الجمعة 4 أيار (مايو) 2012

«القاعدة» اليوم في سوريا.. وغداً في لبنان؟

الجمعة 4 أيار (مايو) 2012 par سامي كليب

إذا صدق الأميركيون، فان مقاتلي تنظيم «القاعدة» باتوا الأكثر خطورة في سوريا. وإذا أضيف الى الكلام الأميركي مسلسل التفجيرات الممتدة من دمشق الى حلب، والحامل توقيع هذا التنظيم، يمكن القول ان المطلوب فعلاً هو حرب أهلية في سوريا من جهة، وان لبنان مهدد بالتحول الى الساحة الفضلى للمقاتلين «القاعديين» الهاربين عبر الحدود من جهة ثانية.

هذه أولاً أبرز التصريحات الأميركية: هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية تقول في حديث لشبكة «سي بي أس»: «نحن نعلم ان زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري يؤيد المعارضة (السورية) فهل نؤيد «القاعدة» في سوريا، والآن أصبحت «حماس» تؤيد المعارضة، فهل نؤيد «حماس» في سوريا»؟

ما كانت كلينتون لتقول مثل هذا الكلام لو لم يسبقها، أبرز القادة العسكريين والاستخباراتيين الى هذا التوصيف. جيمس كلابر رئيس جهاز الاستخبارات الأميركية قال «ان تفجيرات حلب ودمشق تحمل بصمات «القاعدة»، وان «القاعدة» اخترقت المعارضة السورية المنقسمة». الجنرال مارتن ديمبسي رئيس أركان القوات الأميركية المشتركة قال لشبكة «سي أن ان: «لدينا مؤشرات ان «القاعدة» مشاركة بالتفجيرات وأنها مهتمة بدعم المعارضة».

وقبل أيام قليلة، نقلت وكالات الأنباء العالمية عن مسؤول استخباراتي رفيع في الكونغرس قوله «ان أعضاء من جماعة «القاعدة» الإرهابية يتسللون الى صفوف المعارضة السورية».

الأجهزة السورية كانت قد أعدت لوائح مفصلة حول العناصر العربية او تلك الحاملة جنسيات غربية ـ عربية والتي تنضوي تحت لواء «القاعدة» وتنشط في الأراضي السورية. تضم هذه اللوائح أسماء كثيرة ومن دول عربية مختلفة أبرزها من ليبيا. ومن بين ما تسرب مثلاً ان وليد البستاني وهو من عناصر «فتح الإسلام» كان «يتزعم مجموعة إرهابية» في بلدة الحصن وقتله بعض عناصر «الجيش الحر» بتهمة قتل عنصرين منه. وان شخصين ليبيين من مصراته قتلا وجرح ليبي آخر في قرية الميسر في حلب، وان ضاحية دوما شهدت تظاهرات رفعت فيها أعلام «القاعدة» وكذلك الأمر في ادلب، وان سيارة تحمل لوحة عليها شعار «القاعدة» اخترقت معبر تل ابيض الحدودي، وانه بعد الدخول الى منطقة بابا عمرو في حمص تم اكتشاف مواقع لسجون وغرف تعذيب فيها شعارات تستخدمها «القاعدة» او مجموعات مقربة منها.

تقول أوساط دمشق ان لدى الأجهزة السورية ملفات عدة حول تورط «القاعدة»، وثمة معلومات نقلت الى دول عربية تحمل شيئاً من التحذير حيال التغاضي عن هذه العناصر أو حيال تعمد إرسالها. يقال ان لبنان كان من بين هذه الدول التي تم توجيه تحذيرات مباشرة اليها.

بعض المقربين من السلطات السورية يذهب الى حد القول ان الاستخبارات السورية لم تقطع صلاتها مطلقاً مع استخبارات عربية وتركية وغيرها للوقــوف عند خطر تمدد «القاعدة» في الجسد السوري وعند تسلل عناصر «ارهابية».

دققت أوساط غربية في المرات التي تبنت فيها «القاعدة» التفجيرات على الأراضي السورية. تبين ان التبني صحيح في معظم المرات. قالت هذه الأوساط ان ما يحصل في سوريا هو تنفيذ حرفي لدعوة أطلقها الظواهري في شهر شباط الماضي. دعا القيادي «القاعدي» في تسجيل صوتي بعنوان «الى الأمام يا اسود الشام» مسلمي تركيا والعراق ولبنان والأردن الى «النهوض لمساعدة السوريين الذين يواجهون قوات الأسد».

في المعلومات أيضاً، ان الروس قدموا للدول الغربية معلومات دقيقة حول خطر «القاعدة» في سوريا. كان هذا أحد أبرز أسباب تراجع دول عدة وبينها فرنسا عن الرغبة في تسليح المعارضة. زد على ذلك، ان المعارضة المنقسمة على نفسها لم تعد مصدر اطمئنان لهذه الدول، ويقول مصدر أوروبي موثوق ان هذه المعارضة لم تستطع تقديم دلائل دامغة حول قدرتها على ضبط السلاح وعدم وقوعه بأيدي «القاعدة».

