الأربعاء 25 نيسان (أبريل) 2012

إلغاء «اتفاقية الغاز» مسمار جديد في نعش العلاقات المصرية - «الإسرائيلية»

الأربعاء 25 نيسان (أبريل) 2012 par نواف الزرو

المتابع لملف العلاقات المصرية - «الإسرائيلية» في الاعلام «الإسرائيلي» يلحظ انفلاتا اعلاميا وسياسيا ودبلوماسيا «إسرائيليا» شرسا ضد مصر على مختلف المستويات والجبهات، فالاوساط الحكومية والمعارضة في «إسرائيل» تشن حملات اعلامية مسعورة متواصلة ضد مصر تتهمها بانتهاك معاهدة السلام بين الطرفين، بل وذهب البعض «الإسرائيلي» ابعد من ذلك بالتصويب الحربي على مصر.

رغم ان معاهدة السلام بينهما، الا ان مصر لا تزال بوصفها أكبر واقوى دولة عربية تحتل قمة الاجندة الاستراتيجية والامنية للدولة الصهيونية، التي تعتبر ان مصر هي مفتاح الامن والاستقرار الاستراتيجي بالنسبة لـ «إسرائيل» في المنطقة، اذا ما دامت واستتبت معاهدة السلام وحالة التطبيع الرسمي بين البلدين، لكنها كذلك مفتاح الحرب وعدم الاستقرار في المنطقة برمتها، بل انها تشكل التهديد الاستراتيجي الحقيقي لـ «إسرائيل»، اذا ما طرأ اي تغيير على النظام السياسي المصري وسياساته تجاه «إسرائيل»، ولذلك فان اي تحركات او اضطرابات او مؤشرات باتجاه تغيير النظام السياسي، او باتجاه تحطيم والغاء «معاهدة السلام المصرية -الاسرائيلية»، تشعل الضوء الأحمر لدى الادارتين الصهيونية والامريكية معا، وفي ذلك هناك الكثير من الادبيات الصهيونية التي تتحدث عن «مصر في الاستراتيجية الصهيونية - ان سلماً وان حرباً -».

[bleu]*[/bleu] [rouge]ردود فعل حربية[/rouge]

ففي اعقاب القرار المصري بـ «وقف تصدير الغاز الطبيعي لـ «إسرائيل» نهائيًّا»، والذي يعود وفق المصادر «الاسرائيلية» الى اسباب تجارية، تصاعدت ردود الفعل «الاسرائيلية» على نحو هستيري، فاعتبر القرار على المستوى الاستراتيجي «مسماراً جديداً في نعش العلاقات المصرية «الاسرائيلية» التي هي في اسوأ حالاتها منذ توقيع اتفاق السلام بين البلدين قبل واحد وثلاثين عاماً»، وقالت (شركة امبال) «الاسرائيلية»: «إن مصر لا تدرك ولا تفهم ما تفعل.. إن مثل هذه الخطوة تعيد العلاقات «الاسرائيلية» المصرية 30 عاما إلى الوراء سياسيا واقتصاديا، والحديث يدور عن خرق لاتفاقية السلام الموقعة، ويترتب على إلغاء هذه الصفقة فرض عقوبات على مصر، بحسب الشروط الموقعة في العقد، والتي تصل قيمتها إلى 8 مليارات دولار - 22/04/2012».

وتلاحقت ردود الفعل «الاسرائيلية» التهديدية الحربجية بعد ذلك، فوصف رئيس حزب «كاديما» المعارض، الجنرال شاؤول موفاز القرار المصري بـ «التدهور غير المسبوق في العلاقات، والخرق الصارخ لاتفاقية السلام، وخطوة من طرف واحد تستوجب ردّا أمريكيا فوريا، بصفتهم الضامنين لاتفاقية كامب ديفيد».

