الاثنين 30 نيسان (أبريل) 2012

إضراب الأسرى الفلسطينيين : الاحتضان وشروط أخرى

الاثنين 30 نيسان (أبريل) 2012 par د. نهلة الشهال

الأنباء المحيطة بإضراب الأسرى الفلسطينيين...مقلقة! هم ولا شك بطوليون في اتخاذهم لخطوة الإضراب عن الطعام تلك، وفي وحدتهم الأسيرة، التي تتجاوز كما فعلت دوما واقع الانقسام السياسي الفلسطيني العاجز عن إيجاد أرضية الحد الأدنى من التوافق. فذلك التوافق تسووي بالطبع وتعريفاً واستطراداً، فمن يظن أنه قادر على توحيد الجميع خلف رؤيته واهمٌ، وهو يضر بالنضال الوطني الفلسطيني أيا كانت مواقفه ومهما تكن طبيعتها شديدة «الثورية»... وتلك أزمة تنبئ استطالتها عن عمق الافتقاد الحالي للرؤية، مما يجعل من تمكّن فصائل الحركة الفلسطينية الأسيرة من التفاوض فيما بينها، ومن الاتفاق على خطة وعلى أولويات مطلبية، أمرا مضاعَف الأهمية. ولكنه جزء من تقاليدها. فمن لا يتذكر «وثيقة الأسرى للوفاق الوطني» (أيار/مايو 2006)، وقد ساهمت في حينها في إرساء معايير للحياة السياسية الفلسطينية، وفي إخماد ما بدا أنه وصول للتنابذ الداخلي الى مرحلة الصدام.

فلما القلق إذاً؟ لأسباب ثلاثة رئيسية. فهناك أولا حالة من الدخول الجماعي في الإضراب عن الطعام، بلا تحديد لمهل، وكأنه مطلوب من جميع الأسرى التمكن من الصمود بمعدات خاوية لعشرات الأيام، وهو أمر لم يسبق له مثيل في الإضرابات عن الطعام، الذي هو وسيلة فحسب وليس غاية بذاته. صحيح أن هذا الدخول جرى بشكل متدرج، إلا أنه يعلَن اليوم عن قرب وصول الرقم الإجمالي للمضربين الى 2800 أسير. ويعني هذا الرقم أن نصف الأسرى الفلسطينيين مضربون عن الطعام، جلهم «تضامناً»، لأن المطلب الأول للإضراب هو إنهاء العزل الافرادي، وهو بالطبع يخص حالات محددة، أشهرها تلك التي تطال زعيم الجبهة الشعبية أحمد سعدات، وكذلك إنهاء الاعتقال الإداري، وهو بدعة تجدد بموجبها المحاكم «الإسرائيلية» الاعتقال كل ستة أشهر، ويمكن أن يستمر لسنوات بلا محاكمة. ومن المعروف أن الإضراب المفتوح عن الطعام، داخل السجون (كما فعل الجمهوريون الايرلنديون، وهم المثال الأشهر)، أو خارجها (كما فعل الأشهر من بينهم، غاندي)، ينجح كلما «تشخصن»، فيمكن تقديم «وجه» أو ملامح شخصية للمضرب ومرافقته في إضرابه. وقد اختار الايرلنديون سبعة منهم لتنفيذ الإضراب، وكان للرقم نفسه رمزيته المرتبطة بوقائع نضالهم، وهم رتبوا «انتخاب» المضربين بعناية، وواجهوا حتى النهاية العنف الشرس لمارغريت تاتشر، رئيسة وزراء بريطانيا حينها، التي تركتهم يموتون، ليتحول «بوبي ساندز» الى إيقونة للنضال التحرري الايرلندي، وليقلب موته (وكان قد انتخب نائباً في الأثناء) الى وسيلة لإبراز نضال شعبه، والى قلب معادلة القوة مع السلطة البريطانية. وكمثال، فقد انضمت الى الإضراب لينا الجربوني (38 عاماً) وهي أقدم النساء الأسرى اليوم، وأمضت في السجن عشر سنوات، ومحكومة بثماني عشرة سنة. فهل تنطلق في إضراب مفتوح عن الطعام؟ كان يمكن لذلك أن يكون وجيهاً لو كان ثمة مطالب سياسية عامة متبلورة يحملها الإضراب. وأما مطالبه الحالية، على أهميتها الشديدة بالطبع، فلعلها تحتاج الى خطة لإدارتها تكون ملائِمة لطبيعتها، ولا تنهك الجميع دفعة واحدة. هذا قلق مشروع، ولا ينبغي مواجهته بالمواقف الخطابية النارية، ولا بالطبع المزايِدة، ولا على طريقة الهبَّة الحماسية فحسب، بل بوصف الإضراب تكتيك نضالي في خدمة غايات محددة.

