الأربعاء 2 أيار (مايو) 2012

موسى أبو مرزوق.. مقابلة غير مسبوقة (2 - 2)

الأربعاء 2 أيار (مايو) 2012 par نقولا ناصر

عندما سأل لاري كوهلر ايسيس مندوب صحيفة «فورورد» د. موسى أبو مرزوق لماذا وافق على طلب منظمة إخبارية يهودية إجراء حديث معمق ومطول معه، أجابه بأن «عليّ أن أفرق بين اليهودي الذي خلق هذه المشكلة لشعبي وبين اليهود الأمريكيين مثلك ممن لم يفعلوا أبدا أي شيء سيئ لشعبي».

ولأن أبو مرزوق لا يمكن أن تغيب عنه حقائق مثل أن يهود أمريكا على وجه التحديد هم أكبر داعم لدولة المشروع الصهيوني منذ اغتصاب فلسطين عام 1948 ومثل أن معظم «أراضي إسرائيل» مسجلة باسم الوكالة اليهودية العالمية التي يسيطرون عليها وليس باسم دولة الاحتلال «الإسرائيلي»، فإن جوابه يشي بتوجه للوقوع في ذات الفخ الذي وقعت فيه منظمة التحرير الفلسطينية قبله عندما توهمت بأن التواصل مع يهود الولايات المتحدة هو المدخل إلى الحكومة الأمريكية لاستثمار وزنها الدولي في انتزاع حد أدنى من الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وهذا منزلق خطر إذا كان يعبر عن توجه لحركة حماس فإنها بالتأكيد سوف تلدغ من الجحر ذاته الذي لدغت منه منظمة التحرير بقيادة «فتح».

إن مرونة أبو مرزوق التي تعبر عن نفسها بلغة حمالة أوجه قابلة لاستيعاب ازدواجية في الخطاب تتبنى، مثلاً، المقاومة لكنها تؤجلها، وتعارض التفاوض لكنها توافق على قيام غيرها به، وترفض أي «معاهدة سلام» تتمخض عنه لكنها مستعدة للتعامل معها باعتبارها «هدنة»، وترفض «حل الدولتين» لكنها تقبل به على أساس مفهومها لـ «الهدنة».. الخ، هي جميعها نتائج موضوعية لتأرجحها الراهن بين «معسكر السلام» العربي وبين الخندق الآخر المنفتح على السلام لكنه يتمسك بخياره الدفاعي حتى يكون السلام عادلاً، وهي جميعها مؤشرات لا لبس فيها إلى تغيير في التكتيك إن لم يكن في الاستراتيجية، تغيير يعطي لخروج الحركة من دمشق تفسيراً آخر غير ضغط الأزمة السورية عليها للانحياز إلى هذا الطرف أو ذاك فيها، لكنه في كل الأحوال تغيير يقتضي توضيحا للمواقف أكثر جلاء يبعد الحركة عن مواطن الشبهة والتشويش.

لقد أكد د. موسى أبو مرزوق في مقابلته غير المسبوقة أن «حماس» لن «تعترف بإسرائيل كدولة»، لكن العلاقة معها ستكون كعلاقة «لبنان وإسرائيل أو سورية وإسرائيل»، متجاهلاً أن البلدين يسعيان إلى سلام عادل مع دولة الاحتلال على أساس الانسحاب من أراضيهما المحتلة وملتزمان بـ «مبادرة السلام العربية» التي ترفضها «حماس» في خطابها وأن سورية أجرت مفاوضات مباشرة وغير مباشرة وسرية وعلنية مع دولة الاحتلال. فهل هذا هو الوضع الذي تريد «حماس» الاقتداء به حقاً؟

وفي تفسيره لهذه الهدنة التي اقترحها «لأول مرة في سنة 1994»، كما قال مندوب الصحيفة إلى مقابلته، يثير أبو مرزوق أسئلة متفجرة: «دعنا نقيم علاقة بين الدولتين (الفلسطينية و«الإسرائيلية») في أرض فلسطين التاريخية كهدنة بين الجانبين. فذلك أفضل من الحرب وأفضل من المقاومة المستمرة ضد الاحتلال، وافضل من احتلال «إسرائيل» للضفة الغربية وغزة، الذي يخلق كل هذه الصعوبات والمشاكل في الجانبين». إنها لغة جديدة حقاً.

فهذه اللغة حمالة أوجه. فهل يعني أن «حماس»، في حال قبول دولة الاحتلال بـ «الهدنة» المقترحة، تقترح أو تقبل «حل الدولتين»؟ وهل يعني أن «حماس» لن تشارك في هذه الحالة في أي «حرب» قد تلجأ إليها، على سبيل المثال، سورية كملاذ أخير لتحرير أراضيها كما حدث في حرب تشرين عام 1973؟ وهل تتوقف المقاومة الفلسطينية في حال قبول دولة الاحتلال بدولتين على أساس الهدنة المقترحة باعتبار أن الاحتلال الجدير بـ «المقاومة المستمرة» هو احتلال «الضفة الغربية وغزة» فقط؟ وإذا كان هذا هو ما عناه أبو مرزوق، فإن الاحساس بـ «الصدمة» و«الاحباط» و«السخط» الذي شعرت به هيئة تحرير «فورورد» يكون متسرعاً ولم يقرأ في العمق ما قاله الرجل الثاني في «حماس».

