الخميس 10 حزيران (يونيو) 2010

حروب البحار

الخميس 10 حزيران (يونيو) 2010 par د. حياة الحويك عطية

ليست هي المرة الاولى في التاريخ التي يحسم فيها البحر حروبا ونزاعات ، وليست هي المرة الاولى التي يتحول فيها البحر الى مدفن للامبراطوريات ، ومهد لغيرها . ولعل ابرز مثال في التاريخ هو نابوليون وبريطانيا ، ففي البحر انتهت امبراورية الاول ومن البحر ولدت امبراطورية الثانية . دون ان ننسى ماساة بيرل هاربر ، نقطة الوقف النهائية في الحرب العالمية الثانية .

واذا كان تاكيد ولادة الامبراطورية الاميركية الجديدة قد انطلق بدوره من الخليج العربي ، حيث استغرقت الام الولادة عقدين من الزمن ، فان ما يبرز الان الى الساحة هو البحر الابيض المتوسط .

هنا لا يخوض الاميركيون حربهم بطرية مباشرة ، بل يوكلون امرها الى دولة فرضت نفسها متوسطية هي دولة الكيان الاسرائيلي .

الحرب لم تبدا بماساة السفينة مرمرة ، ولا باعلان السيد حسن نصرالله في خطابه الاخير ، بان الحرب القادمة ستكون على الشواطىء . بل بدات منذ فترة طويلة على صعيدين متوازيين : العسكري والاقتصادي . ولعل اول من نبه الى بعدها الاقتصادي فيما يخص مصادر الطاقة هو الرئيس اللبناني السابق اميل لحود ، عندما تحدث – وهو خبير البحرية العسكرية – عن حركة السفن الاسرائيلية في حقول الغاز في البحر الابيض المتوسط . علما بان بعض الخبراء من غير المسؤولين السياسيين كانوا ينبهون منذ عقود طويلة الى اهمية الغاز المنتشر على امتداد المتوسط وخاصة قبالة الشواطىء الفلسطينية واللبنانية .

اليوم تخرج وسائل الاعلام «الاسرائيلية »نفسها للتحدث عن ثلاثة حقول هي : تمار وليفتان ودالت ، وصلت الشركات الاسرائيلية عبر عملية التنقيب فيها ، الى اكتشاف مخزون هائل قد يجعل هذا البحر المصدر الاساسي للغاز في العالم ، وسيحول اسرائيل من دولة مستوردة لهذه الطاقة المهمة الى احدى اكبر الدول المصدرة ، خاصة الى دول اوروبا المتوسطية . مما سيعني تحرير هذه الدول من حاجتها لروسيا ، مع ما يستتبعه ذلك على الصعيد السياسي .

التنقيب سيبدا في الربع الاخير من العام الحالي وستقوم به شركة اميركية – اسرائيلية هي «نوبل للطاقة» وقد اعلنت ان نتائج الترسيم الثلاثي الأبعاد تظهر أن حقل ليفتان هو الاكبر حيث يحتمل احتواؤه على 16 ترليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي مما يجعله اهم اكتشاف في العالم مجال الطاقة في العام 2009 في حين ان مخزون «تمار» هو بحدود 8,4 ترليون قدم مكعب.اضافة الى احواض اخرى بمخزون 765 مليار متر .

اما اختيار اسرائيل للتوقيت الحالي للاعلان عن النتائج، رغم انها تقوم باعمال التنقيب والدراسات منذ 18 عاما، ولن تقوم باستخراج الغاز الا في نهاية 2012 ، فانه اختيار لا ينفصل عن حادثة السفينة مرمرة ، حيث تتوجه هذه الحملة الاعلامية الى الداخل والخارج معا : ففي الداخل تعمل على اعادة اللحمة حول الحكومة الحالية ، والتغطية على الاحساس بالعزلة والخطا ، ورفع المعنويات ، وفي الخارج تضرب على وتر ميركانتيلية الدول الاوروبية بالدرجة الاولى ، وغيرها من دول العالم بالدرجة الثانية ، تلك التي لا تحركها الا المصالح وفي مقدمتها مصالح الطاقة ، التي باعت وتبيع لاجلها جميع القيم والقوانين الدولية .

وبصرف النظر عن هذا التكتيك الاسرائيلي ، فان اسئلة كثيرة يثيرها طرح هذا الموضوع على الطاولة ، منها ما يتعلق بامور دولية كبرى ، من مثل الملف النووي الايراني ، والاجماع الدولي على تشديد العقوبات ، خاصة وان هذا التشديد يتضمن بندا ينص على جواز تفتيش السفنالايرانية او المتجهة الى ايران ، في البحر . فهل سنرى غدا قوة اسرائيلية تتصدى لعملية التفتيش هذه ؟

من جهة ثانية ، يلقي وجود جزء كبير من هذه الحقول على الشواطى القبرصية ، الضوء على تفسير محدد لموقف قبرص المتشدد ازاء موضوع سفن الحرية . كما يعيد موضوع البحر هذا ، التساؤل حول مشروع ساركوزي للاتحاد لاجل المتوسط ، هو الرئيس المهتم بامتياز بموضوع الغاز .واخيرا يعاد ايضا طرح الاسئلة الكثيرة المتعلقة بكارثة الطائرة اللبنانية التي وقعت في البحر قبل اشهر ، وجعل من دم ركابها حجة لتمختر سفن اميركية في المياه الاقليمية اللبنانية لمدة اسابيع دون ان يعرف احد عما كانت تفتش .

فهل سيشهد المستقبل مزيدا من اختلاط مياه المتوسط بالدم ؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 65 / 2166031

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

28 من الزوار الآن

2166031 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010