الاثنين 30 نيسان (أبريل) 2012

عقلنة العلاقات المصرية ـ الإيرانية (3)

الاثنين 30 نيسان (أبريل) 2012 par د. مصطفى اللبّاد

[rouge]التفاؤل المستبعد.. والتشاؤم الباهظ[/rouge]

يقوم استشراف المستقبل على تقييم المعطيات والمؤشرات، ويمكن ببعض التبسيط تقسيم السيناريوهات المتوقعة للعلاقات إلى ثلاثة سيناريوهات.

[bleu]السيناريو الأكثر تفاؤلاً[/bleu]

يقوم تحالف بين البلدين الكبيرين، وفق هذا السيناريو، ولا يخفى أن تحالفاً كهذا سيكون كاسراً للتوازن الإقليمي الراهن ومصطدماً بمصالح دولية وإقليمية متعددة. لهذه الأسباب يبدو هذا السيناريو مستبعداً جداً لأسباب متباينة يتقدمها الثمن السياسي المرتفع لهذا التحالف من الجانب المصري، خصوصاً في المرحلة الانتقالية الراهنة، فضلاً عن مغادرة فكرة هذا التحالف الواقع الموضوعي في الإقليم، ناهيك عن غياب السقف الدولي المشترك مثلما كان الأمر عليه في غالبية فترات القرن الماضي. وتعد نقطة الضعف الأساسية في هذا السيناريو صعوبة وجود قواسم مشتركة ممكنة بين البلدين دون تخلي أحدهما عن جوهر تحالفاته الإقليمية والدولية؛ فلا إيران ستتخلى عن نفوذها بالخليج والمشرق العربي إرضاء لمصر، ولا مصر ستتخلى عن تحالفاتها العربية الخليجية والإقليمية إرضاء لإيران. كما أن المنظومة القيمية للبلدين ليست في درجة من الانسجام، بحيث يمكن معها تصور قيام تحالف بين البلدين، حتى بعد 25 يناير/كانون الثاني 2011. لذلك تؤشر المعطيات القائمة إلى أن هذا السيناريو غير وارد على الأرجح.

[bleu]السيناريو العقلاني[/bleu]

يعاد، وفق هذا السيناريو، ترتيب العلاقات المصرية - الإيرانية وتركيبها على أساس المصالح الوطنية المصرية مع حساب معادلة التكلفة/العائد بدلاً من تغليب الاعتبارات الأيديولوجية. ووفقاً لهذا السيناريو العقلاني لا يخدم الاستمرار في سياسة مصر السابقة حيال إيران المصالح المصرية في الإقليم، لأنها تحد من قدرة القاهرة على المناورة الإقليمية وتعطل الطاقات المصرية الكامنة، إذ «لا مبرر للعداوة مع إيران رغم الاختلافات الكبيرة معها». ولذلك، وفي ضوء موازين القوى الراهنة في مصر والإقليم، يمكن أن تتطور العلاقات المصرية - الإيرانية بالتدريج.

تبدو مصر الدولة الأكثر تأهيلاً لرأب الصدع السني - الشيعي في المنطقة، عبر رعاية حوار بين الطرفين، بغرض تلطيف حدة التناقضات الطائفية المتفاقمة في المنطقة. وإذ يشكل المسلمون الشيعة ربما نسبة لا تتجاوز 12-15 في المئة من مجمل المسلمين في العالم، فإنهم يشكلون حوالى خمس سكان المنطقة الممتدة على ساحل الخليج من الناحية العربية. فإذا أضفنا إيران والعراق إلى المعادلة، يصبح المسلمون الشيعة أغلبية واضحة في هذه المنطقة، التي تشكل حزام النفط، وهي نتيجة لها أهمية جيو- سياسية فائقة. يتطلب قيام مصر بأدوار الوساطة ابتداء موافقة إيران على ذلك، وهو أمر لا يمكن تعقله بدون حد أدنى من العلاقات معها. ولا يخفى أن الثمن السياسي والاقتصادي للعب هذا النوع من الأدوار الإقليمية يعد زهيداً في مقابل العائد السياسي والاقتصادي المتحقق منه، حيث لا تملك مصر حتى الآن مشروعاً أيديولوجياً متبلوراً، مثلما تفتقر حالياً إلى تحالفات سياسية متنوعة بما يكفي خارج حدودها، فضلاً عن أنها لا تملك القدرات الاقتصادية اللازمة راهناً، وكلها مستلزمات ضرورية للأدوار الإقليمية.

ويحقق هذا السيناريو العقلاني الفوائد التالية لمصر:

1- تحسين شروط الدور المصري في الإقليم متمثلاً في أدوار الوساطة التي تؤهل مصر للعودة إلى توازنات المنطقة، دون امتلاك أثمان العودة الإقليمية. ولكن العودة تحت هذه الشروط تتطلب توافقاً من الأطراف المختلفة على ضرورة الوساطة المصرية.

