الجمعة 20 نيسان (أبريل) 2012

حرب بالوكالة

الجمعة 20 نيسان (أبريل) 2012 par عوني صادق

بإقدامه على احتلال منطقة هجليج النفطية، المتفق دولياً على أنها جزء من السودان، أظهر رئيس جمهورية جنوب السودان، سلفا كير ميارديت، أنه إما متهور قصير النظر، وإما أنه مدفوع من جهات خارجية لا تهمها لا مصلحة جنوب السودان ولا سكانه.

أشهر قليلة فقط مرت على انفصال جنوب السودان وإعلانه دولة مستقلة حتى تصبح وجارتها على أبواب حرب شاملة ومدمرة جديدة. وإذا شئنا الدقة، فإن مؤشرات هذه الحرب كانت تدق الأبواب قبل ذلك الإعلان، واستمرت بعده. وقد بدأت الصدامات بين الطرفين في جنوب كردفان، حيث توجد منطقة هجليج، منذ يونيو/حزيران 2011، أي قبل إعلان استقلال الجنوب، ثم استمرت بعد ذلك. وهناك من يقول، إن فشل الجنوبيين في تلك الصدامات هو الذي دفعهم إلى الإقدام على الخطوة المتهورة الأخيرة. والغريب أن حكومة جنوب السودان أقدمت على هذه الخطوة العدوانية في وقت كانت مفاوضات أديس أبابا جارية، بوساطة الاتحاد الإفريقي، وكانت الدولتان، قبل شهرين، قد وقعتا «اتفاق عدم اعتداء»، واتفقتا فيه على «مواصلة الحوار على ما بقي من قضايا عالقة بين الطرفين». ألا يدل هذا على أن حكومة جنوب السودان لم تكن تنوي أن تحترم ما وقعت عليه، وأنها، كما أظهرت الأحداث، كانت تفكر في أمور أخرى؟

لقد كان المفروض أن تضع «اتفاقية نيفاشا 2005»، أو ما أطلق عليها «اتفاقية السلام الشامل»، نهاية ليس فقط للحرب التي كانت دائرة بين الحكومة السودانية و«الحركة الشعبية لتحرير السودان»، بل وأيضا لكل أسباب تلك الحرب والتوترات بين الدولتين التي أصبحتا جارتين منذ تموز 2011 بعد الاستفتاء. لكن بقاء «الحركة الشعبية لتحرير السودان - فرع الشمال» حركة فاعلة في الشمال، ومن ثم إقدامها، بدفع من جوبا، على تشكيل ما سمي «الحركة الثورية» بالتحالف مع حركات التمرد في دارفور وجنوب كردفان، والتي أعلنت أن هدفها إسقاط النظام في الخرطوم، أظهر، أولاً، أن حكام الجنوب لم تكن لديهم النية لتحقيق «السلام» الذي أوهمت الناس به «اتفاقية نيفاشا»، وثانياً، أنها تخطط للحصول على ما هو أكثر مما حصلت عليه، وثالثاً، أن عليها «مهمة ما» أبعد من ذلك تتعلق بإسقاط النظام في الخرطوم لحساب جهات يهمهما تفتيت السودان. والحقيقة أن أصل ما جرى، وما يجري حتى الآن، يعود إلى «أوجه القصور» في هذه الاتفاقية التي لم تضع أسساً صحيحة لإنهاء أسباب الخلاف والتوتر (لأنه لم يكن هذا هدفها) بل أبقت كل القضايا الخلافية معلقة وقابلة للانفجار في أية لحظة.

وقد قامت «اتفاقية نيفاشا» على «جوهر واضح»، لكنه «عام»، هو «تقسيم السلطة والثروة»، دون تحديد السبل والآليات إلى ذلك، فكان كل الذي تحقق تقسيم السودان (أي تقسيم السلطة)، بينما ظلت قضايا تقسيم الثروة (بالرغم من حصول الجنوب على ثلاثة أرباع الثروة النفطية)، وترسيم الحدود من دون حل. وليس من الخطأ أن نقول إن الولايات المتحدة التي رعت «الاتفاقية» ووقفت وراء ما تم تنفيذه منها، لم تكن تفكر في إنهاء الصراع أو وقف الحرب، أو إحلال السلام في السودان، بل كانت ترعى وتدفع لتنفيذ مخطط تقسيم السودان بهدف تفتيته. لذلك زرعت المتفجرات على طول الطريق، بعد أن ضمنت التقسيم. وبطبيعة الحال، فإن نظام الخرطوم يتحمل، ربما، الجزء الأكبر من المسؤولية عمّا حصل لأنه- كما اعتقد بسبب الخوف وقصر النظر - كان يظن أنه بذلك يشتري نفسه، ولم يكن يهمه أكثر من المحافظة على بقائه. ولا شك أن النتيجة التي حصل عليها نظام الخرطوم من «اتفاقية نيفاشا»، باتت واضحة ومتمثلة في: خسارته للجنوب، وخسارته لثلاثة أرباع ثروته، وأخيراً خسارته للسلام، ووصوله إلى وضع لا يجد فيه طريقاً إلى إنهاء مشكلاته التي تفاقمت بشكل ملحوظ. وبالنسبة إلى القضايا العالقة، اتضح من آخر تصريحات القادة الجنوبيين أنهم يعدون هيجليج لهم، وكذلك أبيي، وهم طول الوقت يحرضون المتمردين في دارفور على الانفصال، وربما أيضاً في شرق السودان. والخطوة الأخيرة التي أقدموا عليها جاءت لتخنق السودان اقتصادياً، لإضعافه سياسياً وداخلياً، ربما للتفاوض معه على أبيي من موقع القوة، والباب مفتوح على مزيد من الضغوط، ومزيد من الضعف.

وعلى الرغم من الموقف الدولي الذي دان الخطوة الجنوبية، بدءاً من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والاتحاد الإفريقي، وانتهاء بمجلس الأمن، وكلهم طالبوا بالانسحاب من هيجليج من دون شروط، فإن حكومة جنوب السودان وضعت «لائحة شروط» حتى تنسحب من هجليج، أعلنها وزير الإعلام برنابا ماريال، وفي مقدمتها: انسحاب القوات السودانية من أبيي، ووقف السودان «كل اعتداءاته البرية والجوية فوراً»، إلى جانب «نشر مراقبين دوليين» على طول منطقة حدودية منزوعة السلاح، إلى أن يتم الاتفاق على ترسيم الحدود المشتركة بين البلدين بموجب تحكيم دولي» (الصحف- 13/4/2012). ولكن في ضوء الإدانات الدولية، جددت حكومة جنوب السودان قولها إنها مستعدة للانسحاب من هيجليج «إذا التزمت الأمم المتحدة «بنشر قوات محايدة في المنطقة إلى حين التوصل إلى تسوية بين الطرفين» (الصحف- 14/4/2012).

وإذا كانت خطوة جنوب السودان الأخيرة خطوة غبية ومتهورة، بالإجماع الدولي وبما في ذلك حلفاؤها وأصدقاؤها، لا يبقى إلا أنها كانت «حرباً بالوكالة» بأجندة خارجية. وهنا لا يخطر على البال غير «إسرائيل»، أو الولايات المتحدة (على الرغم مما أظهرته الأخيرة من رفض لها).



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 8 / 2166088

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2166088 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010