الجمعة 20 نيسان (أبريل) 2012

«إسرائيل» عضو دائم في مجلس الأمن

الجمعة 20 نيسان (أبريل) 2012 par د. سمير كرم

لو سئل مئة شخص في أي مكان في العالم، بعد اختيارهم عشوائياً، عن الدول التي تتمتع بعضوية دائمة في مجلس الأمن الدولي لأجاب تسعون منهم على الأقل هذه الدول هي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين. وأغلب الظن أن الإجابة ستعتبر صحيحة.

خطأ. وهو خطأ شائع يقع فيه الجميع، لأن الجميع يعرف أن هذا ما ينص عليه ميثاق الأمم المتحدة، ولكنه يتوقف عن متابعة الممارسات الحقيقية لدول مجلس الأمن الدائمة بل ومجلس الأمن نفسه ليعرف ان «إسرائيل» تصوت باسم الولايات المتحدة في كل مرة يتم التصويت فيها على مشروع قرار يمس «إسرائيل» او سياساتها.

خطأ. وخطأ شائع على الرغم من ان الجميع يعرف ان الولايات المتحدة تصحب «إسرائيل» معها أينما ذهبت وحيثما كان احتمال لمناقشة السياسات الأميركية المتعلقة بـ «إسرائيل» او مناقشة سياسات «إسرائيل» نفسها المتعلقة بالآخرين، فلسطينيين كانوا او لبنانيين او سوريين او مصريين... او كانوا إيرانيين. وهذا ما حدث على وجه التحديد في المحادثات التي جرت في اسطنبول التركية. لقد جرت هذه المحادثات بين طرفين: طرف هو إيران وحدها، وطرف آخر ضم كل دول مجلس الأمن الدائمة مضافاً إليها ألمانيا. من وجهة نظر «حيادية» بين هذين الطرفين فإن المحادثات جرت بشأن ما أصبح يعرف دولياً باسم «الملف النووي الإيراني». وهدفت المحادثات الى الحصول على ما يطمئن المجتمع الدولي الى ان إيران لا تعمل من اجل اكتساب السلاح النووي. اما من وجهة نظر «غير حيادية» تمثلها في هذه المحادثات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، فإن المحادثات هدفت الى الحصول على تعهدات وأوضاع جديدة من جانب إيران تعطي ضمانات بأن إيران لا تنوي وضع نهاية بالسلاح النووي لوجود «إسرائيل».

بطبيعة الحال كانت «إسرائيل» مشتركة في المحادثات من خلال اشتراك الولايات المتحدة، وبصفة عضو دائم في مجلس الأمن. وهنا لا يكفي أن نقول إن الولايات المتحدة كانت تمثل نفسها وتمثل «إسرائيل» في الوقت نفسه في هذه المحادثات - وهو أمر ينطبق في أحيان كـثيرة على بريطانيا وفرنسا وألمانيا أيضاً - غير ان التلقائية التي يعنيها تمثيل الولايات المتحدة لـ «إسرائيل»، تتجاوز كثيراً الجانب الشكلي او التشبيهي. ولقد وصفت هذه المحادثات في اسطنبول بأنها نجـحت، لأن إيران والدول الغربية توصلت فيها الى أرضية مشتركة كانت كافية للتوصل الى اتفاق على الاجتماع مرة أخرى في العاصمة العراقية بغداد في 23 أيار/مايو القادم.

وتأكيداً لهذا الحد من التفاهم قال احمد داوود أوغلو، وزير خارجية تركيا - الدولة المضيفة - إن نجاح المفاوضات النووية بين إيران ومجموعة الدول الأعضاء الدائمة في مجلس الأمن بالإضافة الى ألمانيا (التي أسميت للاختصار مجموعة 5+1)، من شأنه أن يسهم في تحقيق السلام والأمن الدوليين.

بل ان مسؤولين ودبلوماسيين أميركيين وأوروبيين رحبوا بما اعتبروه رغبة الإيرانيين في مفاوضات اسطنبول في مناقشة طبيعة الأنشطة النووية لبلادهم. وقالوا - بلسان مسؤول أميركي رفيع المستوى - «إن الأجواء التي جرت فيها مفاوضات اسطنبول كانت إيجابية وجيدة بما يكفي للاتفاق على جولة ثانية، اذ لا نزال نمارس ضغوطاً لأنه ينبغي تحقيق تقدم ملموس».