وتطرق وزير المالية «الاسرائيلي» يوفال شتانيتس الى القرار المصري قائلا «انه ينظر بقلق الى هذا الاعلان الاحادي الجانب من الناحيتين السياسية والاقتصادية»، مضيفا: «ان القرار المصري يشكل سابقة خطيرة تلقي بظلالها على اتفاقات كامب ديفيد».

اما الجنرال احتياط بنيامين بن اليعازر- الصديق المقرب لمبارك سابقا والذي وقع اتفاقية الغاز مع مصر- فقال: «ان الغاء مصر اتفاقية الغاز مع «إسرائيل» هو اشارة جديدة على امكانية قيام مواجهة بين الدولة العبرية والمصريين»، واضاف: «ان الشركة المصرية ما كان لها ان تلغي اتفاقية بين دولتين دون مساندة وقرار الحكومة المصرية»، محذرا: «انه يأمل في ان تعيد الحكومة الجديدة المنوي تشكيلها بعد انتخابات الرئاسة المصرية النظر في الغاء الاتفاقية لما فيه مصلحة الطرفين»، وذهب عضو «الكنيست» ميخائيل بن اري من «حزب الاتحاد» ابعد من ذلك فشن هجوما شديدا على مصر قائلا: «لقد آن الأوان لخرق اتفاقية السلام مع مصر بشكل أحادي الجانب وإعادة السفير «الإسرائيلي» من القاهرة لـ «إسرائيل»، وعلى الجيش إعادة احتلال سيناء والتعامل مع مصر كحركة إرهابية وليست دولة ذات سيادة سياسية».

فهل هناك وقاحة اشد من هذه الوقاحة...؟!

وفي سياق ذي صلة، كشفت صحيفة «معاريف» -22/4/2012 اليمينيّة، التي يرأس تحريرها الناطق السابق بلسان رئيس الوزراء «الإسرائيليّ»، بنيامين نتنياهو، النقاب عن قيام وزير الخارجية «الإسرائيلي»، أفيغدور ليبرمان، بتوجيه رسالة لنتنياهو اعتبر فيها «أن الأوضاع الداخلية في مصر تشكل مصدر خطر استراتيجي على «إسرائيل» أكثر من الملف الإيراني»، مضيفاً في جلسات سرية ومغلقة: «إن الموضوع المصري مقلق أكثر بكثير من الموضوع الإيراني، لأنّ الحديث، يدور عن أكبر دولة عربية، لها أطول حدود مع «إسرائيل» تمتد الى مئات الكيلومترات، ناهيك عن اتفاقية سلام لأكثر من 39 سنة»، وقالت «معاريف» نقلاً عن مصادر سياسيّة في «تل أبيب» إن وزير الخارجيّة ليبرمان قال «إنّه على ضوء التطورات في مصر يجب اتخاذ قرار سياسي شجاع بإعادة بناء قيادة للمنطقة الجنوبية عبر إعادة تشكيل سلاح الجنوب الذي كان تم حله بعد اتفاقية السلام، شريطة أنْ يشمل هذا الفيلق، ثلاثة أو أربعة قطاعات أو ألوية محددة للجنوب، ورصد الميزانيات اللازمة وتجهيز رد «إسرائيلي» لسيناريوهات مستقبلية محتملة»، واعرب ليبرمان عن اعتقاده أنه «من غير المستبعد أن ينتخب في مصر رئيس جديد، وأن تخرق مصر اتفاقية السلام بصورة جوهرية وتدخل إلى سيناء قوات عسكرية حقيقية»، ويعتقد ليبرمان «أنه رغم الأوضاع الاقتصادية المتردية في مصر، فإن هذه الأوضاع لا توفر لـ «إسرائيل» ضمانة في كل ما يتعلق باستقرار اتفاقية السلام، فاليأس في مصر آخذ بالتصاعد، علاوة على ذلك، يزعم ليبرمان، كما قالت الصحيفة، بأنّ استمرار الأوضاع الحالية قد يخلق ضغطاً على القيادة المصرية يدفعها باتجاه تصدير الأزمة للخارج و«إسرائيل» هي المرشح الطبيعي للعب دور العدو».

