الاثنين 23 نيسان (أبريل) 2012

ناصروا السودان

الاثنين 23 نيسان (أبريل) 2012 par منير شفيق

لا أحد من العرب والمسلمين يحب للسودان أن يغرق في حرب بين شماله وجنوبه. وذلك بالرغم من أن انفصال جنوب السودان عن شماله تمّ بدعم الغرب والكيان الصهيوني فيما تُرِك شمال السودان، عربياً وإسلامياً، وحيداً ليقلع شوكه بيديه.

المأساة جاءت بالدرجة الأولى من قِبَل دول الاعتدال العربي بعد دور القوى الخارجية التي كانت وراء الانفصال. فإن حسني مبارك يتحمّل شخصياً مسؤولية عدم الوقوف العربي كما يجب إلى جانب السودان ودعم وحدته ووضع حدٍّ للسياسات الأميركية الأوروبية التي دفعت دفعاً للانفصال، ومن دون أن تختلّ علاقتها قيد أنملة مع دول الاعتدال العربي قبل 2011.

لم تعرف الأمّة العربية منذ حالة الأنظمة التي شهدت نكبة فلسطين عام 1948، حالة شبيهة أو أسوأ، من حالة الأنظمة التي تحالفت مع واشنطن خلال العشرية الأولى من القرن الواحد والعشرين. فهذا العقد من الزمن شهد اجتياح قوات شارون لمناطق (أ) في الضفة الغربية وحصار ياسر عرفات ثم سحب الغطاء الفتحاوي المصري العربي عنه مما هيّأ شرط اغتياله من قِبَل شارون، وبدعمٍ وتغطيةٍ من جانب إدارة جورج دبليو بوش.

وكان هنالك تناغم بين كولن باول وزير الخارجية الأميركية والوزير عمر سليمان المكلف بالملف الفلسطيني في الضغط على عرفات ليسلم صلاحياته لرئيس الوزراء محمود عبّاس ويبقى «رمزاً» للتوقيع.

وشهد العقد المذكور تواطؤ دول الاعتدال العربية الرئيسة مع حرب العدوان الأميركي على العراق عام 2003. كما شهد التواطؤ نفسه في حرب العدوان على لبنان 2006، ولا تسل عن التواطؤ المكشوف المفضوح في حرب العدوان على قطاع غزة في 2008/2009.

ومع نهاية هذا العقد تم المخطط الأميركي الأوروبي لفصل جنوبي السودان عن شماله، ومن دون أن تتحرك الجامعة العربية، التي قادها الثلاثي أحمد أبو الغيط وسعود الفيصل وعمرو موسى، لنصرة السودان والحيلولة دون كارثة انفصال الجنوب.

الذين فصلوا الجنوب وقسموا السودان لم يكتفوا بهذا، فقد راحوا يعملون على فصل دارفور وكردفان وغيرهما. وذلك من خلال استخدام حكومة جوبا في الجنوب بتقديم الدعم للقوى الانفصالية الأخرى. وهذا ما جعل مناطق الحدود بين دولتي الشمال والجنوب متفجرة. وقد دخلت منطقة هجليج النفطية في ما يشبه الحرب النظامية بين القوات المسلحة الرسمية للطرفين.

شنت القوات النظامية الجنوبية حملة عسكرية واحتلت هجليج وراحت تهدّد باحتلال أبيي وتدعو الدول الكبرى (أميركا وأوروبا على الخصوص) لتثبيت نتائج هذا الاحتلال من خلال إرسال قوات فصل بين الطرفين.

أما من جهة أخرى فقد دعم احتلال هجليج من جانب متمردين شنوا هجوماً على ضاحية تلودي في منطقة جنوب كردفان. وكان دعم دولة جنوب السودان واضحاً للانفصاليين في كردفان والنيل الأزرق.