كان من الواضح ان الجانب «الإسرائيلي» يفرض نفسه على المسؤول الأميركي، فكان هذا التأكيد بأن الضغوط لا تزال تمارس. فلم يكن الجانب الأميركي ليمتلك حرية التعبير عن الرضى بنتائج المفاوضات وتوقع جولة ثانية ناجحة في بغداد بعد شهر من الآن. ولم يلبث الجانب «الإسرائيلي» ان تحدث مباشرة، وليس من صدر المسؤول الأميركي، حيث أكد بنيامين نتنياهو رئيس وزراء «إسرائيل» رفضه لمحادثات اسطنبول ومحادثات بغداد التي لم تعقد بعد، والتي وصفها بأنها «ستزيد الأمور تعقيداً... فإن مسألة استكمال المحادثات في الشهر القادم ستمنح إيران هدية، لأنها ستمكنها من مواصلة تخصيب اليورانيوم خلال خمسة أشهر قادمة من دون قيد او عائق».

«إسرائيل» إذن لا تريد لهذه المحادثات بشقيها أن تنجح، وتريد ان تأخذ تصريحات ممثلها المسؤول الأميركي، خطوة الى الوراء، حتى قبل ان تبدأ الجولة الثانية منها في بغداد. ولهذا فإن السؤال الذي يفرض نفسه من الآن: لماذا تتحدث «إسرائيل» بلسان رئيس وزرائها وكأنها طرف في المحادثات؟ والجواب البسيط والسريع هو ان الولايات المتحدة تمثل «إسرائيل» في المحادثات وتوجهها «إسرائيل» في الوجهة التي تريدها، بصرف النظر عما يمكن أن يكون عليه الموقف الأميركي على حدة.

ولا يمكن أن تكتمل الصورة من دون معرفة رد الفعل الإيراني. ولقد اوضح كبير المفاوضين الإيرانيين سعيد جليلي ان المفاوضات «أحرزت تقدماً على الرغم من وجود خلافات في الآراء، ولكن النقاط التي تم الاتفاق عليها كانت مهمة». وقد لاحظ مراسلو وكالات الأنباء والصحف والأجهزة الإعلامية، الذين تحدث إليهم جليلي، وجود خريطة لمنطقة «الشرق الأوسط» على الجدار خلفه كتبت عليها عبارة «الطاقة النووية للجميع، الأسلحة النووية ليست لأحد». ولم يكن غريباً أن يفسر بعض المراسلين العبارة بأنها تعني في شقها الأول إيران وتقصد في شقها الثاني «إسرائيل» (...)

والحقيقة أن هذه العبارة التي لا بد ان الأتراك وضعوها عن عمد في هذا الموقع الذي يمر به كافة المشاركين في مفاوضات اسطنبول، تلخص ما كانت تجري المفاوضات بشأنه. فإن الطرف الإيراني إنما يريد، كما أعرب قادته ومسؤولوه مراراً وتكراراً خلال السنوات الأخيرة ثم امام مفاوضات اسطنبول، ان تمتلك إيران الطاقة النووية لا ان تمتلك السلاح النووي. وترى أيضاً انه ليس من المقبول ان تمتلك «إسرائيل» السلاح النووي بينما تحرم إيران من امتلاك البرنامج النووي الذي يرمي الى فتح آفاق الطاقة والتطور التكنولوجي أمامها.

وتواجه «إسرائيل» هذا المنطق الإيراني بتوجيه اتهامات جزافية الى طهران بأنها سبق ان هددت بإزالة «إسرائيل» من الوجود. ومن الواضح ان الولايات المتحدة تتبنى رسمياً هذا الاتهام، على الرغم من ان مصادر أميركية في المخابرات وفي مراكز الأبحاث الأميركية المتخصصة استبعدت كلية هذا التصريح المنسوب الى إيران والقادة الإيرانيين. بل ان هذه الجهات حددت ما أعلنته إيران في هذا الصدد بأنه يعني ان «إسرائيل» تقضي على نفسها بنفسها من خلال سياسات التوسع والهيمنة ومن خلال إصرارها على احتكار القوة النووية في المنطقة. وهذا ابعد ما يكون عن تهديد مباشر او غير مباشر بإبادة «إسرائيل». ويجدر بالذكر في هذا السياق أن دان ميريدور، نائب رئيس وزراء «إسرائيل»، أقر في اعتراف «إسرائيلي» نادر بأن قادة إيران يقولون في تصريحاتهم إن «إسرائيل» «مخلوق غير طبيعي ولهذا فإنها لن تبقى على قيد الحياة. إنهم لم يقولوا أبداً إنهم مصممون على إزالة «إسرائيل» من الخريطة». وقد وصف المراسل الصحافي الذي حصل على هذا التصريح من ميريدور بأنه لم يصدر ما يماثله أبداً من مسؤول «إسرائيلي».

