الأحد 6 أيار (مايو) 2012

العنصرية بعينها

الأحد 6 أيار (مايو) 2012 par محمد عبيد

قرار نيابة إحدى مناطق شمالي باريس الاستمرار بملاحقة أربعة ناشطين مؤيدين للشعب الفلسطيني، انخرطوا في نشاطات داعية إلى مقاطعة منتجات الكيان، بعدما برأتهم محكمة الجنح من اتهام النيابة لهم بـ «التحريض على التمييز والكراهية أو العنف»، يؤشر بكل وضوح إلى العنصري الحقيقي في فرنسا، ممثلاً بهذه الجهة الرسمية التي أبت الرضوخ لقرار المحكمة التي رأت أن ما يزعم أنه «تحريض على التمييز» لا ينطبق إلا على شعب أو مجموعة سكانية لا على دولة أو منتجاتها.

العنصرية بعينها ما كان من سلوك هذه النيابة التي يفترض في مهمتها تطبيق القانون، وتعزيز مسار العدالة، وإعادة الحقوق إلى أصحابها، لكننا على العكس شهدنا سلوكاً لا يخلو من تسييس للقضية، من جهة، وانحياز إلى طرف على حساب آخر من الجهة الأخرى.

فإذا كانت المحكمة الفرنسية برّأت هؤلاء «المتهمين» الذين لا ترى لهم تهمة غير انتصارهم لضميرهم الإنساني، وممارسة حق إنساني أساسي، يتمثل في حرية الرأي والتعبير والانتظام في مجموعات سياسية أو حقوقية، الأمر الذي لا تكفله التشريعات الفرنسية فحسب، بل القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، فلماذا هذا الاستهداف المكشوف من النيابة الفرنسية لهؤلاء النشطاء الأربعة؟ ولماذا لا نسمع عن استهداف نشطاء آخرين يتعدى نشاطهم التعبير عن الرأي والممارسة السلمية لحق التظاهر؟

القضية العائدة إلى العام 2009، وتأكيد نيابة منطقة بوبينيي شمالي العاصمة باريس أنها استأنفت ضد قرار المحكمة الذي أصدرته الخميس، بوقف ملاحقة الناشطين، تطرح الكثير من الأسئلة عن نزاهة ومهنية هذا الجهاز الرسمي الفرنسي، وتطرح تساؤلات أكثر عن دوافع العودة إلى قضية محسومة شكلاً ومضموناً في القانون والعرف ومبادئ الجمهورية الفرنسية ذاتها، وحتى لو سلّمنا بحق المختصمين لدى المحكمة ممثلين بجهتي الادعاء والدفاع في استئناف أي قرار يصدر منها لدى محكمة أعلى درجة، فإن الأمر يبدو خارجاً عن عرف وثقافة الاحتكام إلى القضاء التي لا تنطوي على استهداف على أساس شخصي أو عنصري، ولا تحتمل سلوكاً تعسفياً أو موجّهاً ضد فئة بعينها.

حملة المقاطعة التي نشطت في العام 2009، وأطلقتها هيئات من المجتمع المدني الفلسطيني، هدفت بكل وضوح إلى محاربة سلع تنتجها «إسرائيل» عبر مستعمراتها الجاثمة على الأرض الفلسطينية المحتلة، ما يعطي للحملة بعداً قانونياً دولياً، مركزه تجريم استغلال الكيان أراضي فلسطين المحتلة العام 1967، من خلال الزراعة في أراض مسلوبة من الفلسطينيين، وتصدير منتوجاتها إلى العالم حاملة شعارات وأسماء تابعة للكيان، ما يعني سرقة مزدوجة، وقرصنة على مستوى دولي.

ليست المرة الأولى التي نرى فيها ازدواجية فرنسية في ما يخص القضية الفلسطينية، فالتاريخ زاخر بالشواهد الحية على هذا الانحياز الكامل، والتبني الصريح للرواية الصهيونية، وما تحمله من كراهية وعنصرية وتمييز بحق الشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال، ومن الشواهد حديثة العهد على التمييز والانحياز الفرنسي لـ «إسرائيل»، تفريق الإدارة الفرنسية بين اثنين من مواطنيها مزدوجي الجنسية، الأول الجندي «الإسرائيلي» غلعاد شاليت الذي أطلق سراحه في صفقة تبادل أسرى بين حركة «حماس» والكيان، والذي قام الرئيس الفرنسي وإدارته ولم يقعدوا من خلال مطالباتهم المستمرة بإطلاق سراحه، والثاني هو الأسير الفرنسي من أصل فلسطيني صلاح الحموري الذي قضى سنوات سبعاً في معتقلات الاحتلال من دون أن يتعدى الخطاب الرسمي الفرنسي إبداء الأمل على لسان ساركوزي نفسه في أن تفرج عنه «إسرائيل»، وكأننا به يتجاوز مبادئ الجمهورية بالتمييز بين مواطنين، واضعاً بينهما درجة أو اثنتين. أليست العنصرية بعينها في هذا السلوك؟ ومن ثم هل هناك ما هو أكثر عنصرية من الانحياز إلى الكيان؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 42 / 2178523

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2178523 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40