الجمعة 4 أيار (مايو) 2012

مروان البرغوثي هل نسيناه؟

الجمعة 4 أيار (مايو) 2012 par د. عبد العزيز المقالح

ما الذي تستطيع الذاكرة العربية أن تفعله للاحتفاظ بحصيلة الأحداث المتلاحقة؟ وهل هناك وصفة أو وصفات تجعل هذه الذاكرة دائماً في حالة انتعاش واستذكار فلا تغيب عنها صورة ولا يعجزها استحضار حدث؟ ولعل تراكم الأحداث المستجدة يجعل البعض يبررون عجز الذاكرة العربية عن التذكر بأنها استقبلت في العقود الأخيرة من الأحداث ما لا طاقة لها على حمله أو تذكره، وأن الوقائع الجديدة تعمل على تغييب الوقائع القديمة أو مصادرتها، وهذا ما يبرر حالة نسيان كثير من مناضلي الثورة الفلسطينية وفي طليعتهم القيادي البارز مروان البرغوثي الذي كان حديث الساحات والمجتمعات ثم دخلت مأساة اعتقاله في زنزانة منفردة إلى منطقة الظل شأن غيره من شهداء الثورة وقادتها المحتجزين وراء الأسوار.

ومنذ أيام وقع في يدي كتاب مروان البرغوثي «ألف يوم من العزل الانفرادي» وهو وثيقة بالغة الأهمية من وثائق الصمود والنضال الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الاستيطاني. وفي الكتاب وصف دقيق وتوثيق شامل لما تعرض له هذا المناضل في الزنزانة الانفرادية على مدى ثلاثة أعوام ويزيد وما لقيه من عنت المحققين وصَلَفتهم وفضح لأساليبهم المختلفة في انتزاع المعلومات ومباغتة قائد الانتفاضة الثانية بما لم يكن يخطر له على بال من تكرار الأسئلة وإطالة زمن التحقيق، وانتظار لما يسببه السجن الانفرادي في زنزانة مظلمة من حالة تشوش تجاوزها بقدر كبير من الإيمان والثقة بعدالة القضية ومشروعية النضال الوطني ضد الاحتلال الجائر.

في الكتاب أحاديث متفرقة عن الطفولة المعذبة والأسرة الفقيرة، وعن موت الأب ودور الأم في رعاية أبنائها، وكفاحها في توفير الغذاء والحرص على تنشئتهم في مناخ مقبول يتحدى عوامل الفاقة والبؤس. وتشويشات الاحتلال على الوعي، والذاكرة الوطنية الفلسطينية، كما لا ينسى الحديث عن زوجته المحامية التي أشرفت على تربية أبنائها وواصلت دراستها في الجامعة لتنال إجازة الحقوق وتتمكن من الدفاع عنه، وعن حقوق أبناء الشعب الفلسطيني، وهو دور لا تقوم به إلا امرأة فلسطينية نشأت في بيئة الثورة ومناخ التحدي، وأثبتت بصمودها وشجاعتها ورعايتها العظيمة لأبنائها حتى دخلوا الجامعة وأبوهم لا يزال رهن الاعتقال، أنها النموذج الذي تقدمه فلسطين، المرأة، والرجل، للعالم عن الشعب الذي لا يهزم ولا مكان في حياة نسائه ورجاله للاستسلام والخضوع للأمر الواقع.

من أهم الإشارات الواردة في الكتاب أن العدو الصهيوني لا يفهم غير القوة، وأن زمن المفاوضات الذي طال أمده لم يكن سوى متاهة الهدف منها كسب الوقت إلى أن يستكمل العدو أهدافه في الاستيلاء على ما تبقى من الأرض وتشريد من تبقى من أهلها، وإضاعة الأيام فيما لا يعود بشيء جاد يخدم القضية التي دخلت في عقدها السابع. وهذه الرؤية من مناضل داخل السجن يقرأ ما لا يقرأه أولئك السياسيون الذين يتنقلون بين الفنادق المريحة، جديرة بالإنصات والتأمل، وأن على فصائل المقاومة أن تضع إستراتيجيتها إن كان لها إستراتيجية، في ضوء تجربة مروان البرغوثي السياسية، والحياتية. ظهر مروان، في هذا الكتاب وفي أجزاء كثيرة منه كاتباً مبدعاً يمتلك أسلوباً أدبياً بالغ الرهافة، ورسالته إلى ابنه القسام تصلح لتكون رسالة إلى كل شاب فلسطيني بل وعربي يحلم بالحرية والعدل والخروج من زنازين الظلام.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2165470

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165470 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010