[bleu]*[/bleu] [rouge]بدايات التصعيد «الإسرائيلي»[/rouge]

وردود الفعل الحربية «الاسرائيلية» الهستيرية المشار اليها ليست جديدة او ردة فعل خاصة بالقرار المصري الاخير، بل ان بدايات التصعيد «الاسرائيلي» الهستيري ضد مصر يعود الى ذلك الوقت الذي اجرت فيه القوات المصرية مناورات عسكرية لم ترتح لها «إسرائيل»...!

فبينما كان الجميع مشغولين آنذاك بتفاصيل الغارة العدوانية التي شنها الطيران «الإسرائيلي» على سورية في السادس من ايلول 2007، كانت «إسرائيل» تركز أنظارها على سيناء المصرية حيث اختتمت مناورة عسكرية مصرية ضخمة استغرقت خمسة أيام تدربت خلالها قوات برية وجوية من الجيش المصري على اجتياز قناة السويس مثلما في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973.

وتناولت وسائل الإعلام العبرية هذا الموضوع كمؤشر على أن مصر ما زالت تبقي على الخيار الهجومي وربما التهيؤ لاحتمال إلغاء معاهدة السلام في ظل تطورات إقليمية معينة.

ونقلت صحيفة «يديعوت» العبرية عن خبراء تقديرهم بأن الجيش المصري يجري مناورات عسكرية حسب عدة سيناريوهات، أحدها إنهاء «السلام» مع «إسرائيل»، واجتياح متجدد من الجيش «الإسرائيلي» لسيناء في ظل الهجوم على أهداف في مصر.

لذلك نقول: لم تكن تلك التصريحات التي اطلقها جنرالات في الجيش «الاسرائيلي» آنذاك التي اعتبروا فيها «أن المناورات العسكرية التي أجراها الجيش المصري عند قناة السويس، تشير إلى أن مصر تحتفظ بخيار الحرب ضد «إسرائيل»: (يديعوت أحرونوت)، الا تعبيرا عن الرؤية «الاسرائيلية» الجذرية لمكانة مصر ودورها المركزي السابق والمحتمل في الاطار العربي والشرق اوسطي، ولم تكن كذلك الا مؤشرا للاجندة «الاسرائيلية» الخفية تجاه مصر».

واعرب مسؤولون أمنيون «إسرائيليون» عن اعتقادهم «أنه رغم أن الحديث هنا ليس عن تطورات واقعية لكن احتمال حدوث تغيرات مثل استبدال النظام في مصر وصعود نظام إسلامي هو تطور قد يحدث بسرعة، وعلى «إسرائيل» أن تأخذ كل ذلك بالحسبان عندما تقوم ببناء قوتها العسكرية في المستقبل»، وقالت مصادر عسكرية «إسرائيلية»: «إن مصر تجري مثل هذه المناورات العسكرية منذ سنوات ويتم خلالها التدرب على نقل قوات مدرعة في القناة، علما بأن معاهدة السلام مع مصر تمنع عمليا نقل دبابات مصرية إلى سيناء».

اذا وكأننا هنا امام سيناريوهات حربية استعدادية بين دولتين متحاربتين وليس بين دولتين بينهما معاهدة سلام، كما ان جنرالات الجيش «الاسرائيلي» يحملوننا هنا عبر هذه التصريحات الى ذلك العهد العدائي بين الدولتين..!

فهل الامور وتطورات الاوضاع بينهما هي حقا في هذا الاتجاه...؟!

ام ان جنرالات الجيش «الاسرائيلي» يبالغون في تقديراتهم ...؟!

