الثلاثاء 24 نيسان (أبريل) 2012

ثقافة المقاومة والمساومة

الثلاثاء 24 نيسان (أبريل) 2012 par أمجد عرار

لا نستطيع أن نفكّر بمستقبل الأمة العربية بمعزل عن التفكير في صراعها مع «إسرائيل»، ولا نستطيع أن نفكّر في هذا الصراع على نحو مجدٍ من دون خلق فهم مشترك لدى شريحتي السياسيين والمثقّفين. هذا الفهم المشترك لكي يتحقق يجب أن يسبقه تحديد المعايير التي نستطيع بموجبها معرفة من يستحق أن يكون ضمن فريق يصوغ الخطاب السياسي العربي، ومن ينسجم خطابه السياسي مع معسكر الأعداء. وما ينطبق على السياسي ينسحب على المثقّف، وتحديداً المثقّف السياسي الذي يجب أن يخضع لعملية التحديد العلمية الواضحة، لأن هذا الفرز يمكننا كشعوب عربية من معرفة من يستحق مكانه في دائرة النقاش والجدل بكل تنوّعها وثرائها، ومن لا يجب أن تُدرج آراؤه ضمن وجهات النظر.

في الصراع العربي الصهيوني الممتد منذ أكثر من قرن، يتداخل دور السياسي والمثقّف، يتقاربان ويتباعدان تبعاً لتعقيدات الأحداث في المراحل المتعاقبة. لكن من حسن حظ المثقّف أنه يملك هامشاً أوسع في صياغة مواقفه والتعبير عنها من دون حاجة لركوب صهوة الازدواجية بين ما يؤمن به وما يستطيع التعبير عنه من مواقف. السياسي الرسمي ليس بوسعه التصريح بموقف يخالف مواقف حكومته من دول أو قرارات دولية، فما دام جزءاً من منظومة السلطة، فإنه ملزم بالتعبير عن الموقف الرسمي أو الصمت إن كان ذلك متاحاً.

الوزير الفلسطيني، مثلاً، لا يستطيع أن يتحدّث عن فلسطين التاريخية طالما أنه عضو في حكومة أفرزها اتفاق مع «إسرائيل» ويعترف بها. لا يستطيع أن يتحدّث عن يافا وحيفا وعكا كمدن فلسطينية. لا يمكنه أن يؤيّد المقاومة التي يقرها القانون والشرعية الدوليان، كأسلوب في مواجهة الاحتلال وصولاً إلى تحرير الأراضي العربية المحتلة، فلسطين والجولان ومزارع شبعا والغجر وتلال كفرشوبا. المثقّف متحرر من هذه القيود، وهو قادر ومطالب بأن يزرع في خلد ابنه بأن فلسطين أرض عربية محتلة لا يمكن أن تتحوّل، كلياً أو جزئياً، إلى «إسرائيل».

ولهذا السبب، لم تكف «إسرائيل» عن فتح ملف «التحريض» في مفاوضاتها ولقاءاتها مع السلطة الفلسطينية، والتحريض بمنظورها كل كلام يحمي الذاكرة ويحافظ على الهوية ويؤكد التمسك بالحق.

إن معادلة التكتيك والاستراتيجية تدخل ضمن فن العمل السياسي النضالي، لكن المثقّف ليس ملزماً بها، وليس منطقياً أن يقيّد نفسه باتفاقات لا تشمله وليس جزءاً منها. إنه مطالب بأن يقدّم الرواية التاريخية من دون الالتفات للحسابات السياسية للجهات الرسمية، وهو في كل ما يقول يعبّر عن رأي ويؤدي واجبه في الإبقاء على الحائط الثقافي الجذري واقفاً.

لماذا نورد هذا الدور المنوط بالمثقّف؟ لأن بإمكانه قول ما يحجبه السياسي. وأيضاً لأننا نلحظ وجود شرائح واسعة من المثقّفين الفلسطينيين والعرب يحملون في فكرهم وكتاباتهم ما هو أدنى من هرولة بعض السياسيين. المساومات جزء من لغة السياسة لكنّها محكومة بمعادلات وظروف وموازين قوى، أما التطبيع فهو اندفاع ذاتي نحو مساعدة المحتل في تثبيت أقدامه فوق الأرض العربية.

المشترك بين الثقافة والسياسة أن كليهما يقع تحت نظر العدو كجبهة اختراق مع مراعاة الفرق في دور كل منهما، فالسياسي إذا سقط ينفّذ دوره في ميدان السياسة، أما المثقّف فهو أكثر خطورة حيث يناط به الدخول إلى عقول البسطاء وتخريبها من الداخل وإعادة برمجتها ضد الثوابت الأصيلة التي يسمونها عدمية وتطرفاً، وضد المقاومة وثقافتها وبرامجها ورموزها، ويعملون على إحلال مواقف جديدة في العقل العربي، مواقف تصالح الأعداء وتحرّض على الأصدقاء، مواقف تفرّغ الروح من إرادة المقاومة وتزرع بدلاً منها بذور المساومة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2178838

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

29 من الزوار الآن

2178838 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 26


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40