الثلاثاء 24 نيسان (أبريل) 2012

مصر بين شقاء «الفول» وبطش «الفلول»!

الثلاثاء 24 نيسان (أبريل) 2012 par د.امديرس القادري

في البداية لا بد من تقديم أشد الاعتذار إلى مفردات ومعاني الكلام، فعندما يكون الحديث عن مصر وشعبها، وعن العرق والدم الذي سال من الجباه، فمن المؤكّد أن نشعر ونتلمّس ذلك التعب والشقاء الكامن والمختفي في داخل الكلمات التي لا بد وأن تقف عاجزة لأنها لن تستطيع الوفاء بحق الشعب المصري المضطهد والمظلوم والمسحوق، هذا الشعب الكادح والصابر والذي أعطى للبشرية دروسا لا مثيل لها في القدرة على التحمل والنفس الطويل أمام الشدائد وكل أشكال العذاب التي عانى منها، ومنذ بدايات القرن الماضي وحتى وقتنا الراهن.

من يراجع التاريخ منذ أن اندلعت الحرب العالمية الأولى وحتى حرب العبور في أكتوبر المجيد من عام 73، لن يجد صعوبة في فهم ومعرفة كيف حفر وشق غلابى الشعب المصري قناة السويس، وكيف بنوا وأقاموا السد العالي وهم دائما على أهبة الاستعداد للدفاع عن مصر، فاليد اليمنى كانت تحفر عميقا في الأرض، واليسرى كانت قبضة قوية في وجه العدوان الثلاثي الذي ارتدّ خائبا ومذعورا، وبغض النظر عن مرارة نكسة حزيران 67، فإنّ الظهور لم تنكسر، ونزل ما يزيد عن الخمسة ملايين في شوارع القاهرة لوداع عبد الناصر والبكاء عليه في يوم وفاته، هؤلاء هم المصريون الذين لا تنحني جباههم إلاّ لخالقهم.

رحل عبد الناصر الزعيم المعشوق مصريا وعربيا، وجلس السادات من بعده على مقعد رئاسة الجمهورية، ولكنه لم ينتظر طويلا بعد انتصار الجندي العربي المصري وتحطيم خط بارليف الصهيوني حتى قام بعد ذلك بفتح صفحة العار التي كتب على سطورها اتفاقية أسطبل داوود، وما تلاها من زيارة ذل وخيانة إلى «الكنيست» الصهيوني لتطبيع العلاقات الثنائية مع الكيان «الإسرائيلي» الغاصب والمحتل للوطن الفلسطيني، وهكذا أرادوا لها أن تكون بداية لعودة سيناء فضاعت مصر، ولأنها لا تضيع مهما طال زمان القهر والاستبداد، فقد سقط السادات غارقا بدمائه عل منصة الاحتفال بذكرى انتصار أكتوبر وظلّ التحدي المصري واقفاً على قدميه.

وهكذا، انتقل الرئيس «المؤمن» إلى القبر الذي دفن فيه، ليبدأ عهد الرئيس «المبارك» الذي لم يتوانَ يوما عن مواصلة قهر الشعب، ومنذ أن جلس على كرسي الرئاسة، حتى انتهى به المطاف على السرير المحمول بين السجن وقاعة المحكمة التي يخضع للمحاكمة أمامها، وبعد أن أطاحت به ثورة الغضب الشعبي التي أشعلها شباب هذا الشعب الذي يرفض الخنوع والاستعباد والانكسار.

هذه هي مصر إذاً، وهذا هو شعبها الذي يستعدّ هذه الأيام لانتخاب الرئيس الجديد في ظل الأوضاع والظروف التي استجدّت بعد أن قال ميدان التحرير كلمته وأعلن الثورة، وبعد أن أصبحت جماهير مصر تمسك بالكثير من حبال مستقبلها القادم الذي لا يزال يواجه أبشع أنواع التآمر والالتفاف الخارجي والداخلي بغية تفويت الفرصة على هذا الشعب وعلى آماله وتطلعاته نحو الفجر الجديد الذي سيحمل له الخلاص الصادق والفعلي من كل أشكال الظلم والاستبداد والتركيع والاستعباد.

من المعروف أنّ هذا الشعب الجبار اعتمد في قوته وغذائه اليومي على حبة الفول التي عُرفت «بلحمة الفقير»، حتى أنّ الشعراء كتبوا عنها القصائد، وغنّى لها المغنون وتغزّلوا بها، وبقرص «الطعمية» والذي لا بد أن يبدأ به الإنسان المصري المسحوق يومه، وهو يحلم بعود جرجير أخضر، وكما قال المرحوم الشيخ إمام في إحدى أغانيه التي كتبها له الشاعر الشعبي أحمد فؤاد نجم.

حبة الفول هذه هي اليوم على موعد مع واحدة من أشد وأصعب المعارك التي لا بد لشعب مصر وحارسها الأمين من أن يخوض غمارها، إنّها معركة الرئاسة التي بدأت تشتعل نيرانها مع سقوط نظام مبارك الذي ينتظر قرار المحكمة وحكمها وما سيقرره القضاة في الطغيان والاستبداد الذي مارسه وعلى مدى ثلاثة عقود من تاريخ مصر. سقط مبارك ولكن «فلول» نظامه والداعمين لهم لا يزالون يحاولون لملمة الصفوف، وتجييش الجيوش للانقضاض على كل قرارات ميدان التحرير الذي احتضن الثورة وشبابها المطالبين بالتغيير.

ميدان الصراع بين فول الفقير، وفلول النظام المستبد والبائد هو المحك الذي سيقرر طبيعة رئاسة الجمهورية القادمة والسياسات التي سوف ترسم المستقبل المصري، وتفك بالتالي الكثير من علامات استفهامه وألغازه، ولأن حبة الفول صادقة في كل ما تحمله بداخلها من بروتين غذائي، فإنّ الذين اقتاتوا عليها وعلى مدى عقود طويلة لن يخيّبوا الظن بهم، ولا بد أن يكونوا على أهبة الاستعداد وعلى قدم وساق للإطاحة بما تبقّى من الفلول والذيول التي لا بد وأن تقطعها زنود الأحرار والغيارى والشرفاء من أبناء مصر العظيمة.

فهل تدرك القوى السياسية الوطنية في داخل مصر المحروسة ما يمكن أن تفعله حبة الفول هذه؟ لننتظر ما سيفعله كل المخلصين «الشاطرين» والحريصين والغيارى من أجل مستقبل مصر، فالفول لا يرحم، والضباب الذي يعيق الرؤية حتى الآن على طريق معركة الرئاسة لا بد أن ينقشع. والله من وراء القصد!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 115 / 2165351

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165351 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010