السبت 12 حزيران (يونيو) 2010

«المبادرة» : حجة البليد

السبت 12 حزيران (يونيو) 2010 par فهمي هويدي

حيرنا السيد أحمد أبوالغيط حين قال في رده على أسئلة الصحفيين إن المطالبة بسحب المبادرة العربية تعني التخلي عن الرغبة في إقامة الدولة الفلسطينية (الاثنين 7-6). وهو كلام استغربت له، لأنني افترضت أنه في موقعه كوزير لخارجية مصر يعرف أن هذا الكلام غير صحيح، إذ لا علاقة بين المبادرة وإقامة الدولة، ناهيك عن أن مخططات السياسة الإسرائيلية تستهدف الحيلولة دون إقامة تلك الدولة، ليس فقط بما تحدثه من تغيير في جغرافية الأرض، وإنما أيضا بما تضعه لها من شروط تجعلها مسخا مجردا من السلاح وعاجزا عن الحركة. وهذه الأوصاف تحتها تفاصيل كثيرة لا شك في أن السيد أبوالغيط على علم بها. ولأنني أربأ به أن يكون مغيبا إلى الدرجة التي تجعله غير ملم بما بات معلوما من السياسة بالضرورة، فقد بقي لدي تفسير واحد لكلامه سابق الذكر، وهو أنه أراد أن “يستغفلنا”، وهو يبرر استمرار المبادرة التي جعلتها بعض الحكومات العربية بمثابة صك لتبرئة ذمتها، تدعي به أنها قدمت “رؤية” لإقرار السلام مع “إسرائيل”، ومن ثم أدت ما عليها، ولا يستطيع أحد أن يطالبها بأكثر من ذلك. وكأنها (بالمبادرة) ألقت بالكرة في المرمى الإسرائيلي والمجتمع الدولي، بحيث تكون الخطوة التالية مسؤولية الأخيرين. أعني أن السيد أبوالغيط تحدث في هذه النقطة باعتباره وزيرا يتعين عليه أن يدافع عن سياسة حكومة بلاده وأن يبررها ويزينها، وليس باعتباره دبلوماسيا عرك المشكلة وأحاط علما بملابساتها ومآلاتها.

لأن الأمر كذلك؛ فإنني لا أقصد بالتعليق على كلامه أن ألفت انتباهه إلى ما يعرفه، ولكن قصدت أن أخاطب الذين تلقوا كلامه وصدَّقوه. إذ إنني لا أشك مثلا في أنه يعرف الفرق بين تحرير فلسطين وبين مسألة إقامة الدولة، وأن اختزال القضية في الدولة وتجاهل استعادة الأرض المحتلة منزلق خطر، يخدع الناس ويستغفلهم بدوره، خصوصا أن ثمة ألف لغم في مواصفات الرقعة المرشحة ومساحتها وفي مواصفات الدولة المنشودة (“إسرائيل” لا تريد العودة إلى حدود عام 67، كما أنها تتحدث عن دولة منزوعة السلاح، وتحت سيطرتها الكاملة في البر والبحر والجو).

أريد أن أقول إن الدولة ليست جوهر الصراع، وإنما ذلك الجوهر يتمثل في الأرض التي لا تكف “إسرائيل” عن ابتلاعها بمختلف الحيل. لذلك فإن وضع القضية قبل المبادرة كان أفضل منه بعدها. وربما يذكر البعض أن منظمة “التحرير” حصرت نضالها في المطالبة بتحرير الأرض منذ الستينيات وحتى قبل قمة بيروت في عام 2002، ولكن المبادرة التى أعلنت في تلك القمة كانت خطوة إلى الوراء وليس إلى الأمام (لا تنس دور الصحفي الأمريكي توماس فريدمان في إطلاقها من خلال ولي العهد السعودي الأمير عبدالله (الملك الآن) لتحسين صورة المملكة التي شوهتها أحداث سبتمبر 2001 التي قيل إن أغلب المشاركين فيها كانوا من السعوديين).. ذلك أنها قدمت لـ“إسرائيل” مشروع صلح مفتوح تنازلت فيه عن حق العودة. وهو ما سوغ لها أن تلعب بالمبادرة، خصوصا في شقها المتعلق بيد الصلح الممدودة، فرفضتها في العلن، وعمدت إلى تفكيكها في الواقع، حيث رحبت بالصلح وعملت على تنشيطه باختراق جدار المقاطعة العربية.. وإضافة إلى رفضها الانسحاب إلى حدود 67، فإنها طرحت فكرة تبادل الأراضي، في حين أطلقت العنان للاستيطان والتهجير والتهويد.

ومنذ ظهرت السلطة الفلسطينية في الأفق، فإن قضية تحرير الأرض تراجعت إلى الوراء وأصبح الجدل والسجال يدوران حول تبديد الأرض!

لقد تحولت المبادرة العربية في حقيقة الأمر إلى ضوء أخضر لـ“إسرائيل” لكي تنفذ مخططاتها في الأرض المحتلة، وإلى مخدر تعاطته الأنظمة العربية وأوهمها أنها قدمت مشروعها للسلام. ولأنها مفتوحة، فقد بدا كأنها صممت لكي يظل انتظارها مستمرا حتى تفرغ “إسرائيل” من تحقيق كل مخططاتها. من ثم فإنها استحقت أن يوصف التلويح بها بأنه أقرب إلى ما نسميه “حجة البليد”.

في عام 2002 أعلنت المبادرة، وبعدها شرعت “إسرائيل” في بناء الجدار العازل وقتلت ياسر عرفات وأسرعت في خطى الاستيطان وهدم بيوت المقدسيين ولعبت بالمفاوضات. وبعد سبع سنوات، في عام 2009، أعلن العاهل السعودي في قمة الكويت الاقتصادية، أن المبادرة لن تبقي طويلا على المساندة، فهلل العرب وظنوا أن القمة تبعث برسالة تحذير.. ولكن بعد 18 شهرا من ذلك التصريح لم يحدث شيء سوى دعوة مجلس الأمة الكويتي إلى انسحاب بلدهم منها، ثم خرج علينا السيد أبوالغيط بكلامه الذي أفهمنا فيه أن استمرار المبادرة شرط لإقامة الدولة الفلسطينية. المدهش أنه كان جادا فيما قاله، ولم يكن يداعب سائليه أو يمزح معهم!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2165385

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165385 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010