القلق الثاني يتعلق بمستوى الاحتضان، ليس في فلسطين حيث يتوفر حد معقول منه وإن يحتاج لمزيد، بل في المنطقة العربية: أليست شعوبها ثائرة وتنادي بالتحرر وتناهض «إسرائيل»؟ فما هو جدير أكثر من ذلك الإضراب لتجسيد تضامن فعلي، متواصل وإبداعي، يجعل قضية الأسرى الفلسطينيين محاطة بالاهتمام ويفرضها إذَّاك على أجندة الإعلام العالمي. هذا مهم للأسرى، إذ يدعمهم في مواجهة الصلف «الإسرائيلي» والقمع متنوع الإشكال الممارس عليهم بغاية كسر إضرابهم. فمن المعلوم أن أي إضراب عن الطعام يغدو بلا قيمة إن لم يُحط باحتضان واسع. بل أن إثارة ذلك التضامن هو أحد أهداف الإضراب ذاته. فكل إضراب يبقى معزولاً وملكاً لأصحابه مهدد بالفشل. وخير مثال إضراب الأسرى الأكراد في تركيا مطلع الألفية الثالثة، والذي قتله ليس فحسب تعنتت أنقرة، بل بقاؤه أسير بعض الحركات الكردية التي قررته. مات عشرات المناضلين بشكل مأساوي ومؤثر، ولكن الأمر في نهاية المطاف راح يغدو «منفراً» لكونه بدا عصابياً عوضاً عن النتائج الايجابية المتوخاة.

القلق الثالث يتعلق بمواقف تصدر بمناسبة الإضراب، من جهات وأصوات فلسطينية على الأخص، تبدو وكأنها تسفهه، إذ هي تحيطه إما بخطاب عمومي عن النضال الوطني «بكافة أشكاله، ومنها الكفاح المسلح»، بينما الإضراب عن الطعام وسيلة سلمية، وفيها الكثير من المشهدية ومن فكرة التضحية بالنفس الخ. هذه المواقف، من حيث لا تدري ربما، تميّع الموقف. وثمة أصوات أخرى تدعو الى «خطف جنود «إسرائيليين» لمبادلتهم بالأسرى الفلسطينيين»، مما لا يجري عادة مترافقاً ببيانات إعلانية! ولعلهم يقصدون «إخافة» «إسرائيل» بالأعظم لترضخ لمطالب المضربين «المتواضعة». لهذين الموقفين نفحة «عدمية»، بسبب المستوى المكرور من الخطابية العامة، بينما يُفترض هنا التضامن مع المضربين والتركيز على الغايات التي أعلنوها، والسعي لانتزاعها. وهو سيكون نصرهم ولا شك، ولكنه ولا شك أيضاً سيكون نصراً عاماً للنضال الوطني الفلسطيني. ذلك أنه لا هزيمة لـ «إسرائيل» بالضربة القاضية، دفعة واحدة، بل بمحاصرتها بكل الأدوات ومن كل الجهات. وعنوان الأسرى هو واحد من أهمها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2165834

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

24 من الزوار الآن

2165834 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 23


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010