السبت 28 نيسان (أبريل) 2012

بين الرشيد وعبَّاس

السبت 28 نيسان (أبريل) 2012 par أحمد الدبش

هارون بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عليْ ابن عبد الله بن العبّاس؛ المُلقَّب بهارون الرشيد (حوالي 763م - 24 مارس 809م)؛ وهو الخليفة العباسي الخامس والأشهر. حَكَمَ بين عامَيْ 786 و 809 م. وهو أكثر من تَعرَّض تاريخهُ للتشويه والتزوير من خلفاء الإسلام - أُشيعت عنه الأكاذيب؛ وأنهُ لا همَّ له سوى الجواري والخمر والسُكْر؛ حيث نُسِجَت في ذلك القصص الخرافية - رغم أنهُ من أكثر خلفاء الدولة العباسية جَهادًا، وغزوًا، واهتمامًا بالعلم والعلماء؛ إلا أن الشائعات قد أصابته ونالت منهُ.

امتلأت صفحات التاريخ بمواقف رائعة للرشيد؛ لا ينكرها إلا جاحِد أو مُزوِّر؛ حيث غطَّت تلك المواقف مبادئ الحق، ومَنْحْ النصيحة، والتقرُّب للعلماء.

جاءت شُهرة هارون الرشيد من بطولاتِهِ؛ وحروبهِ ضد الروم؛ عندما غزا أرضهم، وفَتَحَ حِصن «الصفصاف»، أعظم حصون الرومان.

اضَّطرت دولة الروم إلى طلب الهدنة والمصالحة، أمام ضربات الرشيد المتلاحقة؛ فعَقَدَتْ «إيريني»، مَلِكَة الروم صلحًا مع الرشيد، مُقابِل دفع الجِزية السنوية له في العام (181هـ = 797م)؛ وظلَّت المعاهدة سارية؛ حتى نقضها إمبراطور الروم، «نقفور»، الذي خَلَفَ إيريني في سنة (186هـ = 802م). ولقد كتب الأخير كتاباً إلى الرشيد؛ قال فيهِ : «من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب. أما بعد؛ فإن المَلِكَة التي كانت قَبلي؛ أقامتك مقام الرخ (القلعة)؛ وأقامت نفسها مكان البيدق (الجندي الصغير)؛ فحَمَلَتْ إليك من مالها ما كنت حقيقاً أن تحمل أضعافه إليها؛ ولكن ذلك من ضعف النساء وحمقِهُنَّ. فإذا قرأت كتابي هذا؛ فاردد إليَّ ما وصل إليك منها؛ وإلا فالسيف بيننا وبينك». فلما قرأ هارون الكتاب؛ ثارت ثائرته، وغضب غضبًا شديدًا، وردَّ عليه على ظهر كتابه، بالرد : «من هارون أمير المؤمنين، إلى «نقفور» كلب الروم. أما بعد؛ فقد قرأت كتابك يا «ابن الكافرة»؛ والجواب ما ترى لا ما تسمع؛ وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار». وسار «الرشيد» بنفسه في مائة وخمسة وثلاثين ألف جندي؛ حتى نزل «هرقلة» من بلاد الروم؛ وحاصرها ثلاثين يوماً ثم فتحها، وبثَّ عساكرهُ في أرض الروم؛ فبعث إليه «نقفور» الجزية مُضَاعَفَة عن رَعِيَّته.

هذا هو الرشيد الذي؛ ورغم بطولاته؛ ظلمهُ التاريخ؛ وبدّل صورته؛ ودلاله بطولاته المشهودة؛ فلو سألنا أحد العوام؛ من هو هارون الرشيد؟ لقال: «مَلِكْ يجلس أمامه الفاكهة من كل نوع؛ وأمامه الراقصات»؛ ما يُعَدْ افتراء؛ وتشويه وعيْ لحقيقته؛ فقد ذكر نفس التاريخ - الذي يقع في الخطأ أحيانًا؛ فيُلقي ببعض التراب على وَمَضاتِ وجوه نَفَرٌ من الأبطالِ الحقيقيين - الرجل الذي يَحُجْ عامًا، ويُجاهِدْ عامًا في سبيل الله.

