السبت 12 أيار (مايو) 2012

«إسرائيل» وفخ المصطلحات

السبت 12 أيار (مايو) 2012 par أمجد عرار

الإعلام الصهيوني يتذاكى كثيراً، ويلعب على اللغة والمصطلحات أكثر، وينصب أفخاخاً أكثر فأكثر. خذ مثلاً، صحيفة «هآرتس» تنقل عن مدير عام شركة استيطانية بنت 5 مبانٍ في مستوطنة مقامة على أراضي مدينة رام الله قوله إن المباني أقيمت في أرض بملكية خاصة فلسطينية.

لكن الصحيفة التي يصفها الإعلام الصهيوني وبعض المثقفين الفلسطينيين والعرب بأنها يسارية، وفي هذا أيضاً لعب بالكلمات، تقدّم كلام المدير الاستيطاني بوصفه «اعترافاً» بعلمه أن الأرض يملكها فلسطينيون، وهو اعتراف يريد فرض أمر واقع بأن هناك توصيفين لملكية الأراضي في الضفة الغربية، الأولى فلسطينية والثانية «إسرائيلية»، ما يعني أن الأراضي المحتلة عام ثمانية وأربعين أصبح مفروغاً من كونها «إسرائيلية»، ويبقى الجدال التفاوضي بشأن ما توافق «إسرائيل» على إعطائه للفلسطينيين مما تبقّى من الضفة الغربية بعد الجدار المبني فيها. مع ذلك ستجد في كل يوم تال لخبر من هذا النوع، بعض الإعلام العربي يقع في فخ هذا الترويج التضليلي، والبعض الآخر يتبناه ويشارك في ترويجه بقصد وسبق إصرار وترصّد وتورّط وتآمر.

هذا يعيدنا إلى تصريحات لرئيس وزراء الكيان الأسبق اسحاق رابين التي قسم فيها المستوطنات في الضفة الغربية إلى شرعية وغير شرعية، ولتكريس هذا الإخراج الصهيوني اللئيم، شنّ المستوطنون ما عرفت بحرب التلال التي أنشأوا خلالها عشرات البؤر الاستيطانية في الضفة، لتشق الحكومات «الإسرائيلية» تبعاً لذلك سياسة مستندة إلى الوقائع الجديدة، بحيث تعمد إلى اتخاذ قرار بتفكيك بؤرة تصفها، ومعها معظم وسائل الإعلام، بالعشوائية، وفي الوقت ذاته تشرعن عشر بؤر أخرى. أما الأداة «القانونية» التي تغطي الإخلاء والشرعنة فهي المحكمة العليا «الإسرائيلية» وهي ليست سوى الغطاء التجميلي للاحتلال، بحيث تضلل العالم من خلال دس السم في العسل عندما تتخذ في قضايا هامشية بعض القرارات التي تبدو في الاتجاه المضاد للسياسة الرسمية، وتثبت التوجّهات الصهيونية في القضايا الرئيسة.

وما يسري على الأرض والاستيطان يسري على كل الأركان المشكّلة للقضية الفلسطينية، والمؤسف أن أغلبية الإعلام العربي ومحلليه ومثقفيه، يقعون في الفخ «الإسرائيلي». فمدينة القدس التي يكرر قادة الكيان كل يوم أنها موحّدة وعاصمة ما يسمى الشعب اليهودي، ترد على ألسنة معظم المسؤولين العرب ووسائل إعلامهم باعتبارها مدينتين شرقية وغربية، مثلما يرد مصطلح «أراض متنازع عليها»، حين يدور الحديث عن الأراضي اللبنانية المحتلة في مزارع شبعا وقرية الغجر وتلال كفار شوبا.

الجرائم «الإسرائيلية» اليومية ليست خارج هذه اللعبة المصطلحية القائمة على التضليل، فـ «إسرائيل» التي لا تتبنى حكم الإعدام في قوانينها الموروثة عن الاستعمار البريطاني، تنفذ هذه السياسة فعلياً وميدانياً تحت مسمى «القتل المستهدف»، ويقع بعض إعلاميينا في فخ التوصيف «الإسرائيلي» عند استخدام مصطلح «القتل خارج القانون» أو قتل مدنيين عزل، فهل هناك ظروف أخرى تجعل من القتل قانونياً؟ وهل هناك جيش فلسطيني ليكون من هم خارجه مدنيين؟

ثمة مثال حي وقائم في هذه الآونة تتجلى فيه سياسة التلاعب بالمصطلحات، فقضية الأسرى تجسّد المثال الصارخ للوقوع في الفخ الصهيوني التضليلي. «إسرائيل» منذ إنشائها ترفض التعامل مع من تعتقلهم من الفلسطينيين والعرب بوصفهم أسرى حرب، وحين يجري الحديث عن «اعتقال تعسّفي»، فهذا يعني الموافقة على أن تعتقل «إسرائيل» فلسطينيين لكن بشكل «غير تعسّفي». وعندما يتعامل إعلامنا وكتّابنا مع الاعتقال الإداري باعتباره اعتقالاً مرفوضاً لأنه «من دون محاكمة»، فهذا يعني أننا لا نرفض الاعتقال إذا ارتبط بمحاكمة المعتقلين، في حين أن السياسة الوحيدة التي ينبغي اعتمادها هي التمسك بإطلاق سراح كل الأسرى الفلسطينيين والعرب في سجون الاحتلال.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 28 / 2165410

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165410 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010