الأحد 6 أيار (مايو) 2012

الفلسطينيون في وادٍ وقيادتهم في وادٍ آخر

الأحد 6 أيار (مايو) 2012 par علي جرادات

شكل القرن التاسع عشر قرْنَ تشكل «الدولة الأمة»، سواء بتجميع الأمة المنتشرة في دول عدة في دولة واحدة، أو بانقسام الإمبراطوريات متعددة القوميات إلى دول قومية. وفي العقد الثاني من القرن العشرين حاول العرب الانفصال عن الإمبراطورية العثمانية وتشكيل دولة عربية واحدة، لكن الدول «الغربية» التي تحالفوا معها في الحرب العالمية الأولى، قامت بتقسيم الوطن العربي بـ «مبضع» اتفاقيتي سايكس-بيكو (1916)، وسان ريمو (1920)، إلى دول عدة بعضها مستقل وبعضها تحت الانتداب، بينما تضمن صك الانتداب البريطاني على فلسطين وعداً بـ «إقامة وطن قومي لليهود» فيها، وقد تم تنفيذ هذا الوعد بعد ثلاثة عقود من التهيئة في عام 1948، عام نكبة فلسطين وشعبها التي تحل بعد أسبوع ذكراها الـ 64، بل تحل ذكرى مرور 64 عاماً من الصراع عليها، صراع طاحن شكلت الأرض والسيطرة عليها جوهره ومحوره الأساس، ودون هذا الفهم ما هو إلا تفريع للأصل أو تأصيل للفرع، يقود الانجرار إلى أي منهما إلى تيه سياسي ليس بعده تيه، ذلك أنهما وجهان لعملة سياسة صهيونية واحدة. وهذا استخلاص كبير ليس المطلوب تظهيره والتشديد عليه باستمرار فقط، إنما تبنيه أيضاً، وهذا هو الأهم، منطلقاً لا محيد عنه في كل محطة من محطات رسم سياسة إدارة الصراع برنامجاً وممارسة، وبالمعنيين الاستراتيجي والتكتيكي.

إذ دون ذلك، وبصرف النظر عن النوايا، تغرق سياسة إدارة الصراع في تفاصيل تجلب صاحبها بوعي أو من دون وعي، بشكل مباشر أو غير مباشر، إلى اللعب السياسي البائس في ملعب المخططات السياسية الصهيونية ومن يدعمها، وهي المخططات التي طرأت عليها تغيرات في تكتيكاتها وأساليبها ووسائلها تبعاً لتغيرات معطيات الصراع وظروفه وميزان قواه، لكن هدفها لم يتبدل أبداً حيث ظل هو هو الاستيلاء على الأرض وابتلاعها واستيطانها وتهويدها وتمزيقها واقتلاع وتهجير وتشريد سكانها الأصليين العرب الفلسطينيين منها، الذين ظلوا بدورهم، ولا يزالون، وحيثما أقاموا، مقاومين متشبثين بحقهم في استعادة أرضهم والعودة إليها، ذلك رغم كل ما تعرضوا له، ولا يزالون، من تطهير عرقي قل نظيره في العصر الحديث، ورغم كل ما ارتكب بحقهم، ولا يزال، من جرائم موصوفة يندى لها جبين كل من لم يعتلِ الصدأ ضميره، أو يفقد حسه الإنساني، بعد.

بل، وحتى بعد انحناءة موافقة قيادة منظمة التحرير الفلسطينية على مشاركة وفد من الأراضي المحتلة عام 1967، ضمن الوفد الأردني وتحت مظلته، في مفاوضات «مؤتمر مدريد للسلام» عام 1991، وعلى الرغم مما أحدثته هذه الانحناءة من شرخ في الوحدة السياسية للشعب الفلسطيني، ظل الوفد، برئاسة المرحوم حيدر عبد الشافي، متنبهاً لجوهرية موضوعة الأرض ومحوريتها، حيث طالب قيادة المنظمة بوقف تلك المفاوضات ما لم توافق «إسرائيل» على مطلب التوقف عن مواصلة عمليات الاستيلاء على ما تبقى من الأرض الفلسطينية واستيطانها وتهويدها، ليكتشف ومعه كل الشعب الفلسطيني وقواه السياسية والمجتمعية أن قيادة المنظمة كانت تدير مفاوضات سرية تخلت فيها عن الأساسي من أوراق قوتها، ومن أهمها، وربما أهمها، التخلي عن شرط المطالبة بوقف عمليات الاستيطان والتهويد، مقابل السماح بإقامة «سلطة فلسطينية انتقالية» في «غزة وأريحا أولاً» انتهى عمرها الزمني في مايو/أيار 1999 وفقاً لبنود «اتفاق أوسلو» الذي أنجبها وسن اشتراطاتها الثقيلة وحدد صلاحياتها المحدودة والمقيدة، التي، وبرغم استمرار سلب المزيد من الأرض في ظلها، قرر أرييل شارون في العام 2002 شطبها، (الصلاحيات)، وتحويلها إلى اسم بلا مضمون، وذلك كرد عملي على «مبادرة السلام العربية» التي لم يكن قد جف حبرها بعد، حين أقدم على اجتياح الضفة الغربية.

