السبت 5 أيار (مايو) 2012

بين خضر وبلال

السبت 5 أيار (مايو) 2012 par محمد عبيد

بين الأسير الفلسطيني المحرر خضر عدنان الذي خاض أطول إضراب عن الطعام في تاريخ النضال الفلسطيني، والمعتقلَيْن الإداريَيْن بلال ذياب وثائر حلاحلة اللذين باتا على عتبة وضع رقم «قياسي» جديد، في معركة الأمعاء الخاوية التي يخوضانها، إلى جانب أكثر من 1300 من أسرى الحرب الفلسطينيين في معتقلات الاحتلال، قواسم مشتركة كثيرة، من حيث أسباب الإضراب عن الطعام، والخلفية النضالية لهذه الخطوة الاحتجاجية السلمية، على تعنت سلطات الاحتلال وصلفها وإجرامها بحق الأسرى، لكن الاختلاف الواضح بين الحالتين، يبرز في تعمّد سلطات الاحتلال المماطلة في وضع حد للاعتقال «الإداري» الذي يكافح الأسيران للانعتاق منه، ومراهنتها على كسر إرادتهما هذه المرة، من دون تقديم «تنازلات»، تظهر الكيان مهزوماً صاغراً.

بلال الذي سقط مغشياً عليه في قاعة ما تسمى «المحكمة العليا» في الكيان، لدى نظرها استئنافاً قدمه محاميه وثائر أمامها للنظر في قضيتهما، يجابه وزميله المضرب معه منذ 29 شباط/فبراير الماضي، لحظة حقيقة، قد تحل بنهاية تراجيدية للأسيرين اللذين يدخلان اليوم يومهما الـ 67 في إضرابهما المفتوح، ما يعني أنهما يدخلان مرحلة تتجاوز مع ما توقف عنده الأسير المحرر خضر عدنان، وما يعني أيضاً أنهما يواجهان سياسة جديدة يتبعها الاحتلال «الإسرائيلي» تهدف أولاً إلى كسر إرادة جميع الأسرى الفلسطينيين من بوابة هذين الأسيرين المضربين، ولا تعبأ بحقيقة كونهما على حافة مرحلة شديدة الخطورة قد تنتهي باستشهادهما.

الكيان تعلم درساً قاسياً على يدي خضر عدنان ومن بعده الأسيرة المبعدة هناء الشلبي، وها هو الآن يفعل ما بوسعه كي لا يتجرع مرارة هزيمة جديدة أمام الأسيرين بلال وثائر، ومن خلفهما جيش من الأسرى الذين يشارف إضرابهم عن الطعام على دخول يومه العشرين، من دون أن يتغير شيء على مواقف وسياسات سلطات المعتقلات، بل على العكس في ظل تصاعد الهجمة الشرسة على الأسرى، ومحاولات مستميتة لكسر إضرابهم، وإنهاء معركتهم السلمية المفتوحة، وليس أدل على ذلك ما لجأت إليه من منعهم لقاء محاميهم، واستمرارها في محاولات عزلهم بشكل كامل عن العالم الخارجي.

ما بين خضر وبلال ومعه ثائر لا يقاس بأدوات بسيطة تعتمد البحث عن مقارنة بين حالتين اثنتين، بل يتعدى ذلك إلى ملف هائل تتجاوز فيه الأبحاث دراسة مئات الحالات، التي تنطوي كل منها على مسيرة نضال ضد الاحتلال، وتشكل في مجموعها ثورة صامتة في معتقلاته، وهبّة انتصار للكرامة الإنسانية بمفهومها العالمي، في مواجهة قوة غاشمة تنتهج الإذلال والتعذيب، وامتهان الكرامة الإنسانية، وتبرع في استخدام أدوات الموت البطيء في مواجهة الأسرى العزل، وبين هذا وأولئك مسيرة طويلة لمّا تنتهِ، ونضال قدّر له أن يطول، وفي الميزان لا شيء إلا كسر لصلف الاحتلال وتعنته، أو شهادة ما كان هؤلاء المناضلون بعيدين عنها في أية لحظة مرت أو ستمر من حياتهم.

إنها صرخة فلسطينية مدوّية في بئر الضمير العالمي المغيّب طوعاً عن المشهد، والمكتفي بإصدار بيانات المناشدة للكيان المارق، الخارج عن أي قانون أو شرعة دولية أو إنسانية، بدلاً من أن يكون التحرك فعلياً بالضغط على «إسرائيل»، وعزلها دولياً، والتعاطي معها بوصفها قوة احتلال غير ملتزمة أيا من مبادئ واتفاقيات حماية الإنسان وحقوقه تحت الاحتلال.

أما أنتم أيها الأسرى الفلسطينيون الصابرون الصامدون، فلا شك أنكم تدركون أنها معركتكم التي تركتم فيها وحيدين عزلاً من أي سلاح إلا إرادتكم التي تأبى انكساراً أو مصادرة، أو تغييباً، على أيدي هذا الاحتلال الغاشم، وما لكم إلا الاستمرار في نضالكم السلمي، لأن التراجع في هذه المرحلة سيحقّق للكيان ما ناضل الشعب الفلسطيني عقوداً للحفاظ عليه.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2165400

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2165400 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010