الأحد 6 أيار (مايو) 2012

مصنع للقتَلَة في ثكنة للموت

الأحد 6 أيار (مايو) 2012 par عبداللطيف مهنا

يقولون إن كل الدول في هذا العالم لها جيوش إلا واحدة اختلفت فشذتّ عن هذه القاعدة هي دولة الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، إذ هي بخلاف سواها جيش محتل له دولة. هذا الشذوذ هو منسجم تماماً مع طبيعة هذا الكيان وبالتالي ثابت سيظل ملازماً لوجوده، ذلك باعتباره التجمع الاستعماري الاستيطاني الإحلاليً الذي قام أصلاً كنتيجةٍ موضوعيةٍ لغزوٍ فاغتصابٍ لوطن شعبٍ آخرٍ نكبه وشرده وجثم بالقوة مؤسساً كيانه الغاصب على أنقاضه. ولأنه كيان مفتعل يتنافى وجوده الغريب على منطقةٍ غرس عنوة في القلب منها مع كافة حقائق التاريخ والجغرافيا وأبسط قيم ومعاني العدالة الإنسانية، رافقته بالضرورة هشاشة الطارئ المرفوض والزائف المُصطنع، على الرغم من كل ما حباه به عرابوه ومتبنوه الغربيون من مختلف أسباب القوة الأعتى والأفتك والأكثر تطوراً في عالمنا، وحيث مدوه بكل ما ملكته أيديهم ووفروا له أسباب البقاء المادي والمعنوي، وشملوه بمظلة حمايتهم المستديمة، وزاولوا حرصاً مشهوداً على تغطية جريمته المستمرة على امتداد أكثر من ثلاثة أرباع القرن متكفلين استمراريتها، ذلك، بضمان تفوقه الدائم، والتزامهم الراسخ بصون أمنه.

وعليه، ولطبيعة «إسرائيل» المشار إليها، وبالتالي دورها ووظيفتها في سياق الاستراتيجيات الاستعمارية الغربية في المنطقة، المزمنة منها والمحدثة، ليس لها أن تكون سوى هذه الثكنة العسكرية العدوانية والقاعدة المتقدمة المنسجمةً مع مثل هذه الطبيعة وهذا الدور وتلك الوظيفة، وبالتالي بات من الطبيعي أن كل من ضمه تجمعها البشري المجلوب والمستورد بكامله من أربع جهات الأرض عسكراً مدججاً بالسلاح، وبذا استحقت من ثم وصفها بالجيش الذي له دولة لا الدولة التي لها جيش.

... ولأنها كذلك، فإلى جانب البعدين الوظيفي في خدمة المشروع الغربي المعادي، والديني الممزوج بأكداسٍ من الزائف الأسطوري والملفق الخرافي، كان الأمن هو البعد الثالث الذي يرتكز عليه وجودها القلق، حيث إن أي اهتزاز لواحدٍ من هذه الأبعاد الثلاثة هو الكفيل بطرح مسألة مصيرها ومستقبل وجودها برمته قيد التشكيك ورهن التساؤل ومدار البحث، الأمر الذي من شأنه أن يفسر لنا سر كل هذه الفوبيا الوجودية القاتلة التي تستوطنها، أو رهاب انعدام اليقين المرضي بمستقبل وجودها وإمكانية بقائها، هذا المستشري المقيم لدى كافة شرائح ومستويات مستوطنيها، على الرغم من كل ما يكفله لها الغرب متبنيها منذ أن اختلقها من أسباب القوة والتفوق، وكل ما حباها به من سبل الاستمرارية ووسائل البقاء.

لذا، ليس من المستغرب أبداً أن تصادف أن كل قادة «إسرائيل» وسائر الممسكين عادةً بالقرار في كيانها قد جاءوا جميعهم تقريباً من داخل المؤسسة الأمنية وانحدروا منها، ولا من عجب في أن تتحول مثل هذه الثكنة الاستعمارية العدوانية إلى قلعة موت وأن يتحول جيشها المحتل الى مصنعٍ عتيدٍ للقتلة، وهل كان في كل الوقائع التي رافقت عقود وجودها وعلى امتداد الصراع معها ثمة ما يشي بغير هذا؟!

ولنتوقف فحسب أمام آخر ما نما إلينا من الأمثلة :

أواخر العام 2008 وبداية العام 2009 كانت الحرب العدوانية الإبادية التي شنها الجيش «الإسرائيلي» على قطاع غزة المحاصر المستفرد به، والتي أسماها شانوها «عملية الرصاص المسكوب»، وارتقوا بها إلى مستوى المذبحة الموثَّقة بالصوت والصورة في حينه، حيث شهد قاصي العالم ودانيه توالي وقائعها مفصلةً وتابعها على شاشات التلفزة بكل لغات الأرض. كعادتها، وكما هو معروف، قاومت غزة المعتدين ببسالتها المعهودة وصمدت بعنادها وإيبائها المعروفين فأفشلت تضحياتها البطولية الأسطورية استهدافات العدوان، وبذا انتصرت رادتها، وهي المثخنة المستفرد بها، على إرادة أعدائها. إبان هذه المحرقة «الإسرائيلية» والملحمة الفلسطينية، وفي الرابع من يناير2009، تمكن الغزاة من احتلال حي الزيتون في مدينة غزة، وعلى بعد ما يقل عن الثمانين متراً من تمركز وحدة من لواء «جفعاتي» الشهير بدمويته كانت عائلة السموني الفلسطينية الكبيرة العزلاء محاصرةً بالقتلة بعد أن جمَّعها المحتلون في بيتٍ واحدٍ وتنتظر مصيرها. لم يطل الانتظار لأن قائد الوحدة لم ترق له إطالة أمده فأمر قواته بقصف البيت بمن فيه. استشهد واحد وعشرون فرداً من هذه العائلة المنكوبة، من بينهم تسعة أطفال، وجرح أكثر من أربعين... وكالعادة، يشكل هذا الجيش إثر كل مذبحةٍ أو انفضاح جريمةٍ من مسلسل جرائمه المتوالية لجنة تحقيقٍ، الهدف منها دائماً التعمية على وحشيته والتظاهر بالتمدن، ومحاولةً منه لامتصاص ما قد يبدر من ردود أفعال إنسانيةٍ محتملةٍ على ما ارتكبه، ولا تنتهي حكماً إلا بطيها وتبرئة مرتكبيها وغالباً مكافأتهم ... بعد كل ما مر عليها من أعوام انقضت في التحقيق في بطولة وحدة لواء «جفعاتي» في حي الزيتون، ما الذي انتهت إليه لجنة مذبحة آل السموني؟!

قبل أيام وفي رسالة لـ«بتسيليم»، أشارت ما توصف بنائبة المدعي العام للشؤون العملانية إلى أن «ملف التحقيق في الشرطة العسكرية «الإسرائيلية» قد تم إغلاقه»... لماذا؟! لأنه قد «تبين أن الجهات ذات الصلة لم تتصرف بإهمال في ظروف القضية بطريقةٍ يتحقق معها المسؤولية الجنائية»... بقي أن نشير إلى أن آمر وحدة قتلة آل السموني إيلان مالكا، الذي تمت تبرئته على هذا النحو، ينتظر هذه الأيام ترقيته الى رتبة عميد...لا من غرابةٍ في مثل هذا.. فنحن هنا نتحدث عن مآثر لمصنعٍ للقتلة في ثكنةٍ أُختلقت لصناعة الموت!!!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 53 / 2166082

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2166082 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010