السبت 21 نيسان (أبريل) 2012

اللاجئون الفلسطينيون في سوريا : قلق الوجود وجحيم النزوح

السبت 21 نيسان (أبريل) 2012 par نضال بيطاري

في مؤتمرها الصحافي في السابع والعشرين من آذار اتهمت مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان اللاجئين الفلسطينيين في مخيم «الرمل» بالتورط في أعمال «تخريب» وحملتهم مسؤولية ما جرى حينها من مظاهرات في مدينة اللاذقية، هذا التصريح كان بداية إثارة القلق لدى الفلسطينيين في سوريا خشية أن يكونوا شماعة النظام ليعلق عليهم آثار اتساع الأزمة التي تبين لاحقاً أنها أكبر من أن تكون حركة فلسطينيي مخيمات لم يكن لهم في الأصل أي دور في تفجير الثورة السورية.

تجربة الشعب العربي الفلسطيني اللاجئ في المنافي ودول اللجوء، من الأردن إلى لبنان وصولاً إلى تبعات حرب الخليج واحتلال العراق، وما حل باللاجئين الفلسطينيين في كل تلك المراحل، تجعلهم قلقين حيال ما يجري اليوم في سوريا.

سوريا التي احتضنت الوجود الفلسطيني منذ النكبة وحصل فيها على صفة «بحكم المواطن» جعلت من حياة الفلسطينيين انعكاساً لكل ما يعيشه المواطن السوري على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويزيد من شدة تأثير هذه الظروف كون مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا هي مخيمات مختلطة إلى أبعد الحدود يعيش فيها الفلسطينيون إلى جانب أشقائهم السوريين بل وأكثر من ذلك فإن المخيمات لا حدود فاصلة بينها وبين المحيط، ما جعل شدة الاندماج بين الفلسطينيين والسوريين أكثر منها في باقي دول اللجوء، لذلك فقد كان من الطبيعي أن تعيش مخيمات اللاجئين الفلسطينيين على المستوى الشعبي ظروف المناطق المحيطة بها، وأن يتفاوت تأثير الأزمة السورية عليها وفقاً لتفاوت شدة هذه الأزمة على المناطق المحيطة في المخيمات ويتناسب معها.

فمع انطلاق شرارة الثورة السورية في درعا، أوائل مارس ـ آذار 2011، سقط الشهيد الفلسطيني وسام أمير الغول في مخيم «درعا» في الثالث والعشرين من الشهر نفسه أثناء محاولته إسعاف الجرحى، ولعب المخيم حينها دوراً إغاثيا إنسانياً لنجدة المناطق المجاورة له، ونزح إلى الأردن ما يقارب مئات الفلسطينيين من حملة الوثيقة السورية ضمن من نزح من السوريين في درعا، لكن ظروف استضافة الفلسطينيين تختلف عن أشقائهم السوريين، إذ يقبع النازحون الفلسطينيون في مخيم «البشابشة»، تحت حراسة أمنية مشددة.

ولم يكن مخيم العائدين للاجئين الفلسطينيين في مدينة حمص بمنأى عما يجري في الحي المجاور له حي باب عمرو، فكان له نصيب مما نال باب عمرو والخالدية وحي العدوية التي شهدت مقتل رجال عائلتي زهرة والحسن الفلسطينيتين فسقط ثمانية شهداء من اللاجئين الفلسطينيين ضمن أربعة وسبعين شهيداً هم ضحايا المجزرة، ونزح من مخيم حمص عشرات العائلات إلى مدن سورية أخرى أكثر أمناً، وتوجه معظمهم إلى مخيم اليرموك في مدينة دمشق وهو أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا والذي يقطنه حوالي مائة وعشرين ألف لاجئ فلسطيني وقرابة خمسمائة ألف مواطن سوري، علماً أن هذا المخيم شهد ولا يزال توترات عديدة مع بداية الثورة، فقد شهد حادثة اغتيال العقيد الركن عبد الناصر مقاري أحد ضباط جيش التحرير الفلسطيني، واغتيال العميد الركن رضا الخضرا في اليوم ذاته، كما شهد انفجار عبوة ناسفة في سيارة مفخخة على شارع الثلاثين.

