الخميس 19 نيسان (أبريل) 2012

الثمن المقبوض للازدواجية السياسية

الخميس 19 نيسان (أبريل) 2012 par د. أمينة أبو شهاب

أصبح من المؤكد أن الخطاب السياسي للإخوان المسلمين في مصر سيعود إلى لغته السياسية السابقة المعروفة، أو جزء رئيسي من مفرداتها، فهذه اللغة هي التي شكلت جاذبيته الجماهيرية التي يستمدها من الإسلام ومكانته في قلوب المصريين بعشرات ملايينهم، ولا يعود هذا الخطاب بذلك إلى نسق الاتساق مع الذات والتطابق بين القول والالتزام العقائدي والفعل السياسي بقدر ما أن هذه العودة المتوقعة هي من المقتضيات السياسية ومحددات الحركة في مجال الصراع الداخلي في مصر. فما دام أن الإخوان قد خرجوا من لغة خطابهم الأول في الشهور الأخيرة ودخلوا في سياق آخر، فإنهم أيضاً لا يعودون إليه إلا لضرورات سياسية، وهي في هذه المرحلة تبدو ضاغطة ومصيرية بعد الحكم من اللجنة العليا للانتخابات بالاستبعاد النهائي لمرشح الجماعة خيرت الشاطر من انتخابات الرئاسة في مصر، وبعدما ظهر كذلك من عقبات وتدابير وإحباطات لمحاولة الجماعة الوصول إلى مراكز القوة في الدولة والتمركز بشكل كامل في السلطة. ولا شك أن قرار الاستبعاد قد أنهى الأمل لدى الإخوان في الإمساك برئاسة مصر وذلك بعد أن كان الطريق مفتوحاً إليها بترشيح الشاطر وما يمكن أن يكسب من أصوات باعتباره الرهان الإخواني الأقوى الذي يرتبط اسمه بمشروع نهضة مصر، كما قدم في الأيام الأخيرة.

يشكل هذا الاستبعاد، إذاً، عنواناً لفصل سياسي من أداء الإخوان وأدوارهم في ما بعد سقوط مبارك، وقد انتهت آخر مشاهد هذا الفصل بكلمات خيرت الشاطر نفسه في خطاب جماهيري عقب الاستبعاد، حيث كانت هذه الكلمات تعبر عن مفترق الطرق الذي يقف عنده الإخوان ومدى شعورهم بمحدودية حصادهم السياسي من هذه المرحلة التي اتسمت بالمناورات السياسية من قبلهم والانفصال شبه التام عن الخطاب القديم للإخوان، وكذلك عن خطاب «الثورة» ما دام أن الإخوان كانوا حلفاء للمجلس العسكري حتى وقت قريب.

إن كان شعور «الإقصاء» هو الملمح العام للغة السياسية التي تشكل رد فعل الإخوان لقرار الاستبعاد، وكذلك أيضاً بأنه تم «التآمر» عليهم من قوى الحكم السابق التي ثبت مدى قوتها وتواجدها في مفاصل القوة في الجسم السياسي المصري ومراكز اتخاذ القرار، فإن الخطاب سيبدأ من هذه النقطة المألوفة (من أيام مبارك) ليعيد رسم نفسه من جديد بناءً على المتغيرات السياسية.

لقد كان خيرت الشاطر ما بعد قرار الاستبعاد في خطابه الجماهيري هو المحرض السياسي وصاحب المانفيستو الثوري الذي يتحدث عن «سرقة» الثورة وعن سبيل استعادتها من خلال الدور الجماهيري الذي سيغير مسار الأحداث السياسية ويعيد الإيقاع «الثوري» إلى الساحة المصرية. لم يكن خيرت الشاطر هو الشخصية «البراغماتية» في الوصف الغربي له، تلك الشخصية التي تحسن التفاهم مع جون ماكين زعيم اليمين الأمريكي المتصهين، ومع كل مبعوثي الغرب الساعين إلى إبقاء مصر في إطار السيطرة الغربية وتقدم نموذج الاعتدال الذي يفوق في «عقلانيته» بحسب المفهوم الغربي حكم مبارك. وإن لم يكن هو، فهو البعدان معاً للأوقات والظروف السياسية في اختلافها.