2- يسمح التحسن التدريجي للعلاقات مع إيران بتحقيق مجموعة من المصالح المصرية الممكنة في الملف النووي الإيراني، الذي يعد من قضايا المنطقة الكبرى. ومن هذه المزايا الممكنة:

أ- تدعيم قوة مصر الناعمة كطرف لا يمكن تجاهله عند البت في قضايا الإقليم الكبرى.

ب ـ المشاركة في تقرير مصير قضايا الإقليم الكبرى مثل الإخلاء من السلاح النووي.

ج ـ الاستفادة من خبرات إيران في مجال الطاقة النووية.

د ـ استثمار المعارف المصرية المتقدمة نسبياً في قضايا المفاوضات التقنية لإبراز الحضور العربي في قضايا المفاوضات النووية.

هـ ـ تنشيط الدور المصري في قضايا عالمية مثل انتشار الأسلحة النووية وفي منظمات عالمية مثل «الوكالة الدولية للطاقة الذرية».

3- تنويع علاقات مصر الإقليمية.

4- الإطلال على قضايا عربية من زوايا متعددة مثل العراق ولبنان.

وفي مقابل الفوائد المصرية الممكنة من التحسين التدريجي للعلاقات مع إيران، يتوقع أن يتأطر هذا التحسن ـ إن حدث - وفق أطر وضوابط تضمن تحقيق الأهداف المنشودة وتحد من آثاره السلبية الممكنة على علاقات مصر الإقليمية. وهذه الأطر والضوابط هي الأربعة التالية:

1- بلورة معادلة العائد/الثمن في علاقات القاهرة مع طهران، بحيث لا تصبح إعادة العلاقات مع إيران ورقة بيد الأخيرة تستخدمها من جانب واحد لتحقيق مصالحها فقط.

2- ملف العلاقات مع إيران يجب عدم التعامل معه بتسرع وتحت الضغوط، لأنه من ناحية يفتح الباب أمام أدوار مصرية فائقة الأهمية تعيد القاهرة إلى المنطقة راعياً لتسويات كبرى بين السنة والشيعة دون الاضطرار لدفع تكاليف باهظة سياسياً واقتصادياً.

3- ربط رفع مستوى العلاقات المصرية - الإيرانية بتقارب موازٍ ومماثل مع دول الخليج العربية، بحيث يترافق رفع مستوى العلاقات المصرية - الإيرانية مع تصورات مصرية لتعزيز العلاقات مع دول الخليج العربية والسعودية، باعتبار أن القاهرة والرياض يشكلان العمود الفقري للرقم العربي المطلوب في معادلات «الشرق الأوسط».

4- سيكون مريحاً للتشكيلة السياسية الجديدة في القاهرة أن تظل مسألة معاهدة السلام المصرية - «الإسرائيلية» شأناً مصرياً خالصاً تتوافق عليه القوى السياسية المصرية حصراً، ليس لأن هذه المعاهدة ممتازة أو مقدسة وهي ليست كذلك على الإطلاق - ولكن لضمان عدم انحراف الإيقاع في العلاقات المصرية -الإيرانية؛ بما يربك الأولويات المصرية في المرحلة المقبلة.

[bleu]السيناريو الأشد تشاؤماً[/bleu]

يستمر التباعد بين البلدين، وفق هذا السيناريو، على خلفية تشكل محور واصطفاف جديدين على أنقاض «محور الاعتدال»، الذي تواجه مع إيران على ساحات المنطقة في العقد الأخير، ولم يبل بلاء حسناً في مفاصل أساسية. ووفقاً لهذا السيناريو تدخل مصر وتياراتها السياسية الفاعلة في اصطفاف مع دول «الانتفاضات الشعبية» التي تعرف تشكيلة سياسية - أيديولوجية متشابهة بعد انتخاباتها البرلمانية، إلى جانب دول الخليج العربية ومؤازرة تركية، في مواجهة المحور الذي تقوده إيران في المنطقة. قامت الاستراتيجية الأميركية في منطقة «الشرق الأوسط» الموسع خلال العقود الماضية على نظرية توازن القوى، بحيث تضمن واشنطن مصالحها في المنطقة بأقل تورط عسكري مباشر. ووفقاً لفكرة «توازن القوى»: فقد شاهدنا في العقود السابقة ثنائيات الهند في مواجهة باكستان، العراق في مواجهة إيران، «إسرائيل» في مواجهة دول الطوق العربية. وهي الثنائيات التي تمنع اختلال توازنات القوى لمصلحة إحدى القوى، وبالتالي إبقاء الكتل المتصارعة في حال «احتواء ذاتي». ومع تراجع توازن القوى القائم في باكستان منذ 2001 والعراق منذ 2003 ودول الطوق العربية في تواريخ سابقة، فقد أصبحت واشنطن في مأزق بسبب انسحابها من العراق ومحاولتها منع إيران من ترسيخ نفوذها في بلاد الرافدين.