[bleu]*[/bleu] [rouge]مصر في الاستراتيجية «الاسرائيلية»[/rouge]

ولكن، الاصل هنا: هل تغيرت مكانة مصر في الاستراتيجية «الاسرائيلية»، ام انها لا تزال من وجهة نظر المؤسسة العسكرية - الامنية - السياسية العدو الاستراتيجي الرئيس للدولة الصهيونية ...؟!.

والاهم هنا : ما الذي تريده «إسرائيل» من مصر من وراء تصعيدها لحملاتها التحريضية ضد مصر...؟!.

فرغم أن مصر قد خرجت إثر معاهدة السلام كلياً من دائرة العمل العسكري العربي، وقدمت الكثير في الجانب السياسي المعلن على طريق صناعة تسوية عربية شاملة مع «إسرائيل»، إلا أن كل ذلك لا يكفي من وجهة نظرهم، فهم يعملون على تفكيك الملف المصري، فلا تزال «إسرائيل» تتعامل مع مصر بأسلوبها المعهود القائم على التشكيك الدائم بالنوايا والخطوات المصرية في مجال السياسة وغيرها، فكما في الحالة الفلسطينية كذلك في الحالة المصرية فان «إسرائيل» تطالب مصر دائما أن تقدم ما يمكن أن يسمى في السياسة بحسن النوايا، في حين ان «إسرائيل» لا تتعاطى مع هذه اللغة مطلقا، وكأن معاهدة السلام المصرية هي في جانبها المصري تلزم مصر بان تعمل على إقناع قادة «إسرائيل» بحسن النوايا المصرية على الدوام، كما تابعنا مؤخرا في قصة الاسلحة والتفجيرات في سيناء والهبة الجماهيرية الفلسطينية عابرة الحدود، ما يعتبره الشعب المصري نوعا من الإذلال له ولمصر الكبرى.

في صميم المعاهدة وملف السلام بين الدولتين وخيبة الامل «الاسرائيلية» منها ربما يكون المحلل «الاسرائيلي» امير اورن خير من عبر عن الرؤية «الاسرائيلية» لطبيعة السلام القائم ما بين مصر و«إسرائيل» اذ كتب يقول: «ان عام 2007 لا يعني فقط أربعين عاماً على حرب 1967، وإنما يعني ثلاثين عاماً على زيارة أنور السادات إلى «إسرائيل»، الانجاز العسكري الأكبر لـ «إسرائيل» في هزيمة 3 دول والسيطرة على أراض لها، وفي المقابل الإنجاز السياسي الأكبر في تصدع أسوار العداء العربي، وفي كلتا الحالتين فإن الانبهار تبدل تدريجياً بخيبة أمل، ولم تتحقق التعهدات التي كانت تنطوي عليها النتائج الفورية».

ويردف: «ان مصر لن تقدم ذرة من التراب أو قطرة عرق أو دم من أجل توسيع السلام، وفي أحسن الحالات فإنها ستواصل تحريك الجمود الحالي»، ليستخلص اورن مؤكداً: «تشير استطلاعات الرأي العام في مصر الى أن الدولة العربية الأكبر وذات الجيش الأقوى والأكثر تطوراً هي الأشد عداء لـ «إسرائيل» وللولايات المتحدة والغرب، وليس الحديث هنا عن نزعات عابرة، فالمعطيات قاطعة، ومذهلة كتيار جارف من المعتقدات والآراء المسبقة»، ويختتم قائلا: «يهدد المرجل الذي يغلي تحت النظام بالإطاحة بـ «الغطاء» ومعه السلام مع «إسرائيل»، والنتيجة ستكون توترا أمنيا، لن يتصاعد فوراً أو بالضرورة إلى حرب متجددة، هي السادسة، بين «إسرائيل» ومصر، إلا أن سلاماً عميقاً وواسعاً أكثر مما هو عليه الوضع في الحدود الجنوبية الغربية، لن يكون».

