الأحد 22 نيسان (أبريل) 2012

القدس وجدل الزيارة

الأحد 22 نيسان (أبريل) 2012 par أمجد عرار

من الغريب وغير المنطقي، بل من المضحك أن يصبح السقف الأعلى للعرب والمسلمين إزاء القدس المحتلة، احتدام الجدل حول صحّة أو شرعية زيارتهم تحت الاحتلال من خطئها وتحريمها. فهذا يعني أن أقصى ما تستطيعه أمّتان تشكّلان خمس العالم سكاناً، لإنقاذ أولى القبلتين وثالث الحرمين، هو غرق علمائهما وسياسييهما في الجدل والنقاش والفتاوى المنقسمة بين موقفين يؤيد أو يعارض، يحلّل أو يحرّم زيارة المدينة، وكأن واقعهما بحاجة إلى مزيد من عوامل ومظاهر الانقسام والفتنة.

معظم العرب والمسلمين يعتبرون زيارة القدس تحت الاحتلال خطأ وتطبيعاً مع محتليها بغض النظر عن حسن نوايا البعض واعتقادهم بأن الزيارة تعتبر دعماً للقدس وإنقاذاً لها من العزلة واستفراد الاحتلال بها. وإن كان هناك من يعمل على التطبيع ويسعى إليه لدوافع مشبوهة، لكن ليس كل من يدعو لزيارة المدينة أو يزورها خائناً أو متقصّداً التطبيع. مثلما أنه ليس كل من يمتنع عن زيارة القدس وطنياً وقومياً ومؤمناً.

القدس ليست بحاجة إلى من يزورها أسيرة، كما أنها لا يكفيها أن يمتنع العرب والمسلمون عن زيارتها وكأن هذا أقصى ما يستطيعونه تجاهها. الاحتلال ليس كلاماً لكي يواجه بالكلام، ولو كانت القدس محتلة في مسلسل أو فيلم أو عمل فني افتراضي، لكانت الفضائيات صلاح الدين الأيوبي، ولكان نصف خطبة عصماء كافياً لنقل الخطيب إلى باحة الأقصى لإكمال نصف القصيدة الباقي. القدس ليست مادة للمزايدة الإعلامية والسجال السياسي والديني. من الناحية السياسية والدينية والأخلاقية، لا شيء يرفع عن كل عربي ومسلم مقتدر واجب تحرير أرض العرب والمسلمين من الاحتلال. وإذا كان البعض يعتبر القدس شأناً فلسطينياً ويدفعه انكفاؤه القُطري لشطب القدس من برنامجه، حتى الكلامي والثقافي، فليعلن ذلك صراحة على الملأ ويحدّد على هذا الأساس موقعه من هذا الصراع.

القدس ليست بزّة يلبسها من يشاء لتنظيف سيرته وتسليك خطوط خفيّة أو تمرير مآرب أخرى باسمها. إنها تنتظر أن تسمع من ساسة الأمتين وقادتهما ومفتيهما مواقف تدفع باتجاه أفعال وخطوات وبرامج عملية تنقذ القدس مما تتعرّض له، وتقود إلى تحريرها وانتزاعها من براثن الاحتلال.

ليس مقبولاً أن يكون الجدل بشأن زيارة القدس مهرباً من استحقاق تحريرها أو تغطية على عجز بات مزمناً واستعيض عنه بالكلام الفارغ. فلا الداعي لزيارة القدس يملك أن يساعد أحداً يمنعه الاحتلال من دخولها، ولا رافض الزيارة يمنع برفضه مستوطناً من الاستيلاء على منزل فيها. لا يكاد يمر أسبوع، حتى لا نقول يوم، من دون أن تعلن سلطات الاحتلال عن مخطط استيطاني أو مخطط لهدم منزل أو حي في المدينة بدعوى شرائه من منظمات استيطانية. أما جدار النهب والفصل العنصري فهو جريمة بحد ذاته إذ يسرق الأرض ويقطّع أوصالها، وفي مقطعه المار في القدس يقسّم الأحياء ويفصل بين أبناء الأسرة الواحدة، وبين الفلسطيني ومصالحه وأملاكه. «إسرائيل» التي تحتل المدينة، وتهدم منازل أبنائها وتهجّرهم وتستورد مستوطنين من شتى بقاع الأرض، وتخطو كل دقيقة خطوة جديدة في طريق تهويدها والإجهاز على هويتها العربية والإسلامية، وفي ذروة التهويد يسعى الاحتلال للوصول إلى استكمال مخططه المسمى «عشرين عشرين» الذي يحوّل القدس إلى مدينة بلا عرب وعروبة، وبلا إسلام ومسلمين، وقد تصبح القدس من دون مسجد أقصى، وعندها ستنتفي الحاجة لفتاوى بشأن زيارة لا فائدة منها سوى السياحة وتعلّم اللغة العبرية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2177452

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2177452 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 27


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40