السبت 21 نيسان (أبريل) 2012

«إسرائيل» والسلام في السودان

السبت 21 نيسان (أبريل) 2012 par أمجد عرار

قبل ظهور وسائل الإعلام الحديثة بأنواعها المختلفة، كان هناك الحكواتي للتسلية وإشغال الوقت بالقصص الطويلة الشائقة. ومثل الديباجات المكررة التي يستخدمها بعض الإعلاميين اليوم، درجت عادة الحكواتي على استخدام الكثير من العبارات المكرّرة في مواقعها، لشد انتباه السامعين وقتل الرتابة والملل، وإيقاظ من استبد به السهو والنعاس.

ما نشهده في أيامنا الراهنة من وقائع، تلزمه استعارة بعضٍ من لغة الحكواتي في إخراج مسبق لما قد يقال على لسان حكواتي المستقبل، كأن نقول: قال الراوي يا سادة يا كرام إن «إسرائيل» والأمم المتحدة تبحثان إمكان إرسال قوة شرطية «إسرائيلية» لحفظ الأمن في جنوب السودان. الراوي هنا جريدة «يديعوت أحرونوت» الصهيونية التي تتباهى بأن الموضوع جاء بناء على طلب توجهت به الأمم المتحدة.

من المؤكد أن الطلب المشار إليه، إن وقع، صدر عن مسؤول ما في المنظّمة الدولية التي لم تناقش هذا الموضوع من خلال هيئاتها المعروفة. وما لم يصدر نفي عن الأمم المتحدة، يكون ما أورده الراوي «الإسرائيلي» صحيحاً، وهو ليس مستبعداً على أية حال، فبعض مسؤولي المنظّمات الدولية مجنّدون لمهمّة الترويج لـ «إسرائيل» كعضو ليس كامل العضوية فحسب، وإنما كعضو ذي امتيازات، في المجتمع الدولي.

«إسرائيل» أم «الذراع الطويلة»، وضعت تلك الذراع في جنوب السودان قبل انفصاله وتحوّله إلى دولة في مؤامرة متعددة الأطراف، وفي ظل غياب الوعي العربي وبؤس نظامه الرسمي وانهيار الأسس التي اعتدناها في التمييز بين العدو والصديق والمؤامرة والعمل السياسي. حتى أولئك الذين يتنافخون شرفاً عند كل شاردة وواردة، تركوا السودان لمصيره التقسيمي الذي لن يقف عند انفصال الجنوب.

عودة التوتّر إلى مستويات الحرب بين الشمال والجنوب ليس وليد قصف من الشمال واحتلال من الجنوب لمنطقة نفطية، إنما قبل ذلك وفي ترتيبات الانفصال، حيث اعتاد المستعمرون إبقاء صاعق حدودي تفجيري لاستخدامه عند اللزوم.

احتلال قوات جنوب السودان منطقة هجليج التي يقع فيها حقل رئيس لإنتاج النفط السوداني، وتصريحات قادة دولة الانفصال عن عدم الانسحاب، وتهديدات عمر البشير بأن شعب السودان سيعاقب حكومة الجنوب، كل ذلك يعني أن الانفصال ليس حلاً للمشكلات الداخلية في أية دولة، بل هو خلق للمشكلات بنوايا استعمارية خبيثة. ولهذا لم يكن ما سمي اتفاق سلام تم التوصل إليه عام 2005 مؤهلاً ولا مصمماً لإنهاء الحرب الأهلية في السودان، وإن حمل هذا العنوان المضلل.

غبي من يصدّق أن المجتمع الدولي بتركيبته الحالية يضمر سلماً أو استقراراً أو ديمقراطية لشعوب الأرض، وبخاصة شعوبنا العربية. حتى لو اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن سيطرة قوات جنوب السودان على منطقة هجليج غير شرعية، فإن الضغوط الدولية ستتواصل على السودان بموازاة الدسائس «الإسرائيلية» لمزيد من التقسيم والتفتيت. ولا شك في أن إدراج اسم «إسرائيل» للمشاركة في قوات «حفظ سلام»، علاوة على كونه نكتة، يندرج في سياق التغطية على دورها الفاعل قبل الانفصال وبعده.

لكن ماذا يعني أن تصدر مواقف عن قيادات سودانية تاريخية تقول إن هجليج لا تقع في حدود السودان وأن منطقة أبيي جنوبية؟ البعض يرى ذلك مناكفة من جانب معارضة يجب أن تعارض السلطة في كل شيء، بما في ذلك احتلال أجزاء من البلد أو البلد كله. إذا كان تأييد الاحتلال موقفاً، والارتماء بحضن المستعمرين وجهة نظر، يبقى أن نبحث عما تبقى من تعريف للخيانة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2165415

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165415 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010