وهكذا نرى ان الرؤية «الاسرائيلية» للسلام والعلاقة مع مصر تحمل في احشائها القلق والحسابات الاستراتيجية المتعلقة باحتمالية انقلاب هذه الحسابات مستقبلا، والمسألة مسألة وقت...!

[bleu]*[/bleu] [rouge]القلق الصهيوني من التغيير[/rouge]

الواضح وفق المعطيات «الاسرائيلية» المتراكمة، ان المؤسسة الصهيونية تقلق اكثر مما قد يجري في مصر، بل ربما لا يثير القلق الاستراتيجي الصهيوني اي تغيير في المنطقة «الشرق اوسطية» كما تثيرها احتمالات التغيير السياسي لدى جارتها الجنوبية.

وعلى قدر ومنسوب الفرح والتطلع الشعبي العربي نحو التغيير في السياسات المصرية والعربية تجاه الصراع مع المشروع الصهيوني، على قدر ومنسوب الترقب والقلق الصهيوني.

فها هو الرئيس «الإسرائيلي» شمعون بيريز يقول خلال زيارته الأربعاء - 20/04/2011 للزعيم الروحي لـ «حزب شاس» الحاخام عوفاديا يوسف بمناسبة عيد الفصح اليهودي إنه «يجب الحذر من توجه مصر إلى وجهة غير صحيحة»، واضاف بيريز ليوسف، المصري الأصل، بجمل مستوحاة من قصص التوراة «إن هذا الفصح مختلف وهذه المرة.. المصريون أنفسهم يحاولون الخروج من بيت العبيد لكنهم لا يعرفون أيا هي الأرض الموعودة»، واردف أنه «علينا أن نتمنى للشعب المصري الخروج من الجوع والمهانة والنقص ويجب الحذر من ألا تتجه مصر إلى الوجهة غير الصحيحة» في إشارة إلى صعود جهات إلى الحكم تعارض السلام مع «إسرائيل» والتعاون مع الغرب.

وكان الجنرال احتياط شلومو غازيت رئيس شعبة الاستخبارات الاسبق عبر عن القلق البالغ من احتمالية التغيير في مصر حينما كتب مبكرا في «معاريف» 12/1/2010 تحت عنوان «خروج مصر» قائلا: «بالفعل، النظام المعتدل لمبارك مهدد ومن شأنه ان ينهار في كل الاحوال لكننا في «إسرائيل» ملزمون بان نفهم الخطر الاكبر الذي يحدق بالنظام، بالدولة المصرية وبالهدوء والاستقرار الاقليميين، وحذار علينا أن نجلب هذا الخطر على رأسنا».

كما ان آفي ديختر - رئيس «الشاباك» ووزير الامن الداخلي «الاسرائيلي» سابقاً - كان اطر الرؤية الاستراتيجية الصهيونية تجاه مصر في محاضرة القاها في 4 ايلول الماضي 2008 في «معهد ابحاث الامن القومي الاسرائيلي» قائلاً :

- ان انسحاب مصر من اتفاقية السلام وعودتها الى خط المواجهة خط احمر.

- من مصلحة «إسرائيل» بالتأكيد الحفاظ على الوضع الراهن في مصر.

مؤكدا: «ان عيوننا وعيون الولايات المتحدة ترصد وتراقب بل وتتدخل من أجل كبح مثل هذه السيناريوهات».

وفي ضوء التطورات الدرامية الجارية في مصر، فقد بات واضحا ان كل عيون العالم، وعلى نحو خاص منها عيون «إسرائيل»، تتابع بقلق لأن مصر هي الدولة الكبيرة والقوية والمهمة جدا، وذات تأثير هائل في العالم العربي، وما يجري في مصر، بالتوازي مع ما يجري في لبنان وفي تونس، يثير القلق لدى الآخرين المتربصين اكثر من اي وقت مضى، فهذه هي المرة الاولى التي ينزل فيها الملايين من المواطنين ومنهم الشبان والفتيان الى الشارع في موجات وان بدأت عفوية الا انها تحولت الى منسقة عبر الشبكات الاجتماعية والانترنت، وتعلق المصادر الصهيونية على ذلك: «ينبغي الانتظار لرؤية ما اذا كانت المظاهرات ستخبو في الايام القريبة المقبلة أم ستشتعل من جديد».

