الأربعاء 25 نيسان (أبريل) 2012

التعارض بين اجتهادَيْن عند التطبيق العملي

الأربعاء 25 نيسان (أبريل) 2012 par منير شفيق

جاء الاختلاف الجدّيّ الأول الذي تحوّل إلى الانقسام بين الصحابة رضي الله عنهم، بعد مقتل الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه. وذلك حول مسألة الاقتصاص من قتلة الخليفة.

وجهة نظر أحد الطرفين تمثلت في مطالبة الخليفة الراشد الرابع فور بيعته خليفة بأن يَقتصَّ من قتلة الخليفة فوراً ومن دون إبطاء، فيما طالب الإمام علي الذي أصبح أمير المؤمنين المتوجّب الطاعة أن يمهلوه ويتركوا له الوقت الكافي حتى يأخذ بتطبيق الشرع بحق القتلة.

كل من وجهتيْ النظر من حيث الموقف الشرعي يحمل سنده ويُعتبَر موقفاً شرعياً. ولكن مع ذلك كان لا بدّ من ترجيح أحدهما من قِبَل أمير المؤمنين كرّم الله وجهه، وعندئذ يكون الموقف الشرعي الراجح المتوجّب الأخذ به.

يتفق الطرفان على جريمة قتل عثمان وشرعية أخذ القصاص من القتلة. ولكن هؤلاء كانوا يملأون الشوارع بسيوفهم وما كان بمقدور الخليفة إنزال القصاص بهم قبل أن يتحقق التمكين الواجب له حتى يستطيع إنفاذ الحكم من دون حدوث فوضى وفتنة. ومن ثم يكون الموقف الشرعي الراجح والأصحّ، وفقاً للظرف المعطى، هو موقف الإمام علي بن أبي طالب الخليفة الراشد كرّم الله وجهه.

ومن ثم يكون من العبث الاستناد إلى شرعية إيقاع القصاص الفوري الذي ستصحبه فتنة لا يعلم غير الله، في حينه، إلى أين تنتهي. ثم بالرغم من ذلك يفلت القتلة، ولا ينفذ بهم القِصاص.

هنا يصبح الأخذ بالمبدأ الشرعي الثاني بالرغم من أنه يقوم على اعتبارات ظرفية وبسبب ميزان قوى محدّد هو الموقف الشرعي الأصحّ الذي يشكّل الأصل من حيث المبدأ الشرعي في مسألة إنزال القِصاص الشرعي بالقتلة الذي قتلوا نفساً بغير حق، وفي وضح النهار، وبالدليل القاطع. وكانت هذه النفس الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه لتندلع بسببها فتنة لها بداية وليس لها نهاية.

على أن أصحاب الاجتهاد الأول حملوا السلاح تحت راية قميص عثمان الملطخة بالدماء ليقاتلوا الخليفة وليس القتلة. وبهذا كانت الفتنة الأولى والأخطر بين المسلمين. وقد انتهت بإنهاء عهد الخلافة الراشدة وإقامة الملك العضوض.

ليس المطلوب هنا الخوض بأكثر من ذلك التزاماً بالآية الكريمة (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) «البقرة: 134 و141».

أما من الجهة الأخرى فلاتخاذ العبرة من تجربة اصطدم فيها مبدآن شرعيان أحدهما أصل من حيث الحكم الشرعي وثانيهما فرع تولّدّ عن ظرف وميزان قوى يقود إن لم يُتخذ به إلى فتنة دموية وانقسام حادّ ومن دون أن يُقيم حقاً أو يطبّق مبدأ شرعياً.

وإذا صحّ هذا الفهم لتلك التجربة يتشكّل نهج في الترجيح عند اصطدام مبدئين شرعييْن أحدهما يتصل بمبدأ الحق الشرعي وثانيهما يستند إلى ترجيح اتقاء الفتنة واعتبار النتائج في تطبيق كل من المبدئين حَكَماً في ترجيح أحدهما على الآخر. وذلك مهما بدا، أحدهما أصلاً والآخر فرعاً. لأن اتقاء الفتنة وتجنّب النتائج الكارثية، والحفاظ على الوحدة حتى لو لم تقم على عدل يحوّل ذلك الفرع إلى أصل يرجَّح على الأصل الأول إذا ما وُضِعا في كفتيْ ميزان.

هذا ينطبق على كل ثورة وخروج إلى الصدام حين يكون المستند هو حق شرعي في مقابل ظرف غير مؤاتٍ وميزان قوى في عير مصلحته.

لا يقتصر هذا الحكم على استناد إلى المرجعية الإسلامية في موضوع الثورة والخروج إلى الصدام الذاهب إلى الحسم، فحسب، وإنما أخذ به، أيضاً كبار الثوريين الذين جعلوا من الثورة والصدام الذاهب إلى الحسم استراتيجيتهم في التغيير. وقد اعتبروا أن من الجريمة اللجوء إلى السلاح إذا لم يكن الظرف وميزان القوى مؤاتييْن في حينه، أو إذا لم يكن إنضاجهما أكيد التحقق ولو بعد حين من دخول تلك العملية.

وقد اعتبروا في الآن نفسه أن التعامل مع الثورة السريعة القرار، أياماً أو بضعة أشهر، أو الثورة طويلة الأمد أعواماً وعقوداً أمريْن يدخلان ضمن التقدير الصحيح للموقف ولا يسمح بالتجريب ولا بالمغامرة أو المقامرة في ذلك. لأن النتائج الناجمة عن الفشل تكون وخيمة في الخسائر البشرية والماديّة وكارثية على مستقبل التغيير والثورة. فالقادة الهواة هنا، أو المغامرون، أو ضيّقو الأفق، والمتعجّلون قالوا فيهم أشدّ ما قيل من نقدٍ وإدانة.

ولهذا لم يُجيزوا إطلاق الثورة من دون تقدير صحيح للظروف وموازين القوى، ما هو قائم منها وما هو متوقع الحدوث في أثناء الصراع وانكشاف المواجهة المسلحة أو الصدام الحاد. هذا الرأي هو ما أخذ به قادة جعلوا الثورة استراتيجيتهم في التغيير من ماركس ولينين وماو تسي تونغ وهوتشي منه ولهم فيه قول كثير.

كان التعلم من الثورات التي فشلت وغرقت في الدماء وأعقبها نكسات، بالرغم من تمجيد ما قدّمته الجماهير والثوار من بطولات وتضحيات، قد شكّل الدروس في ضرورة إتقان إجراء التقدير الصحيح للموقف وحسن حساب المتوقع من التطورات. وذلك ليُصار إلى التعاطي وهذا الموضوع باعتباره عِلماً وفناً، بعيداً من ردود الأفعال غير المحسوبة والتعجّل في جني الثمار قبل نضوجها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 70 / 2165222

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المراقب العام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165222 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010