ومن الواضح ان تمسك «إسرائيل» بالزعم بأن إيران تهدد وجودها ذاته وأن إيران تشكل خطراً وجودياً على «إسرائيل» ليس أكثر من تمسك بالدوافع «الإسرائيلية» التي تتوالى بدون توقف في صورة تهديدات بشن هجمات عسكرية واسعة النطاق على المؤسسات النووية الإيرانية. هذا ان لم تقبل إيران راضخة المقترحات الأميركية - «الإسرائيلية» بتفكيك مؤسسات نووية بعينها أنشأتها إيران ضمن برنامجها السلمي. وقد وصفت الاقتراحات بتفكيك المنشآت النووية الإيرانية او التعرض للهجمات العسكرية عليها بأنها «قرص السم» الذي تريد «إسرائيل» إجبار إيران على تعاطيه، وذلك في مقال كتبه الباحث الأميركي غاريت بورتر (على موقع «كاونتر بانش» بتاريخ 13/4/2012) واعتبر فيه ان «قرص السم» هذا يمكن ان يؤدي الى انهيار محادثات إيران مع مجموعة 5+1، في حالة ما اذا قدم في المحادثات مع ما هو متوقع الى حد اليقين من رفض إيران له. ويقول بورتر انه يبدو ان إدارة أوباما الأميركية تقبل مطلب «إسرائيل» بأن تغلق إيران إحدى مؤسساتها النووية في قم. فيما ترى أوروبا الاكتفاء بأن يطلب من إيران بأن توقف التخصيب النووي بنسبة 20 في المئة، واستبداله بإمدادات من الطاقة من الخارج تتعهد أوروبا وأميركا بتقديمها لإيران.

ويشير نجاح مفاوضات اسطنبول والاتفاق على جولة ثانية في بغداد في الشهر القادم الى ان أياً من هذين الاقتراحين لم يقدم الى إيران، الأمر الذي أتاح الفرصة للاستمرار في جو متفائل الى حد ما. لكن ليس هناك اي ضمان بأن تسلك «إسرائيل» إزاء هذه المحادثات مسلكاً يتيح لها ان تنجح وأن يتوصل الغرب مع إيران الى اتفاق يرضي الطرفين ويضمن السلام في المنطقة والعالم. ذلك ان «إسرائيل» لا تكف إطلاقاً عن إطلاق التهديدات. وهي تريد ان تجرى المحادثات بين إيران والغرب تحت التهديد. وليس واضحاً الى الآن الى أي مدى يمكن أن تتحمل دول الغرب.

قد يقال إن الولايات المتحدة تبدو سعيدة بتردد «إسرائيل» في الإقدام على ما تهدد به من تدمير المنشآت النووية الإيرانية. وإذا كانت تهديدات «إسرائيل» قد ترددت كثيراً الى حد افقدها مصداقيتها، ليس فقط لدى الإيرانيين - الشعب والقادة جميعاً - إنما أيضاً لدى الرأي العام الأميركي والعالمي، إلا أن تجارب الماضي تؤكد ان عدوانية «إسرائيل» وزهوها بقوتها يتجاوزان كل الحدود التي يمكن ان يفرضها العقل والتعقل. وإيران تعي هذه الحقيقة جيداً وتعرف مدى الخطر «الإسرائيلي» وكيفية مواجهته على ارض الواقع.

ومن المؤكد ان الولايات المتحدة تستشعر الحيرة وتخشى ان تفاجئها «إسرائيل» بالخروج على النصائح الأميركية التي توالت خلال الأشهر الأخيرة بالإحجام عن مغامرة ضد إيران يمكن ان تتحول الى كارثة لـ «إسرائيل» من حيث الخسائر المادية والبشرية التي ستؤدي إليها. لكن لهذا الوضع وجهاً آخر يتعلق برغبة الإدارة الأميركية، وبالتحديد الرئيس أوباما، في ضمان الأصوات الانتخابية اليهودية.

وربما يكون نجاح مفاوضات اسطنبول النسبي وتحديد موعد لجولة ثانية مجرد تمهيد اميركي لجولة ثالثة لإعطاء «إسرائيل» فرصة أخرى للتفكير فيما يمكن تحصيله من المحادثات بدلاً من كوارث الحرب في انتظار موعد انتخابات الرئاسة الأميركية في 6 تشرين الثاني/نوفمبر القادم. وتبقى «إسرائيل» عضواً دائماً خفياً في مجلس الأمن، إنما الى حين.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2165391

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165391 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010