الى ذلك، حينما تقول الخارجية «الاسرائيلية» انها تتابع الاحداث بيقظة ودقة شديدة، وتقول مصادر صهيونية اخرى: «نتابع بتحفز الأوضاع في مصر»، مضيفة - قبل سقوط مبارك - : «إنها تقدر بأن سلطات القاهرة قوية بما فيه الكفاية كي تجتاز الهزة بسلام، وإن مصر ليست لبنان وليست تونس»، فان ذلك لم يكن يعبر فقط عن موقف «اسرائيلي» روتيني تجاه الاحداث، وانما عكس عمق القلق والتوتر والاستنفار «الاسرائيلي» من تداعياتها.

وحينما علق وزير الصناعة والتجارة «الاسرائيلي» الجنرال احتياط بنيامين بن العيازر قائلا: «ان الأحداث الجارية في مصر لا تشكل تهديدا حقيقيا للنظام المصري بقيادة الرئيس مبارك»، و«انه لا خوف على استقرار النظام المصري، لأن النظام المصري قوي ويحكم سيطرته بقوة على البلاد»، فان هذا الجنرال انما كان يعرب عن رغبته وأمنيته / كما المؤسسة الصهيونية برمتها / في ان تنتهي الاحداث بالقمع المطلق والسيطرة المطلقة على هذه الاحداث التي يخشى من جهتهم ان تتحول الى تسونامي يقتلع النظام ومعاهداته وتحالفاته في المنطقة.

ولذلك، فان اخشى ما تخشاه المؤسسة الصهيونية ان تكون «ايام الغضب» المصري تحمل في احشائها واجندتها الخفية ايام غضب على الدولة الصهيونية.

[rouge]المعاهدة وكراهية «إسرائيل»[/rouge]

ولا تفصل الدولة الصهيونية ما بين اعتبارها مصر تهديدا وخيارا هجوميا محتملا، وما بين تقييمها وقراءاتها المتشائمة لمعاهدة السلام بين الدولتين، اذ تعتبر ان الشعب المصري بكافة قواه السياسية الحية يرفضها، ما قد يترتب عليه انقلابات في الحسابات والموازين الاستراتيجية في اي وقت.

وفي صميم المعاهدة وملف السلام بين الدولتين وخيبة الامل الصهيونية منها، كتب امير اورن في «هآرتس» عن الرؤية الصهيونية لطبيعة السلام القائم ما بين الدولتين يقول: «بعد حسني مبارك، سوف يكون عداء مصر المخفي أكثر وضوحاً وأكثر نشاطاً»، مؤكدا: «تشير استطلاعات الرأي العام في مصر أن الدولة العربية الأكبر وذات الجيش الأقوى والأكثر تطوراً هي الأشد عداءاً لـ «إسرائيل» وللولايات المتحدة والغرب، وليس الحديث هنا عن نزعات عابرة، فالمعطيات قاطعة، ومذهلة كتيار جار من المعتقدات والآراء المسبقة»، مضيفاً - قبل سقوط مبارك وكأنه كان يتنبأ بذلك - : «يهدد المرجل الذي يغلي تحت النظام بالإطاحة بـ «الغطاء» ومعه السلام مع «إسرائيل»، والنتيجة ستكون توترا أمنيا، لن يتصاعد فوراً أو بالضرورة إلى حرب مجددة، هي السادسة، بين «إسرائيل» ومصر، إلا أن سلاماً عميقاً وواسعاً أكثر مما هو عليه الوضع في الحدود الجنوبية الغربية، لن يكون».