الفصائل الفلسطينية وبحكم الانقسام الموجود بين حركتي «فتح» و«حماس»، تعمق انقسامها أكثر فأكثر خلال الأزمة في سوريا، إلى الدرجة التي جعلت من الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة تتولى شؤون الأمن السوري بالوكالة داخل المخيمات، فترسل مسلحيها ليفضوا المظاهرات شبه اليومية التي بدأت تنطلق منذ اقتحام الجيش السوري لمخيم «الرمل الجنوبي» في اللاذقية أواسط آب أغسطس العام الفائت، وكان المخيم قد شهد إطلاق نار من قبل مسلحي الجبهة الشعبية القيادة العامة على المتظاهرين السلميين الذين توجهوا إلى مركز الخالصة في السادس من حزيران يونيو من العام نفسه ليعبروا عن رفضهم لأن يكون الفلسطينيون أداة لإخماد الثورة السورية، فسقط قتلى وجرحى، وخرج أمين عام الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة اليوم التالي على شاشات التلفزة ليتحدث بلسان ومفاهيم النظام السوري معتبراً أن مندسين ومخربين و«دحلانيين» مأجورين قاموا بالهجوم على «مبنى الخالصة» التابع للقيادة العامة والذي يقع في مخيم اليرموك، ومنذ ذلك التاريخ لم تتوقف عملية ملاحقة وخطف واعتقال الناشطين الفلسطينيين في المخيمات.

منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، لم يصدر عنها سوى بيان خجول وحيد إثر اجتياح مخيم الرمل، ولاحقاً خرج الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس ليجيب عن سؤال الصحافية التي سألته هل تخشى على الفلسطينيين في سوريا فأجابها «نحن لا نتدخل في ما يجري في سوريا ونقف على الحياد وأفهمناهم بأنهم ضيوف».

ولكن حديث رئيس منظمة التحرير لا يتناسب مع ما تشهده المخيمات، حيث سبق وحذر ناشطون فلسطينيون أكثر من مرة وعبر وسائل الإعلام من مغبة استخدام الورقة الفلسطينية في الأزمة السورية، كما نبهوا أكثر من مرة من استمرار حملات المداهمة والاعتقال التي تشهدها المخيمات، والتي خلفت حتى بحسب ناشطين فلسطينيين قرابة سبعين شهيداً وأكثر من مائة وعشرين معتقلاً، ولا تزال حملات الاعتقال داخل المخيمات تسير دون توقف.

ان الظروف الحياتية الفلسطينية ما هي إلا انعكاس لما يعيشه المجتمع السوري، وبالتالي فإن المخيمات معرضة لكل ما يحدث خارجها ابتداء من التظاهر وصولاً إلى العنف المسلح، وفي غياب «منظمة التحرير الفلسطينية» ونأيها عن لعب دورها كممثل للشعب الفلسطيني، يخشى من أن تؤول الأمور في المخيمات إلى فوضى لا يمكن التحكم بمسارها لاحقاً، أو ان تتحول المخيمات إلى ساحة لحرب أهلية بين الفصائل المؤيدة للنظام وبين المعارضين له أفراداً أو فصائل.

إذا كان المستوى السياسي على هذه الدرجة من التعقيد فإن الاهتمام بالمستوى الانساني الذي يعمل على تخفيف حجم الخسائر بكافة أبعادها لا يجب أن يحمل على التعقيدات السياسـية وأن يراعي الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق اللاجئين، والذي يتطلب تواصلاً مع الهيئات الدولية ذات الصلة وعلى رأسها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين UNHCR والوكالة الدولية لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين UNRWA، كما يتطلب تدخل جامعة الدول العربية بشكل حقيقي مع الدول المضيفة لتسهيل وتحسين ظروف استضافة اللاجئين الفلسطينيين وهو أمر يقع رسمياً وديبلوماسياً على عاتق منظمة التحرير الفلسطينية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 35 / 2178966

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

34 من الزوار الآن

2178966 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 36


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40