الخميس 3 أيار (مايو) 2012

من تشي غيفارا إلى دعاة الفتن

الخميس 3 أيار (مايو) 2012 par بشير عيسى

في حقبة مثَلت أوج الإيديولوجيات من أواخر القرن المنصرم، كان المناضل الأممي تشي غيفارا يمثل رمزاً ومثالاً لأحرار العالم وشعوبه، في مقاومة أنظمة الاستبداد والنهب، الدائرة بفلك سياسات الإمبريالية العالمية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية.

بعد نجاح الثورة في كوبا تخلى غيفارا عن وزارة الزراعة، ليكمل دربه النضالي، مشاركاً وداعماً حركات الشعوب، في أميركا اللاتينية وآسيا وأفريقيا، مقدماً دمه على أرض بوليفيا، إثر كمين نصبته له وكالة الاستخبارات الأميركية، محققاً بذلك مقولته الشهيرة «الغزلان تموت في أحضان أمهاتها أما الصقور فلا يهمها أين تموت». لقد كان تشي حريصاً على عدم توريط المدنيين واستخدامهم دروعاً بشرية. هذه الأخلاقية تكاد تنعدم اليوم، بعد التشريع الأصولي لفتوى التمترس، في عالمنا العربي والإسلامي.

ناضل تشي غيفارا في سبيل الحرية والعدالة الاجتماعية والاقتصادية بين البشر، بغض النظر عن لونهم أو دينهم أو جنسهم، لم يمارس أي ازدواجية. بقي غيفارا كحالة أخلاقية ووجدانية استثناءً، تخطى ما يعرف وقتها بموت الإيديولوجيات.

أحيا «الربيع العربي» الذي دشنه الشباب، آمال الشعوب في استعادة حرياتها من أنظمة القمع، وعادت صور تشي غيفارا لشوارع تونس، كما عادت أغاني الشيخ إمام لمقاهي القاهرة، بحضور الشاعر أحمد فؤاد نجم، ليطلق قصائد الثورة والحياة، بعدما كتب سابقاً مرثية «غيفارا مات، آخر خبر في الراديوهات وفي الكنايس والجوامع والحارات..» في وطنٍ استحكم فيه القهر والتهميش.

في سوريا، كان الياسمين الدمشقي يحلم بثورة الياسمين في تونس، ويحاول ملاقاة «الورد المفتح في جناين مصر»، حين خرجت جماهيره سلمياً، تطلب الحرية والتغيير، وهي تنزع أول حجرٍ من جدار القمع. غير أن طريقة التعاطي الأمني بداية أحداث درعا، أوجدت رد فعل على هامش الحراك، أبعده عن نقائه الوطني.

كانت الصراحة هي الغائب الحقيقي، فيما المسكوت عنه كان الحاضر، إذ لا يجرؤ النظام على تسمية الأمور بمسمياتها باعتباره يمثل الدولة، فيما جزء كبير من المعارضة لا يريد مواجهة أخطائه، محملاً كل ما يجري من ممارسات للنظام، فلم يرَ في البداية مسلحين ولا أصولية ولو على الهامش. باختصار نأت هذه المعارضة بنفسها عن البحث الموضوعي، الذي يخرج البلد من حالة الاحتقان الطائفي، وتجاهلت كل خطابات التحريض المذهبي والطائفي والإثني، وهو ما أشار إليه بعض معارضي الداخل. لتتوارى الرؤية النقدية خلف ثأرية فجة، يتعذر معها تقديم إجابات دقيقة، حول غياب الحراك في عدد من المناطق، وتمحوره في بيئات يغلب عليها الطابع المحافظ. إن تجميل الشيء لا يلغي حقيقته، ومهما حاولت وسائل الإعلام، تحديداً الأجنبية الناطقة بالعربية، من تقديم المعارضة الليبرالية على شاشاتها، والتي يكاد تمثيلها على الأرض أن يكون محدوداً، فهذا لا يغير من واقع الحال، المحكوم بجمعة «الجوامع» وأئمتها، والتي وصلت مطالبها إلى استدعاء الغزو!

ومن منطق أن الثورة تحتاج الجميع، تسكت المعارضة عن خطب الشحن كي لا تخسر مواقعها، معتبرةً أن ظاهرة العنف تأتي في سياق الدفاع عن النفس وحماية المدنيين، فيما تمارس الإلغاء مع كل من يخالفها الرأي، وكأنها بذلك تحاكي خطاب النظام. إن من يعمل في الحقل السياسي السوري يدرك أن شيوخ العشائر ورجال الدين لهم الكلمة الطولى على الأرض، كما يعلم بأن الشيخ العرعور نجم محطتي و«صال» و«صفا» يكاد يكون «شيخ الثورة»، وتكفي زيارة سريعة لمواقع التواصل الاجتماعي، لمعرفة المساحة التي يشغلها.

إن من يتبنى الحرية عليه أن يدافع عنها أينما وجدت وألا يكون انتقائياً، فهل نسي الشيخ فتوى تحريم الثورة التي خرجت من مفتي المملكة السعودية، إبان ثورة مصر؟ العتب على من سمع وتجاهل، مصمماً على أن يرى الأمور بعينٍ واحدة، نقول كلامنا هذا، حرصاً على سوية الحراك كي لا تنزلق إلى القاع، أياً تكن المبررات.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2177955

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2177955 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 22


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40