الجمعة 20 نيسان (أبريل) 2012

غزو هجليج مقدمة لحرب شاملة أم لتحسين أوراق التفاوض؟

الجمعة 20 نيسان (أبريل) 2012

توغلت قوات جنوب السودان، أكثر من 40 ميلاً في أراضي السودان المعترف بها دولياً، واستولت على حقل نفط هجليج، الذي يسهم بنحو 55% من إنتاج السودان اليومي من النفط.

جنوب السودان، الوليد الذي يعاني وضعاً اقتصادياً بائساً، (وخصوصاً بعدما أوقف تصدير النفط)، يغزو دولة مجاورة .. أمر غريب، ولكن الغرابة تتبدد، عندما نتذكر أنه جعل «إسرائيل» قبلته الأولى، منذ انسلاخه عن السودان.

اعتبرت صحيفة «ديلي تلغراف» (12-4-2012) الغزو تصرفاً طائشاً، ولا ينم عن التحلي بروح المسؤولية، وقالت ضمن افتتاحية لها: «قد لا يسترعي اندلاع قتال في سهول وسط إفريقيا النائية الانتباه الدولي . ولكن قرار جنوب السودان الأرعن، بغزو جارتها والاستيلاء على حقول نفط حيوية، يُنذر ببدء حرب جديدة ذات عواقب قد تمتدّ إلى ما هو أبعد بكثير من حدودها».

وتمضي الصحيفة قائلة: في العام الماضي، انفصلت هذه الدولة الشاسعة عن السودان بعد 56 سنة من صراع على الاستقلال، أودى بحياة مليوني شخص على الأقل. وكان ينبغي للتكلفة البشرية الهائلة التي دفعها جنوب السودان في صراعه من أجل التحرر من نظام الخرطوم، أن تجعل زعيم البلاد ينفر نفوراً عميقاً من الشروع في حرب أخرى. ولكن سلفا كير، بدلاً من ذلك، اتخذ أشدّ الخطوات إثارة للفتنة، إذ أرسل جنوده ليتوغلوا مسافة 40 ميلاً داخل أراضي جارته، للاستيلاء على حقل النفط في هجليج، الذي يسهم بنحو 55% من إنتاج السودان اليومي من النفط الخام.

وتضيف الصحيفة، إنه ليس أمام الخرطوم الآن من خيارات سوى التصدّي للهجوم، مثلما لا بدّ أن يكون سلفا كير قد توقع. فقد مَنح برعونته وعجزه عن التحلي بالمسؤولية، الرئيس السوداني، عمر البشير، فرصة الظهور بمظهر الطرف المتضرّر.

وتقول الصحيفة، إن الحدود بين جنوب السودان وجارتها، لم تكن موضع اتفاق في يوم من الأيام، وكذلك الأمر بالنسبة إلى أي تقسيم لحقول النفط على نحوٍ قابلٍ للتطبيق. ولعل سلفا كير، يريد - بدلاً من الشروع في حرب جديدة - استخدام حقل نفط هجليج، ورقة للمساومة لانتزاع تنازلات من الخرطوم على مائدة المفاوضات. ولكن هذه لعبة مثيرة للسخرية، وبعيدة عن التحلي بروح المسؤولية. فقد شرّد القتال حتى الآن نحو 100 ألف شخص. ولا ريب في أن انتقام السودان سوف يسبب المزيد من المعاناة. وإذا أساء سلفا كير الحسابات، واندلع صراع آخر، فسوف يكون جديراً بالإدانة من شعبه، ومن العالم.

وفي صحيفة «ديلي تلغراف» أيضاً، (12-4-2012) كتب مايك فلانز: عندما كان السودان دولة واحدة، خاض الشمال المسلم والجنوب الإفريقي الأسود أطول حرب في القارة وأشدها دموية، انتهت سنة 2005 بتسوية سمحت للجنوب بالانفصال.

ولكن الدولتين الجارتين لم تتفقا على الحدود التي يبلغ طولها 1200 ميل، كما لم تتفقا على اقتسام حقول النفط التي تقع بصورة رئيسة في المناطق الحدودية المتنازع عليها. ويقول الكاتب، إن ثمة مخاوف شديدة من أن يكون القتال الذي اندلع هذا الأسبوع نذيراً ببداية صراع جديد.

وينقل الكاتب عن جون آشوورث، المحلل الاقليمي المقيم في العاصمة الكينية، نيروبي، قوله، «كان الاستيلاء على هجليج، المرة الأولى التي تطأ فيها قوات الجنوب أرضاً سودانية، وذلك تصعيد كبير .. أمّا قيام الخرطوم بعد ذلك، بقصف بنتيو، التي لا تقع بالقرب من الحدود، فهو تصعيد كبير أيضاً. وليس بوسع أحد أن يجزم مئة في المئة، في ما إذا كان ذلك عودة إلى الحرب الشاملة، أم أنه نوع من سياسة دفع الأمور إلى حافة الهاوية، لفرض وضع تفاوضي أفضل عندما تهدأ الأمور مرة أخرى».

ويقول الكاتب، إن بريطانيا وأمريكا قد تعاطفتا مع الجنوب أثناء الحرب الأهلية الطويلة، وسارعتا إلى الاعتراف باستقلال الجنوب. ولكن الدولتين، كانت صريحتين بصورة غير مألوفة، في إدانة توغل جنوب السودان في أراضي جارتها، والاستيلاء على هجليج.