وتحدث جلعاد شارون في «هآرتس» قائلا: «ان كراهية «إسرائيل» في مصر ليست مقتصرة على الشعب، فالصحافة والرسومات الكاريكاتورية اللاسامية التي تنشر في مصر، وكذلك التعليم في المدارس، تُعبر هي ايضا عن الكراهية»، وتساءل جلعاد: «فما الذي يغذي هذه الكراهية؟»، مجيبا: «من المحتمل أن لا يكون المصريون قد سلموا بحقنا في العيش هنا بأمان، وإلا من الصعب تفسير كونهم دائما ألد أعداء «إسرائيل» في الجامعة العربية وفي الامم المتحدة، أو ذلك الضغط الذي يمارسونه على الدول الاسلامية حتى لا تقيم العلاقات مع «إسرائيل»، ومن الصعب تفسير تسلحهم العسكري، فدولة من دون أعداء مع مشاكل داخلية صعبة ليست بحاجة الى مثل هذا الجيش، فلماذا يتدرب الجيش المصري على اساليب هجومية ضد «إسرائيل»؟.

بينما يفسر سلفان شالوم وزير التعاون الإقليمي وتطوير النقب والجليل، كل ذلك في «أن المشكلة تتمثل في عدم تمتع الشعب بثقافة السلام».

ونعتقد ان شالوم قد اصاب الصميم هنا، فالشعب العربي المصري لا يتمتع ولا يرغب بثقافة السلام والتطبيع والتعايش مع المشروع الصهيوني، ما ينطوي دائما على احتمالات عديدة تتعلق بانهيار انظمة وسياسات واستبدالها بانظمة وسياسات اخرى متعارضة معها.

[bleu]*[/bleu] [rouge]انقلاب الحسابات الصهيونية[/rouge]

فالواضح الملموس اليوم اذا، ان مسار الاحداث في الشارع المصري وخاصة في اعقاب المظاهرات الملايينية الاخيرة المطالبة باسقاط مفتي مصر بعد زيارته التطبيعية للقدس، يؤشر الى ان الشعب المصري يجمع الى حد كبير على التغيير السياسي الاستراتيجي، ان للاسباب المتعلقة بحالة الفقر والبطالة والجوع، وان للاسباب السياسية الاجتماعية المتعلقة بالديمقراطية والحريات العامة، وان للاسباب السياسية الاستراتيجية المتعلقة بمكانة وكرامة ودور مصر العروبي والاقليمي، خاصة في الصراع مع الدولة الصهيونية.

ولكل ذلك، وعلى قدر ما تقلق المؤسسة الامنية والسياسية الصهيونية ومعها الادارة الامريكية من التطورات الدرامية - التسونامية المحتملة- في مصر، على قدر ما يجب ان يبعث ذلك على الاقتناع بان البوصلة الشعبية المصرية تسير في الاتجاه الصحيح.

وهكذا نرى اذا، ان احداث مصر في الرؤية الاستراتيجية الصهيونية، وتحت كل العناوين المشار اليها اعلاه، تثير قلق المؤسسة الصهيونية، فلا السلام والتطبيع على ما يرام، ولا النظام مستقر وآمن كما ترغب تلك المؤسسة، ولا الجيش المصري ضعيف ومتفكك اولا يشكل تهديدا وخيارا هجوما كما تريد، وكذلك الشارع المصري الذي ليس فقط لا يتمتع بثقافتهم السلامية، وانما يلفظها باحتقار، ما يحمل في الاحشاء احتمالية انقلاب كل الحسابات الصهيونية، فذلك النظام -الرئيس - الكنز الاستراتيجي لـ «إسرائيل» كما وصفه الجنرال احتياط بنيامين بن اليعازر، سقط تحت مطرقة ايام الغضب المصرية ورياح التغيير العاصفة التي اخذت تهب على العالم العربي متطلعة الى بزوغ فجر يوم جديد على الأمة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 26 / 2166012

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2166012 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010