وعندما «ضغط» عليه، كما قال مندوب الصحيفة اليهودية، بأن «حماس» لن تتخلى خلال الهدنة عن هدفها في «تدمير إسرائيل» وأنها سوف تستغل الهدنة للتسلح، لم يؤكد أبو مرزوق ولم ينف، لكن جوابه كان حمال أوجه كذلك: «من الصعب القول ماذا سيكون في الجانبين بعد عشر سنوات. ربما يكون جوابي الآن «عن الاعتراف بإسرائيل» مختلفاً تماماً عن جوابي بعد عشر سنوات».

في حوارات القاهرة، قيل إن «حماس» وافقت على تبني «استراتيجية غير عنيفة»، لكن أبو مرزوق قال: إن ما عناه اجتماع الفصائل الفلسطينية بالقاهرة في تشرين الثاني الماضي كان أمراً «مختلفاً تماماً»، فقد تقرر أن «المقاومة الشعبية المدنية» قاسم مشترك، «ونحن نقبل ذلك، فذلك يمكنه أن يجعل المصالحة أسهل»، «لكنه لا يعني التخلي عن الحق والفرصة لشن عمليات عسكرية». إنه إمساك بالعصا من الوسط مرة أخرى، كانت نتيجته حتى الآن تأجيل المقاومة بكل أشكالها.

وفي خضم معارضة «حماس» المعلنة لاستئناف المفاوضات، أكد أبو مرزوق رفض التفاوض المباشر بين «حماس» وبين دولة الاحتلال، لكنه لم يترك مجالاً للشك بأن الحركة لا تعارض تفاوض «السلطة الفلسطينية» معها، حسب «تفاهم سابق مع فتح» كما قال، غير أنه اشترط عرض «أي نتيجة» لهذا التفاوض على «استفتاء يشمل كل اللاجئين الفلسطينيين» مضيفاً أن «كل الفلسطينيين يجب أن يدلوا بأصواتهم حول هذه» النتيجة، واشترط أيضاً أن «أي اتفاق كهذا يجب أن يتضمن حق الفلسطينيين غير المقيد في العودة إلى أرضهم».

وقال ابو مرزوق إن أي اتفاق تتوصل إليه السلطة الفلسطينية بالتفاوض، وتعتبره السلطة «معاهدة سلام»، فإن «حماس» سوف تتعامل معه «من وجهة نظرنا، باعتباره هدنة». فهل هذه هي الهدنة المقترحة من «حماس» حقاً؟ وقد لفت هذا التناقض محاور أبو مرزوق، فلاحظ بأن «أي معاهدة سلام مع «إسرائيل»، بالنسبة إلى «فتح»، تشمل الاعتراف المتبادل، والتبادل الدبلوماسي، والتجارة، والتبادل التجاري، وتنقل الناس عبر الحدود والتعاون الإقليمي. كما تشمل دولة فلسطينية منزوعة السلاح، وحقاً فلسطينياً محدوداً في العودة». فهل ستوافق «حماس» على أي اتفاق تتوصل إليه منظمة التحرير الفلسطينية بهذا المفهوم باعتباره «الهدنة» التي تقترحها؟

إن موافقة أبو مرزوق الضمنية على التفاوض وعلى أي اتفاقية يتمخض التفاوض عنها باعتبارها هي «الهدنة» يشير إلى خلو جعبة «حماس» من بديل للتفاوض، لكنه لم يستبعد تغير الظروف مستقبلاً عندما قال: إن أي اتفاقية كهذه لن تلزم «حماس» في المستقبل: «لا اعتقد أن معاهدة من أي نوع يمكن أن تلزم أحداً في المستقبل. اقرأ التاريخ فقط»، كما قال، ملوحاً بتغييرها إن تسلمت «حماس» السلطة، مستشهداً بسابقة «التغييرات العديدة في اتفاقيات» أوسلو التي أجراها رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو عندما تسلم الحكم.

أما دفاع أبو مرزوق في اليوم الثاني للمقابلة عن ميثاق «حماس»، فقد نسفه تنصله منه عندما قال إن الميثاق لا يحكم «حماس» ثم اعترف: «لدينا سياسات كثيرة، كثيرة، لا تتفق مع الميثاق... وهناك الكثيرون في «حماس» يتحدثون عن تغيير الميثاق. ذلك جدل داخل «حماس»، لأن هناك سياسات كثيرة، كثيرة، تتعارض مع ما هو مكتوب في الميثاق». واعترافه هذا إضافة جديدة لسلسة من خروج الفصائل الوطنية الفلسطينية، وفي مقدمتها منظمة التحرير، على مواثيقها التي تسوغ وجودها.


titre documents joints

Reading Hamas – Forward.com

2 أيار (مايو) 2012
info document : HTML
43.4 كيلوبايت


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2165332

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165332 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010