صحيح أن الوضع العسكري حتى اللحظة ما زال رجراجاً، إذ ما زال بمقدور جيش السودان - ربما - التعاطي القوي معه. ولكن إلى متى؟ وهل يجوز أن تغفل الجامعة العربية - ولا سيما مصر والسعودية - عما يجري في السودان من استمرار المخطط الأميركي الصهيوني لتمزيقه شرّ ممزق؟

مهما قيل عن انشغالات الدول العربية في شؤونها الخاصة وما تواجهه من مخاطر وتحديّات، ومهما قيل عن المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها مصر والوضع العربي عموماً، إلاّ أن إغفال ما يجري في السودان لا مسوّغ له، ولا تنفع ندامة إذا حصل التمزق وتغيّرت خريطة السودان إلى حدّ لا يعود من الممكن إصلاحه.

أولاً : لا يجوز لأميركا أن تكسب «الحسنَيَيْن»، وذلك بتأمين مصالحها عربياً ودعم سياساتها من قِبَل عدد من الدول العربية بما في ذلك غضّ النظر عن الدعم الذي تقدّمه لسياسات نتنياهو الاستيطانية في الضفة الغربية، والتهويدية في القدس والمسجد الأقصى، كما غضّ النظر عن سعيها لتمزيق السودان إلى دويلات من خلال دعم حكومة الجنوب، وممارسة الضغوط على حكومة السودان لتبتلع المزيد من تقسيم للسودان فضلاً عن دعم كل حركة انفصالية.

بل إن هذه السياسات العربية التي تذهب بعيداً في علاقاتها بأميركا مع دعمها مالياً من خلال صفقات السلاح أو السكوت عن سياساتها لا سيما في فلسطين والسودان، سوف ترتدّ على أصحابها بمثل ما ارتدّت على حسني مبارك وزين العابدين بن علي.

لا يستطيع أحد أن يدّلنا على علاقة واحدة مع أميركا عادت بإيجابية واحدة على أيّة قضيّة عربية أو قطر عربي. فالمعادلة معها كالمستجير من الرمضاء بالنار، أو كالذي يريد حماية أطفاله بوضعهم في مغارة الضبع.

لم يسبق أن اقترب أحد في بلاد العرب من أميركا إلاّ ناله الخراب والسمعة السيئة، وذلك لسبب بسيط هو وجود الكيان الصهيوني وسط العرب مما يقضي بإبقائهم ضعفاء ممزقين متعادين ومتخلفين علمياً واقتصادياً.

وهذا ما يفسّر لماذا استطاعت بعض الدول خارج النطاق العربي أن تنهض اقتصادياً، أو تحمي أنظمتها من خلال تحالفها مع أميركا لا سيما الدول التي جاورت الاتحاد السوفيتي أو الصين في مرحلة الحرب الباردة. فهذه الدول عومِلَت أميركياً من خلال سياسات غير السياسات الأميركية التي عومِلَ بها حلفاؤها العرب. فالعامل الصهيوني يلعب دوراً حاسماً في السياسات الأميركية المتعلقة بالدول العربية وبمن يجاورها من بلدان إسلامية وفقاً لكل حالة.

المهم أن تدرك الدول العربية والجامعة العربية أن السياسات العربية المتبّعة الآن إزاء أميركا ستعود بالخراب على السودان وفلسطين، بصورة خاصة، بل على الوضع العربي بأسره. فما لم تهزّ العصا في وجه السياسات الأميركية عربياً عموماً، وفلسطينياً وسودانياً خصوصاً، فإن الأمور ستسير إلى الأسوأ بالنسبة إلى أنظمة تلك الدول. ثم حذار من ترك السودان بلا دعم عربي وإسلامي حقيقي للمحافظة على وحدة ما تبقى منه، ولمواجهة المخططات الأميركية الصهيونية التي يتعرّض لها.

ثمة إشكال تثيره الحالة السودانية الراهنة، وهو إشكال أصبح مشتركاً على مستوى عدد من الأقطار العربية. ويتمثل في التناقض الذي ينشأ بين الحفاظ على وحدة القطر وما يتعرّض له من خطر التشظي والانقسام اللذين يدمرّان تلك الوحدة. فالسودان تقسّم إلى شمال وجنوب. وقد اتخذ الانقسام طابع الاعتراف بشرعيته داخلياً وعربياً ودولياً. والسودان معرّض الآن، كما لحظنا في ما يدور فيه من صراع، إلى انقسامات جديدة.

