تجميداً، فرض الخدمة العسكرية على المتدينين أو العرب أو إلغاءها. وفي السياق، أمام «حكومة الوحدة» ثلاث قضايا تنتظر الإجابة: الملف النووي الإيراني والحرب على إيران، الاستيطان والمفاوضات مع السلطة الفلسطينية، قانون «طال» وقانون الميزانية.

بالنسبة إلى الملف النووي الإيراني، كان موفاز يرفض الحرب على إيران. لكن مصادر مطلعة في مكتب رئيس الوزراء، حسب إذاعة الجيش «الإسرائيلي»، توقعت «تغيراً دراماتيكياً» في موقف موفاز، وأنه سينتقل إلى تأييد شن عمليات عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية. في كل الأحوال، هذه القضية بعد كل السجال الذي أخذته وشارك فيه كل قادة الأجهزة الأمنية «الإسرائيلية» قبل الإعلان عن الاتفاق الأخير بين نتنياهو وموفاز، كانت قد استقرت مؤجلة لما بعد انتخابات الرئاسة الأمريكية، وأصبحت القناعة العامة هي أن هذه الحرب غير واردة من دون موافقة، بل ومشاركة أمريكية، وهو أمر أصبح ليس وارداً قبل انتخابات الرئاسة. لهذا السبب يمكن القول إن وجود موفاز في الحكومة، (دون أن نأخذ في الاعتبار ما قالته المصادر المطلعة في مكتب رئيس الوزراء) قد يرجح التأجيل، لكنه لن يكون السبب فيه. أما بالنسبة إلى المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، فإن التفاؤل بأن وجود موفاز في الحكومة سيساعد في التوصل إلى اتفاق مع السلطة الفلسطينية ليس مبرراً، إنه قد يساعد على استئناف هذه المفاوضات، إذا تم تجميد الاستيطان، لكنه لن يشكل اختراقاً، والقول بغير ذلك فيه تجاهل لحقيقة أن تسيبي ليفني وحكومة أولمرت، لم تستطيعا أن تتوصلا إلى اتفاق، بالرغم مما كان قد أعلن عن أن الاتفاق شمل 95% من القضايا التي كان يجري التفاوض حولها. أي أنه عندما كان القرار كله في يد «كاديما» لم تنجح المفاوضات، فكيف الآن وهو لا يملك إلا قطعة جد صغيرة منه؟ وأما قوانين «طال» و«الميزانية» وما ماثلها، فهي بالرغم من كل شيء تظل مسائل تخضع للصفقات بين الأحزاب المؤتلفة، ولن تشكل تهديداً للحكومة الجديدة إلا إذا قرر نتنياهو عكس ذلك.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2166047

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

29 من الزوار الآن

2166047 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 30


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010