الخميس 26 نيسان (أبريل) 2012

ديمقراطية ليست على الشاكلة العربية

الخميس 26 نيسان (أبريل) 2012 par د. أمينة أبو شهاب

لا تقوم الديمقراطية على الخوف، وعلى الخيار الشعبي الذي يمليه الخوف على المصير العام بسبب التنازع الداخلي والفوضى الشاملة، وإنما تقوم الديمقراطية على الحرية وعلى اتساع رؤية الخيارات السياسية حيث يتاح الاختيار الواعي والمستنير للشعب. الخوف على المصير العام ووضع المجتمعات ضمن إطاره وضغوطه وشروطه يقلص الاختيارات ويفرض ديمقراطية قائمة على ما يشبه الخيار المفروض. فهل هذه هي الديمقراطية «العربية» التي هي في طور التكوين والتجهيز والإعداد للتطبيق في بلدان الربيع؟

هنالك حالمون كثر من العرب بالنموذج الغربي للديمقراطية، وهم لا يعلمون ربما أن هنالك رؤية غربية نافذة في دوائر السياسة والسلطة تربط الإثنيات والأعراق بأشكال من الديمقراطية التي تجد قمة اكتمالها وتطورها في نظرهم في النموذج الأنغلو - سكسوني في بريطانيا وأمريكا.

هذه الرؤية مستمدة من استخلاصات أنثروبولوجية واستشراقية تربط الممارسة السياسية للشعوب بثقافاتها السائدة. وحيث إن الغرب لا يبني قراراته على حماسة اللحظة وعلى ما قد تأخذه إليه التطورات السياسية مهما كانت المراهنة على هذه التطورات (كما في أحداث الربيع العربي)، فإن الأكثر ترجيحاً هو أن السياسات الغربية تحددها المسلمات الثقافية والمشورات المستندة إلى البعد الثقافي من قبل الأكاديمية والخبراء المختصين بالمجتمعات والذين يركن إليهم السياسيون.

والسؤال الجدي الذي يوجه إلى الحالمين العرب بالنموذج البرلماني البريطاني أو غيره من نماذج الممارسة السياسية الغربية، هو: لماذا يعطينا الغرب أو حتى يسمح لنا بتشكيل نموذج على شاكلته في الحكم وهو يصنفنا على أننا شعوب قائمة على ثقافة الاستبداد والتسلط ووحدانية القرار؟ إن هذا السؤال مرتبط بفرضية «التدخلية» الغربية في المسار «الديمقراطي» العربي، ومرتبط بالأساس بمسلمة ثبت للكثيرين صحتها في ما يتعلق «بثورات» الربيع العربي واليد الغربية في نشأتها وتمكينها بتكنولوجيا المعلومات والتواصل.

وإذا كان الغرب تدخل بداية، وإذا كان عرب هذه الفترة الزمنية القاتمة المملوءة بالأوهام قد تخلوا عن استقلالهم ورحبوا كثيراً بـ «مساعدة» الغرب لهم في كل ما يتعلق بشؤونهم، فإن التحديد الغربي لشكل «الديمقراطيات» في دول الربيع هو أمر أكثر من بديهي.

إن هدية الديمقراطية التي صورت السذاجة لبعض العرب أنهم استلموها من الغرب مع ثورات الربيع هي ليست هدية أصلية أو حقيقية بل زائفة ومغلفة بكل أساليب الإيحاءات التي أخذت العرب، كالعادة، بعيداً في التصورات.

يقول برنارد لويس في مقابلة مع «وول ستريت جورنال» إن العرب بعد أن قاموا بتمرداتهم السياسية يجب أن يجدوا من الغرب كل ما يشجعهم ويأخذ بيدهم إلى ما فيه البحث عن نموذجهم الثقافي والتاريخي الخاص في الحكم والممارسة السياسية، أما النموذج الغربي القائم على التجربة الأنغلو - سكسونية في الانتخاب والنظام البرلماني فهو ليس لهم على الإطلاق، وعلى الأقل يجب أن يمروا بمراحل تدريجية حتى يصلوا إلى مرحلة الاندماج في عملية الانتخاب وأدائها بشكلها المطلوب. يوجه هذا المستشرق الذي أدّى دوراً في توجه جورج بوش لغزو العراق بعد أحداث سبتمبر النداء تلو النداء إلى باراك أوباما بنبذ فكرة تطبيق الديمقراطية الغربية في بلدان الربيع العربي.

ما عرف العرب إلى الآن من الديمقراطية على أن حقيقتها وجوهرها هو «التعددية»، وهي تلك التعددية التي ليست بالضرورة مؤدية إلى الديمقراطية، بل للتنافر الاجتماعي والسياسي وبروز الكيانات السياسية المتصارعة بحدة. تحتاج التعددية إلى ناظم سياسي أو مركزية يحفظ تناغمها ووئام أطرافها وأحزابها وفصائلها المختلفة في المجتمع. وفي بلدان الربيع العربي حيث لا قيادة سياسية لهذا الربيع ولا أيديولوجية مركزية له، فإن التعددية قد أصبحت هي توالد التنافر والانقسام والتصادم، وأصبحت تؤسس لانفراط العقد الاجتماعي.

لقد أعطى الغرب. العرب من ديمقراطية حتى الآن ما يلائم انقساميتهم وتشرذمهم الداخلي، وما يعزز حالة الفوضى الشاملة التي قادت إليها ثورات الربيع بعد انهيار المؤسسات العامة . وليست هذه حالة عامة تقود إلى الديمقراطية، بل هي مقدمات إلى تقليص الخيارات الديمقراطية أمام الشعوب وفرض متطلبات الأمر الواقع عليها، وهي متطلبات مثل الأمن والغذاء والسلامة من استحقاقات مستقبلية يرهبها ويخشاها الجميع. إنها الديمقراطية المؤسسة على الخوف وعلى محدودية الخيار الذي يفرضه الخوف الذي توضع في إطاره المجتمعات، وذلك كي توضع هذه المجتمعات في اتجاه الاختيار الذي لا يشكل إزعاجاً للغرب.

وتمثل مصر هذا المشهد بكليته وعناصره المتحركة، إذ لا تخدم التعددية الفئوية والتعددية الإعلامية التحول الديمقراطي، بقدر ما تحبطه، وتوزع الولاءات، ويبدو المجتمع منقسماً على نفسه ومحدداً بالخوف من انفجار العنف والخوف من الانهيار الاقتصادي ومن أخطار كثيرة يذكيها إعلام النخبة الذي يبث الأخبار المتلاحقة عن الحرائق والجرائم وأخطار أخرى تقع البلاد في دائرتها، كما أن هذا الإعلام يعزف على وتر الانقسام الداخلي وبث جو عدم الثقة بين أطراف العملية السياسية.

في هذه الأجواء يحيط الشك بالعملية الديمقراطية وبالانتخابات المقبلة، ويظهر كما لو كان أن هنالك «فرملة» لعربة الديمقراطية بعد أن انطلقت سابقاً. ليست هذه ديمقراطية على الشاكلة الغربية، وإنما هي قيد تشكيل ما.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2165433

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165433 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010