هكذا إذاً يعود وسيعود بقوة خطاب الثورية بعد شهور من الهجران، كما ستعود معه أيضاً بعض المفاهيم الإسلامية التي استبعدها الإخوان عمداً من خطابهم، وهم يفعلون ذلك أملاً في حشد الجماهير إلى جانبهم في لحظة استعراض قوة مطلوبة أمام الخصم السياسي.

وليس الخطاب هو الذي سيتغير، وإنما أيضاً، بطبيعة الحال، ميدان العمل السياسي. فبعد أن كان الإخوان جزءاً من المشهد الرسمي المصري لشهور عديدة ها هم يعودون، في حركة التفاف سياسي مثيرة للدهشة، إلى الميادين من جديد، وإلى ميدان التحرير بالتحديد.

في خطاب خيرت الشاطر الذي شكل رد فعله ورد فعل الجماعة بعد قرار الاستبعاد، يدعو جماهير المؤيدين إلى الاحتشاد في ميدان التحرير وميادين مصر الأخرى والبقاء فيها وعدم مغادرتها. والحقيقة أن الثورة تبدو في هذا المفهوم وكأنها عباءة يمكن ارتداؤها وقت الحاجة وفي وقت الضعف السياسي، ويبدو أمراً قابلاً للتغاضي والنسيان وقوف الإخوان ضد رفاق الميدان السابقين والتخلي عنهم في مواجهاتهم مع العسكر والاصطفاف مع هؤلاء الأخيرين ومع الحكومة المؤقتة، وإجهاض إمكانات تغيير هيكلية في النظام السياسي كان يمكن حدوثها لولا تحالف الإخوان مع العسكر.

عودة الإخوان إلى الشارع والجماهير هي عودة جديدة هذه المرة لأنها تأتي بعد فترة من المناورات السياسية التي لعبوا فيها لعبة «الازدواج» بكل ما في الكلمة من معنى. وهذه العودة تفرضها الحاجة والغرضية السياسية خاصة بعد ترشح عمر سليمان وإعلانه في هذا الترشح أن هدفه هو الوقوف أمام سيطرة الإخوان على مراكز القوة في البلاد. لقد وضع الإعلام المصري المضاد في معظمه للإخوان هذا الترشح على أنه خيار بين الديكتاتورية العسكرية وديكتاتورية من يتحدثون باسم الدين. وهنالك كثيرون في النخب المصرية من أبدوا رأيهم في أن الأولى ربما تكون أرحم من الثانية، أما بالنسبة إلى الشعب المصري، فقد خشي الإخوان من جنوحه إلى نزعة الاستقرار السياسي وطلب الأمن وتذمره من حالة الفوضى، وبالتالي إمكانية فوز سليمان . لقد أعاد ظهور سليمان في الساحة السياسة الصراع إلى المربع الأول وكما كان في عهد مبارك، هذا إلى الخسائر المعنوية التي خسرها الإخوان إعلامياً بسبب تخبطهم السياسي وازدواجيتهم وضعف أدائهم السياسي وعدم جاهزيتهم.

إنهم يعودون إلى الجماهير التي انشغلوا عنها وعن مطالبها وأحوالها في تحركاتهم السياسية، يعودون إليها لإصلاح صورتهم، ويعودون إليها لأجل «الشرعية» واكتساب القوة السياسية وكذلك لتجييشها في المعركة ضد «الفلول».

وتبدو هذه العودة إلى الجماهير وإلى «الثورة» واستعادة خطابها وخطاب الأصولي من الدين في بعض الأحيان غير منفصلة عن ازدواجهم السياسي، بل علامة له، وأن التشكيك الذي يجدونه من رفاق ميدان التحرير ومن القوى السياسية التي كانت حليفة لهم في الميدان وكذلك من أفراد الشعب المصري هي الثمن المقبوض لازدواجيتهم السياسية واستحقاقاتهم من الخسائر في اتجاهات ومجالات عدة، العودة إلى ميدان التحرير وإلى الجماهير هي عودة محفوفة بالاحتمالات السلبية وبالتصعيد في الأغلب هذا مع عدم التقليل من قوة الإخوان الرئيسة وهي خطاب الدين في السياسة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2178403

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2178403 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40