ومذّاك، (على الأقل)، صار واضحاً أنه بالعبث أشبهُ: الاستمرار بالمفاوضات المباشرة تحت الرعاية الأمريكية سبيلاً لاستعادة ولو الحد الأدنى من الحقوق العربية والفلسطينية المغتصبة، وأنه لم يعد ثمة من خيار سوى البحث عن سبيل آخر، (بديل)، ولكن هيهات أن يقتنع بهذا الاستخلاص أصحاب نظرية «الحياة مفاوضات»، فيما الأرض يزداد استيطانها وتهويدها يوماً عن يوم، وبصورة مسعورة تشي بأن قادة «إسرائيل»، إنما يسابقون الزمن لاستكمال السيطرة عليها، فيما يواصل أصحاب نظرية «الحياة مفاوضات» تبديد هذا الزمن في المزيد من جولات التفاوض العبثي، بل، ودخلوا، ومعهم قيادة «حماس» منذ يونيو/حزيران 2007 في متاهة اقتتال وانقسام داخليين عبثيين مدمرين، أفقدهما أهم أوراق قوتهما، وزادهما ضعفاً على ضعف، ووهناً على وهن، ليصبحا جنباً إلى جنب في واد غير وادي المجابهة الفعلية مع الاحتلال، المجابهة التي ماانفك الشعب الفلسطيني يقوم بها، إنما بشكل مشتت، وفي ظل غياب ناظم سياسي وقيادي واحد موحد وموحد.

وفي العام 2008 شكل صعود أكثر الأحزاب الصهيونية تشدداً، بل، وأكثرها فاشية كما تصفها حتى جهات «إسرائيلية»، إلى سدة الحكم في «إسرائيل» بقيادة نتنياهو، حدثاً سياسياً أنبأ منذ وقوعه بأن المنطقة العربية وغلافها الإقليمي قد دخلت في أتون محطة تصعيد سياسي غير مسبوق، وبأن الشعب العربي الفلسطيني بالذات قد دخل، (قضية وأرضاً وحقوقاً)، وحيث وجد، في طور نوعي من المواجهة لا يقوى على التصدي للحد الأدنى من استحقاقاتها الثقيلة إلا بتوافر شرطين مترابطين، شرط الخروج على الإملاءات المترتبة على «السلطة الفلسطينية»، سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وهي الثقيلة والمجحفة، وشرط إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية بمعناها السياسي أولاً وقبل أي معنى آخر. لكن مرة أخرى هيهات أن تقتنع بمتطلبات هذا الاستخلاص ومقتضياته قيادتا «المنظمة» و«حماس» اللتان ما انفكتا تتحاربان على «سلطة لا سلطة لها» على الأرض التي ما لم يجرِ إعادة رسم سياسة المواجهة مع الاحتلال على أساس، وانطلاقاً من، كونها، (الأرض)، قبل أي شيء آخر، جوهر الصراع ومحوره الأساس، ستبقى قيادتا «المنظمة» في الضفة و«حماس» في غزة تدوران في حلقة مفرغة من التيه السياسي، وتحبطان بالنتيجة، وبمعزل عن النوايا، كل إمكانية لتحويل الهبات الجماهيرية التي لم تنقطع، وآخرها هبة الأسرى وبطولتهم الأسطورية منقطعة النظير، إلى انتفاضة شعبية متصلة ومستمرة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2182172

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

23 من الزوار الآن

2182172 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40