على أن هذا التناقض الناجم عن خطر التشظي والانقسام يتغطّى، أو يجد مسوّغاته، من خلال ما يمكن أن يوجَّه من نقد إلى النظام القائم، مثل ما يُنسَب إلى قيادة النظام أو إلى النظام نفسه من سياسات موصوفة بالاستبداد أو الفساد أو الاستئثار بالسلطة أو بارتكاب جرائم قد تُنسَب إلى الإبادة البشرية، أو حتى التبعية للخارج. ولهذا يذهب البعض إلى عدم اعتبار وحدة القطر ووحدة شعبه خطاً أحمر لا يحتمل أن يُسّوغ بأي من تلك التهم حتى لو اجتمعت كلها فيه بآن واحد.

أدّى تجزيء الأمّة العربية إلى كوارث. فقد لعب دوراً حاسماً، عملياً، إلى جوانب عوامل أخرى، في إقامة دولة الكيان الصهيوني وفي ما تعانيه الدول العربية من ضعف وشلل أو من تبعية أو استبداد أو فساد، وما نجم عن كل ذلك من تاريخ معاصر يوصَف من قِبَل الكثيرين بأقذع الأوصاف، ولم يُخفف منها ما عرفه من ومضات مشرقة تحرّرية واستقلالية ونهضوية وثورات شعبية.

إذا كانت التجزئة المذكورة المقترنة بالهيمنة الخارجية والتدخل الخارجي قد أدّت إلى ما أُشيرَ إليه من كوارث، فكيف سيؤول حال الأمّة العربية إذا ما سمح بما تتعرّض له وحدة عدد من الأقطار العربية من تشظٍ وانفصالٍ وانقسامات.

إنها النهاية الفاجعة التي لا يمكن أن تسوّغ بأخطاء النظام وارتكاباته أو بالنضال من أجل الحرية والكرامة أو الديمقراطية. لأن تمزيق وحدة القطر أشدّ هولاً وخطراً وكارثية من أيّ استبداد أو فساد وتبعية وارتكابات إجرامية، لأن الجراح الناجمة عن هذه السمات يمكن أن تلتئم وسوف تلتئم لا محالة، مهما طال زمن القهر والعذاب. ولكن جرح الانفصال يتجّه ليصبح دائماً وثابتاً على الزمن. ولم يُعالَج في التاريخ إلاّ عبر الحرب الضروس والتغلّب بالقوّة.

من هنا كانت الوحدة، ويجب أن تكون، خطاً أحمر لا يجوز الاختلاف حولها أو التساهل فيها أو تغليب أيّ مسوّغ آخر عليها يمكن أن يؤخذ على النظام.

عندما تعرّض السودان إلى خطر انفصال جنوبه عن شماله لم تتحقق وحدة وطنية داخلية لحماية وحدته، واكتفى الكثيرون بتحميل النظام ورئيسه والمعارضة مسؤولية ذلك. وحدث الأمر نفسه من قِبَل غالبية الأشقاء وتُرِكَ السودان يُواجِه مصيره بانفصالٍ نكد. وقد أثبتت التجربة أن كل ما قيلَ من إيجابيات ستنجم عن الانفصال أو من شماتة بالنظام، لم يكن في مكانه. فالانفصال أصبح مدعاة ودافعاً لمزيد من التشظي وتمزيق ما تبقى من وحدة.

وها نحن أولاء نعيد إنتاج المواقف نفسها، والعياذ بالله، ولم يتعظ المعنيون داخلياً وخارجياً من درس الانفصال الأول. فالمعارضة مكتفية بإلقاء المسؤولية على عاتق النظام ورئيسه، والنظام ورئيسه مكتفيان بإلقاء المسؤولية على المعارضة والمؤامرة الخارجية، والأشقاء مكتفون بإلقاء المسؤولية على عاتق الجميع. أما السودان ووحدته فإلى الكارثة ولا ساعة مندم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 75 / 2165502

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المراقب العام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165502 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010