ويقع الرشيد ؛ كنموذج للقائد؛ على النقيض من محمود رضا رضا عبّاس، رئيس سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود؛ المُنتَهِيَة ولايتهُ منذ العام 2009؛ الذي تنازل عمَّا يقرُب من 78% من مساحة فلسطين التاريخية؛ الذي نَعَتَ عمليات شعبهُ الاستشهادية بـ «الإرهابية»، و«الحقيرة»؛ وأسلحتها بـ «العبثية»؛ الذي نَسَّق أمنياً مع العدو لاعتقال قادة المقاومة! ولم يَكُف عن تقبيل وعِناق أعدائه؛ بل وازى الحِفاظ على أمن العدو؛ مع الحفاظ على أمن سلطته؛ وحَدِّثْ ولا حرج؛ عن العمولات، والسمسرة، والفساد داخل أروقة سلطته.

وبعد كل هذه الخدمات التي قدَّمها عبّاس للعدو؛ ماذا كان رد ذلك العدو لجميل هذا العبّاس؟ تقسيم الضفة الغربية إلى كانتونات؛ بناء جدار العزل؛ زرع طرق التفافية؛ ضياع أكثر من 70% من مساحة الضفة الغربية؛ تهويد القدس؛ إذلال الشعب على الحواجز؛ عدوان على غزة؛ تشديد حصار على الضفة؛ سلطة تحت حذاء الاحتلال!

فيما ردَّ عبّاس على كل هذا القمع والقهر والعنصريَّة من قِبَلْ؛ برسالة أرسلها إلى رئيس وزراء العدو الصهيوني، بنيامين نيتنياهو؛ في الخامس عشر من أبريل الجاري؛ أكَّد فيها على : «التزامنا - وتعود على هذا العبّاس وزُمرتُه - بسياسة عدم التسامح مع (العُنف) - أي (المقاومة)»؛ إلى جانب الالتزام بالبرنامج المُتمثِّل في «قبول الاتفاقات المُوقَّعة؛ والاعتراف بدولة (إسرائيل) ونبذ (العُنف)». وأهم المُفارَقات التي جاءت في رسالة عبّاس لنتنياهو :

 إقامة دولة فلسطينية مُستقِلَّة؛ لتعيش بأمن وسلام إلى جانب دولة «إسرائيل»، على حدود 1967؛ مع تبادُل أراضي مُتَّفَقْ عليه؛ بالقيمة والمِثل!

 الأمن سيتم ضمانه من قِبَلْ طرف ثالث؛ يَتَّفِقْ عليه الطرفين؛ ويتم نشره على الجانب الفلسطيني!

 حل عادل؛ ومُتَّفَقْ عليه لمُشكلة اللاجئين؛ وفقاً لما وَرَدَ في «مُبادرة السلام العربية»!

 القدس ستكون عاصمة لدولتين؛ «القدس الشرقية» عاصمة لفلسطين؛ و«القدس الغربية» عاصمة لـ«إسرائيل»!

كما تُشير الرسالة إلى أن: «السلطة الفلسطينية كانت تنتظر أن يُساعِدها المحتَل على إقامة دولة؛ فأصبحت سُلطة؛ لم يعد لها أي سُلطة؛ وصارت دون ولاية حقيقية؛ في المجالات السياسية، والاقتصادية، والجغرافية، والأمنية؛ أي أن السلطة فقدت مُبرِّر وجودها».

مدى شاسع؛ ما بين رسالة الخليفة هارون الرشيد؛ المؤجَّجة بالقوة، والعظمة، والصرامة؛ حين نَعَتَ ملك الروم بـ «كلب الروم»؛ وبين رسالة هذا العبّاس؛ التي تعكس الذلَ، والمُهاوَدَة، والاستجداء؛ حين طلب من عدوّه أن يُعطيه وسُلطته الشرعية ومُبرِّر البقاء.

شتَّان ما بين نموذج القائد الرشيد؛ ونموذج سمسار العدو؛ ما بين قائد حقيقيْ، وبقايا القائد؛ ما بين من احترم ذاته ووطنه، ومن قَبَعَ على أعتاب العدو؛ مُنَكِّسًا كامِل أعلامِهِ وقُواه.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 36 / 2178399

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع نوافذ  متابعة نشاط الموقع أحمد الدبش   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2178399 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40