الخميس 19 نيسان (أبريل) 2012

طفل يتحدى السجّان

الخميس 19 نيسان (أبريل) 2012 par أمجد عرار

في ثالث أيام معركة الأمعاء الخاوية التي يخوضها أكثر من ألف وستمئة أسير في معتقلات الاحتلال، يجدر بنا أن ندرك أن ما يطفو على سطح المشهد أقل بكثير مما يدور تحته، سواء ما يتعلق بتفنن الاحتلال في القمع والقهر، أو ببطولة الأسرى وبسالتهم في الدفاع عن كرامتهم وتحديهم لإدارات السجون المدجّجة بشتى وسائل القمع.

الأسرى ناضلوا كثيراً وقدّموا تضحيات جساماً من أجل خلق بيئة اعتقالية أفضل لهم وللقادمين بعدهم. لكن أهم ما حققه الأسرى هو التحوّل من كونهم كمّاً بشرياً عددياً، إلى حركة أسيرة منظّمة ومهيكلة، لها قيادة نضالية عامة وممثلون في كل قسم وغرفة موكلة إليهم، حصرا، تمثيل مجموع الأسرى أمام إدارات السجون. هؤلاء الممثلون-المسؤولون يتم اختيارهم من الأسرى المجرّبين الذين يتمتّعون بالصلابة والقدرة على مقارعة الإدارة في الدفاع عن حقوق الأسرى، وبخاصة على صعيد التمثيل العام (ممثل معتقل، لجنة نضالية عامة، وشاويش القسم).

حدث ذات يوم أن اختار الأسرى في إحدى غرف سجن رام الله فتى كان عمره ستة عشر عاماً ممثلاً لهم في الغرفة، يسميه الأسرى «شاويش غرفة». في واحدة من حالات العد الثلاث التي يقوم بها ضباط السجن، صباحاً وظهراً ومساء، وقف الضابط أمام قضبان باب الغرفة وبدأ بإحصاء الأسرى: واحد، اثنان، ثلاثة، وعندما وصل عند الرقم خمسة عشر لينهي العد بالفتى «شاويش الغرفة»، توقف الضابط بعد قوله خمسة عشر وأشّر إلى الفتى قائلاً: خمسة عشر ونصف، أي أنه اعتبر الفتى نصف شخص. وأثناء مغادرة الضابط ومن معه، ناداه الفتى قائلاً: لقد اخطأت في العد، نحن سبعة عشر. لم يستطع الضابط تجاهل الإشارة، فعاد وأعاد العد فكانت النتيجة ستة عشر، فضحك الفتى وقال له: أنا اثنان.

اذكّر تلك الواقعة وأنا أقرأ عن وقائع محاكمة الطفل أحمد صليبي من بلدة بيت أمّر الخليلية، يبلغ من العمر ستة عشر عاماً، وكان واحداً من سبعة أطفال دون السادسة عشرة من أعمارهم. الطفل صرخ في وجه القاضي بأنه لا يعترف بهذه المحكمة ولا بالكيان الذي تمثّله.

الطفل صليبي فاجأ القاضي الذي طلب منه الوقوف قبل أن يبدأ المدعي العام بقراءة لائحة الاتهام، قائلاً له بالنص الحرفي «أنا لا أعترف بكم، أنا طفل وعمري 16 عامًا تحاكمونني ظلمًا، أنتم عبارة عن عصابة مافيا، ولا أعترف بدولتكم»، فما كان من القاضي إلا أن خرج غاضبًا من قاعة المحكمة، مطلقاً سيلاً من التهديد والوعيد باتخاذ أقسى العقوبات بحق الطفل.

من المؤكّد أنه بعد انحسار مد الغضب لديه غرق في حيرة مما سمعه من هذا الطفل الذي لم يكترث بما يحيق به من وسائل القوة والقمع المادي. ومن المؤكد أيضاً أن سيلاً من الأسئلة قد تدفّق في ذهن القاضي حول مصدر القوة والإرادة وحجم التحدي لدى طفل في هذه السن. ربما كان هذا القاضي ينتظر من الطفل أن يلجأ لتوسّل القاضي لكي يصدر حكماً بإطلاق سراحه أو تخفيف الحكم بحقّه على الأقل.

أستطيع أن أتخيّل هذا القاضي يسخر من الإجراءات المعتادة التي تلجأ إليها إدارات سجون الاحتلال في محاولة لقمع الإضراب عن الطعام. فهذه الإدارات لم تمل من تكرار الأساليب ذاتها التي فشلت مراراً في الالتفاف على مطالب الأسرى، وإلا لما توسّعت الهوّة بين ما كانت عليه السجون في السبعينات وما أصبحت عليه، إذ لم تجر إدارات السجون تحسيناً واحداً على واقعها من دون تضحيات وألم. وهذه المرّة أيضاً سينتصر الأسرى.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2176811

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2176811 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 7


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40