الأربعاء 2 أيار (مايو) 2012

أهرمنا لأجل «التطبيع»؟

الأربعاء 2 أيار (مايو) 2012 par أمجد عرار

تعوّدنا على الرياضي التونسي طارق ذياب لاعباً فذاً في فريق الترجي والمنتخب، وتابعناه في مونديال المكسيك عام 1978، وافتخرنا به عربياً يبدع في مناسبة دولية تستنفر الملايين من الناس حول العالم. تعوّدنا عليه محللاً متوسط الكفاءة لمباريات كرة القدم منذ سبع سنوات، ولم يكن لتنتهي مهمّته لولا حصول الانتفاضة التونسية التي أتاحت الفرصة لاستدعائه وتعيينه وزيراً للشباب والرياضة على أمل باستخدام خبرته وشعبيته في تطوير العمل الشبابي والرياضي في تونس. لكن الوزير الذي لم يظهر شيئاً من ملامح مشروعه في إنقاذ واقع أسهب كثيراً في إظهار بؤسه وفساده، دشّن مهمّته الجديدة بتصريحات سياسية أثارت انتقادات تونسية وعربية، مترافقة مع سيل من علامات الاستفهام المشروعة والمبررة.

وزير الرياضة في الشق الأول من تصريحه هاجم المعارضة التونسية بشدة واتهمها بأنها مستعدة لقبول مساعدات من «إسرائيل». وعندما سئل عن هذا الاتهام في اليوم التالي كرره ثانية، لكنّه أتبعه بموقف غريب إذ قال إن الحكومة التونسية أيضاً مستعدة لقبول مساعدات من «إسرائيل». تصريحات غير موفقة مهنياً لأنها في غير اختصاص الوزير، وفنياً لأنها متناقضة إذ كانت اتهاماً للمعارضة ثم تبناها موقفاً رسمياً، ومبدئياً لأنها تطبيع من جانب وزير صنعت بلاده ثورة مجيدة وقدمت دماء زكية عندما كان يعيش ويعمل خارجها وقادة حزبه يراقبونها من أوروبا.

كان يمكن اعتبار هذه التصريحات فورة انفعال في وجه المعارضة التي لوح لها بـ «العصا لمن عصا»، لكن هناك مؤشرين ينفيان هذه الإمكانية، الأولى أن الوزير كررها مرتين ورفض الاعتذار، والثانية أن حكومته سكتت عنها، والسكوت علامة رضا. وما يمنح علامات الاستفهام مزيداً من الحاجة أن هذه التصريحات ليست وليدة اللحظة بل هي امتداد لتصريحات الطبقة السياسية التي اعتلت الحكم الجديد في تونس، وكلنا نتذكّر قول أحدهم في مركز تابع للوبي الصهيوني في الولايات المتحدة إن الدستور التونسي لا يتضمن بنداً يمنع إقامة علاقات مع «إسرائيل»، وعندما تدارك سياسيون هذه المسألة وحاولوا سد الباب أمامها، ثم إتباعها بخطوات من خلال اقتراح تضمين هذه القضية في الدستور وقفت هذه الطبقة سداً منيعاً أمام إدخال النص المقترح للدستور.

ليس بوسع أحد من خارج دولة أن يمنع توزير شخص ما سواء كانت جدران بيته مرصعّة بالشهادات العليا أو لم يتجاوز الابتدائية، ولا يستطيع أحد أن يمنع حزباً من ركوب الموجة وسرقة الثورة فهذا شأن داخلي يخص الشعب الذي أشعل الثورة والذي دفع الثمن شهداء وجرحى ومعتقلون. لكن عندما يتعلّق الأمر بالتطبيع مع عدو يواصل احتلال فلسطين وأراض عربية أخرى ويهوّد القدس ويعتقل الآلاف وينكّل بهم ويحتفظ بسجل إجرامي ضحيته آلاف الشهداء، فإن الأمر ليس شأنا خاصاً بوزير أو حزب أو حكومة، بل يخص كل عربي. ولا يستطيع أي سياسي أن يشطب من أذهان أبناء الشعب العربي قضيتهم الأولى وصراعهم مع العدو الغاصب، فهذه القضية تتجاور مع قضايا الحريات والديمقراطية ولا تتناقض معها كما يرغب ويخطط البعض، وكما يروج أشباه المثقفين المعادين لكل ما هو عروبي، ورواد التطبيع العلني والسري وبائعو ضمائرهم وأقلامهم.

ومهما يكن، فأبناء تونس جديرون بثورتهم وهم يعرفون دورهم في حمايتها، وهم متأكدون أنه عندما أطلق ذلك التونسي دامع العينين مقولته العفوية التي دخلت كل قلب وكل بيت عربي «هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية»، لم يكن يقصد لحظة التطبيع مع عدو الأمة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 27 / 2165961

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165961 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010