تستطيع مصر ـ نظرياً - بعد «الانتفاضات الشعبية» العربية، أن تتحدى المعادلة السياسية القائمة في المنطقة، والتي ارتاحت فيها إيران طيلة العقدين الأخيرين: «جبهة المقاومة الإسلامية» التي تقودها إيران في مواجهة «الاستكبار العالمي وأعوانه في المنطقة». ومن شأن إعادة صياغة المباريات السياسية الإعلامية الدائرة مع إيران وتحويلها إلى مواجهة سياسية على خلفية مذهبية، أن يحرم إيران من مظلتها الأيديولوجية المفضلة؛ وبالتالي يضرب مشروعها الإقليمي في الصميم. تملك مصر قدراً كبيراً نسبياً من الشرعية السياسية، خصوصاً بعد 25 يناير/كانون الثاني 2011، بالتوازي مع غياب شرعية إيرانية إقليمية موازية لتضخم أدوارها في السنوات الأخيرة. تضافرت مجموعة من العوامل الذاتية والموضوعية لتعزيز وضعية مصر التساومية حيال إيران بعد «الانتفاضة الشعبية»، أولها تحسن مواقع مصر السياسية بعد «الانتفاضة الشعبية» وبعد الانتخابات البرلمانية التي أعقبتها. وثانيها تفاقم أزمة النظام السوري حليف إيران في العالم العربي، وثالثها تفاقم الضغط الغربي على إيران في ملفها النووي، ورابعها التوتر القائم حالياً في العلاقات الإيرانية - التركية على خلفية التنافس على الأدوار الإقليمية. أفرزت الانتخابات المصرية أغلبية للتيار الإسلامي («الإخوان المسلمون» و«السلفيون») مع أقلية ليبرالية («الكتلة المصرية» و«الوفد»)، بالإضافة إلى أحزاب أخرى. وبالتالي سيسهل رفع عناوين الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية من أغلب التيارات السياسية المصرية، وربما مع حمولة فكرية إضافية ولكن معادية من طرف «السلفيين،» في المقارعات السياسية - الإعلامية مع إيران. باختصار يمكن أن تصبح إيران أحد الخاسرين من «الانتفاضة الشعبية» في مصر وفقاً للسيناريو المتشائم.

أصبحت القاهرة بعد انتفاضتها الشعبية، لأول مرة منذ أربعة عقود على الأقل، مالكة زمام المبادأة في علاقاتها مع إيران، فهي تستطيع تغليب سيناريو عقلنة العلاقات بما يعود بالفوائد على الطرفين، وهي تستطيع في الوقت نفسه الانخراط في الاصطفاف الجديد الذي يبدو متشكلاً حيال إيران برعاية دولية وإقليمية وفقاً للسيناريو المتشائم. تملك مصر، لأول مرة منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، الحمولة السياسية - الإعلامية التي تمكنها من مواجهة طهران في المباريات السياسية - الإعلامية التي لم تنفك دائرة في المنطقة. إذ في مقابل الممانعة ومعاداة واشنطن و«تل أبيب» على الجانب الإيراني، تستطيع مصر الاستناد إلى القيم المؤسسة لانتفاضتها الشعبية التي استدعت تعاطفاً جماهيرياً إيرانياً تجلى في محاولة «الحركة الخضراء» الإيرانية الإصلاحية القيام بتظاهرة في طهران؛ تأييداً لانتصار «الانتفاضة الشعبية» المصرية، وذلك لأول مرة منذ عقود خلت. وفي النهاية سيبقى ترجيح القاهرة لأي من السيناريوهين الأقرب احتمالاً، العقلاني أو المتشائم للعلاقات المصرية - الإيرانية، مرتهناً بمجموعة من المحددات. أولها توازنات القوى داخل مصر وبخيارات قواها السياسية الفاعلة وبالتحديد جماعة «الإخوان المسلمين» صاحبة الأغلبية الشعبية وفق الانتخابات البرلمانية 2011، وثانيها حجم التكالب الدولي والإقليمي على مصر لناحية الحيلولة دون الوصول إلى السيناريو العقلاني، وثالثها قدرة المكونات الأساسية للنظام السياسي المتشكل على مجابهة الضغوطات الخارجية، ورابعها حجم التغيير المتوقع في مؤسسات الدولة المصرية، وخامسها مدركات هذه المؤسسات وتعريفها الخاص للمصالح الوطنية المصرية في المنطقة، وهي المحددات الخمسة التي ستنعكس على العلاقات المصرية - الإيرانية في الفترة المقبلة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2165440

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165440 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010