سارع قياديون في «المجلس الوطني» المعارض للتبرؤ من «القاعدة». اعتبر بعضهم ان كثرة الكلام الأميركي عن اختراقات «القاعدة» ستوفر للنظام فرصة ذهبية للانقضاض على المعارضة و«الجيش الحر» والمسلحين.

لا شك ان ما تقوله المعارضة السورية لا يصل الى الآذان الغربية إلا إذا توافق مع مصالحها. القلق الغربي من «القاعدة» له علاقة بالمصالح الأميركية في المنطقة وبـ «إسرائيل». ذهب البعض الى حد القول لم يعد أمام الغرب سوى الجيشين السوري والمصري للتصدي للتمدد الإسلامي في حال خرج عن ضوابطه. يبدو ان الروس سوقوا مراراً هذه المقولة.

لعل نظرة عابرة على الصحف الغربية من واشنطن الى لندن فباريس تعكس هذا القلق الغربي المتنامي. يقول مثلا الكاتب طوني باترسن في «الاندبندنت» البريطانية «ان تطور الأوضاع في سوريا كبير الخطورة، ذلك ان «القاعدة» باتت تظهر قوة متنامية في منطقة مركزية في «الشرق الأوسط»، والحال هنا تختلف عن مناطق معزولة كباكستان او اليمن او الصومال، وان الربيع العربي بالتالي يمكن ان يتأثر بأفكار بن لادن».

ثمة من يقول ان وجود «القاعدة» في سوريا يخدم أعداء دمشق. لا بأس مثلاً ان تغرق سوريا في حرب أهلية يتم خلالها إرباك الجيش السوري بحرب داخلية طويلة، ويسهل التدخل الدولي لو تم إقراره يوماً ما (برغم استبعاد ذلك حالياً)، كما ان «القاعدة» بما لها من بعد مذهبي سني تساهم في استنزاف إيران على الأراضي السورية.

ولكن بعض مراكز الدراسات الغربية باتت تشير الى عوامل قلق فعلية من تمدد التيارات السلفية و«القاعدية» في الجسد العربي، ذلك أن ما يحصل من ليبيا الى تونس مروراً باليمن ومصر وصولاً الى سوريا، ينذر باحتمال خروج الأمور يوماً ما عن ضوابطها.

إذا كان البعض يربط التحذيرات الأميركية من «القاعدة»، بعدم رغبة واشنطن بالانزلاق الى المستنقع السوري، إلا ان كثيرين باتوا يتحدثون عن قلق غربي حقيقي وفر غطاء غير مباشر لروسيا للبحث عن مخارج للازمة السورية برغم استمرار أزمة بقاء او عدم بقاء الرئيس بشار الأسد في أي حل مقبل.

تكمن مشكلة الأميركيين والغربيين في أنهم رفعوا السقف عالياً في حديثهم عن إسقاط الأسد ونظامه، فباتوا اليوم غير قادرين على التراجع عن هذه المقولة وربما غير مرحبين ضمنياً بان يكون البديل نماذج خطرة من «القاعدة» والسلفية وغيرها.

ليس الوضع الأمني في سوريا من النوع القابل للانتهاء بين ليلة وضحاها. لم ينضج في الأفق أي حل سياسي. المطلوب هو إبقاء سوريا غارقة بحربها، ومضاعفة الاستنزاف الإيراني سياسياً ومالياً وأمنياً عبر الساحة السورية.

يعتقد البعض ان مهمة كوفي انان مرشحة للفشل. ينتظر كثيرون ان تفشل للانتقال الى مرحلة أعلى من الضغط. يذكِّر آخرون بالعمليات الجوية ضد صرب البوسنة. تتحدث باريس عن «الفصل السابع» في مجلس الأمن برغم السد الروسي الصيني المنيع.

كلها تحذيرات كلامية لتمرير الوقت حتى انجلاء الانتخابات الفرنسية أولاً ثم الأميركية وحتى اكتشاف الأسس المقبلة للعلاقة بين روسيا والولايات المتحدة. ثمة قمم ولقاءات عدة مقبلة بين الطرفين يذهب إليها الروسي متسلحاً بقوة داخلية وبسند كبير من دول «البريكس».

الشيء الوحيد الموحي بقلق كبير هو الوضع اللبناني. لا يستطيع الجيش السوري التراجع. مهما كان مستقبل مهمة أنان، ستمضي القوات السورية في العملية العسكرية ومطاردة المسلحين. قد لا يجد المسلحون مفراً سوى الهرب صوب لبنان. الحدود مع العراق باتت أكثر إحكاماً. الاتصالات الاستخباراتية مع تركيا والأردن لم تنقطع. من المرجح ان تتكثف العملية العسكرية وتتسارع إذا ما فشلت مهمة أنان. ليس أسهل وأفضل من الأراضي اللبنانية لفرار عناصر «القاعدة»، هل يستطيع لبنان تطويق ذلك في المرحلة المقبلة؟

سمع مسؤلوون أمنيون غربيون مثل هذه الهواجس من مسؤولين أمنيين لبنانيين في الفترة الماضية. ومنهم من زار بيروت وعاد بملف مفصل عن مثل هذه الاحتمالات الخطيرة. النار السورية تقترب أكثر فأكثر من الأراضي اللبنانية والإطفائيون قلة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2165592

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165592 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010