فقد وصف المسؤول عن شؤون إفريقيا في وزارة الخارجية البريطانية، هنري بيلنغهام الغزو بأنه «مرفوض تماماً»، وحثّ «الطرفين على ترسيخ وقف إطلاق النار، وأن يسحب كل منهما قواته من أراضي الآخر». وأضاف قائلاً: «لا ينبغي لأي من الحكومتين أن تتوقع الحصول على دعم أو تفهّم من المجتمع الدولي، إذا قادتا بلديهما عمداً في هذا السبيل».

ولكن سلفا كير، رئيس جنوب السودان، تحدّى الضغط الدولي يوم الخميس، 12-4، قائلاً إنه لن يأمر قواته بالخروج من هجليج أو المنطقة المحيطة بها، التي يدعي أنها أراضٍ جنوبية.

ولكن الاتحاد الإفريقي، يكذب هذا الادعاء، فقد وصف مجلس السلام والأمن التابع للاتحاد الإفريقي - كما ورد في تحليل منشور في موقع «إيرين» (13-4-2012) قيام جنوب السودان باحتلال هجليج، بأنه غير شرعي، وقال إن هذه المنطقة تقع شمال حدود 1956 التي اتفقت جوبا والخرطوم - ضمن اتفاقية سنة 2005 التي أنهت عقوداً من الحرب الأهلية - على أنها ستكون حدّهما المشترك لو انفصل الجنوب في نهاية الأمر، وهو ما حصل فعلاً في يوليو/تموز 2011.

وفي معرض الإشارة إلى أهمية هجليج، يربط التحليل المذكور، بين التصعيد الأخير وبين قضايا رئيسة تظل غير محلولة منذ توقيع اتفاقية السلام الشامل: ومنها ترسيم الحدود، وتقاسم عائدات النفط، والمناطق الثلاث (أبيي، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق).

ويقول الكاتب، إن الاشتباكات الأخيرة تهدد أيضاً اتفاقية مهمة وقعتها جوبا والخرطوم في مارس/ آذار 2012 من شأنها أن تيسّر بقاء مئات الألوف من الجنوبيين في السودان. ومن دون ذلك الاتفاق، كان يُفترَض بهم القيام بتسوية أوضاعهم - الأمر الذي يُعتبَر مستحيلاً من الناحية اللوجستية - أو مغادرة السودان بحلول 8 إبريل/ نيسان. وجنوب السودان غير مؤهل لإسكان مثل ذلك الفيض المفاجئ والضخم من الناس، وخصوصاً، بسبب موسم الأمطار، الذي يجعل معظم الطرق غير صالح للسير.

وينقل الكاتب عن الخبير في شؤون السودان، جون آشوورث، قوله: «لا أريد القول إن اتفاقية السلام الشامل كانت ناقصة، لأنها كانت أفضل اتفاقية يمكن التوصل اليها في ذلك الوقت، ولكننا نجني الآن ثمار المجالات التي لم تغطّها تلك الاتفاقية بصورة تامة».

وكما يقول المؤرخ والخبير في شؤون أبيي، دوغلاس جونسون، لم يفكر أي من الأطراف المشاركة باتفافية السلام الشامل، في ما سيحدث للمناطق الثلاث في حال الانفصال، لأنهم «ركزوا اهتمامهم التام أساساً على محاولة إظهار الوحدة بمظهر جذاب». وعندما طُرح موضوع الاستقلال، «كان همّهم الوحيد ضمان سلمية ذلك الاستقلال».

ويقول موكيش كابيلا، الذي عمل منسقاً إنسانياً تابعاً للأمم المتحدة في السودان عامي 2003 و2004، ويعمل حالياً لدى إحدى المنظمات غير الحكومية، «إن اتفاقية السلام الشامل، تجنبت الخوض في الشكاوى المشروعة للشعوب المهمشة بصورة مزمنة في النوبة، وأبيي، والنيل الأزرق ودارفور. وما لم تُبذل محاولة مخلصة لحلّ ذلك بطريقة نزيهة وعادلة، سوف يستمر الصراع العنيف بالاندلاع هنا وهناك. فقضايا المواطنة، والنفط، وترسيم الحدود قد تعقّد الصورة، ولكنها تجسّد هموم معظم المظلومين في المناطق الحدودية السودانية، التي يجب معالجتها أولاً، إن كان للسلام والاستقرار أن يَحُلاّ في الدولتين».

والآن، وبعد احتلال قوات الجنوب منطقة هجليج، يخيّم شبح الحرب على البلدين .. ولكن الظروف الاقتصادية السيئة لكليهما، تجعل من غير المتوقع أن تدوم تلك الحرب طويلاً .. كما يقول مايك فلانز في «الديلي تلغراف». ففي يناير/ كانون الثاني، أوقف جنوب السودان تصدير نفطه بعد اتهام الخرطوم بفرض رسوم عبور مجحفة. وبذلك، حرمت حكومة كير نفسها من نحو 98% من عائدات نفطها.

ويقول الكاتب، إن ذلك يجعل من المستحيل تقريباً، على جنوب السودان وعلى الخرطوم، أن يتحمّلا عبء شن حملات عسكرية لفترة طويلة. وفي رأي أحد الخبراء، «يتعذر على كلا الجانبين تماماً»، أن يتمكنا من «القتال أكثر من بضعة أسابيع».

ولكن المصادمات الأخيرة سببت فرار نحو 100 ألف شخص من منازلهم. كما أن السودان لا يستطيع تحمل خسارة حقل نفط هجليج، ما يجعل الرّدّ لا مناص منه.

[rouge]-[/rouge] [bleu]المصدر : صحيفة «الخليج» الإماراتية | إعداد : عمر عدس.[/bleu]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 5 / 2166103

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2166103 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010