الثلاثاء 17 نيسان (أبريل) 2012

الأسرى يتسلّحون بأمعائهم

الثلاثاء 17 نيسان (أبريل) 2012 par أمجد عرار

اليوم يصعد الأسرى في سجون الاحتلال «الإسرائيلي» درجة أعلى في مواجهتهم صلف وعجرفة جلادين يجدون في رؤية الفلسطيني والعربي خلف القضبان فرصة للتعبير عن ساديّتهم بأعلى درجاتها. السابع عشر من إبريل/ نيسان هو يوم الأسير الفلسطيني، ويبدو أن الأسرى أوصلوا المعيار التراكمي لاستعداداتهم إلى لحظة النضوج بالتزامن مع المناسبة، إذ إنه من غير الوارد في حسبان قادة الحركة الأسيرة تحديد ساعة الصفر اعتباطاً أو بتركيب القرار على أجندة الزمن بلا مراعاة للظروف الذاتية والموضوعية، سيما حين يتعلّق الأمر بخطوة حاسمة من مثل الإضراب المفتوح عن الطعام.

ألف وستمئة أسير يخوضون اليوم بالتزامن مع يومهم معركة الجوع. يبدأون أصعب وأقسى أنواع المعارك على الإطلاق، معركة ضد كيان ترهبه دول لم تختبر نفسها أمامه إلا وهي في أسوأ حالاتها، فجعلت عناصر ضعفها تبدو كأنها قوّة فيه. هؤلاء العزّل إلا من أمعائهم الخاوية وإرادة تستعصي على الجلادين، يخوضون معركة الشرف والكبرياء ضد محتل لم يدوّن في سجلّه يوماً ما يمت للإنسانية بصلة، ولا يسمح لحق أن يفلت من براثنه عائداً لصاحبه إلا إذا انتزع منه رغماً عنه، سواء في معارك الأسرى في سجونه أو في حروبه السياسية والعسكرية.

الأسرى الفلسطينيون والعرب، ومعهم أحرار أمميون، سجّلوا في مسيرة الأسر انتصارات مشرّفة على الجلادين منذ تحوّل الأسرى من فرادى متناثرين إلى جسم منظم بات حركة وطنية أسيرة، تشكّل الامتداد العضوي للحركة النضالية خارج الأسر، بل إنهم انتزعوا من إدارات السجون اعترافاً بهم كجزء من الكيان الفلسطيني النضالي، فاضطرت هذه الإدارات للتفاوض مع ممثليهم قبل أن تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية بأكثر من عشرين سنة.

وفقاً لما جرت عليه تجارب الإضرابات المفتوحة، فإن الأسرى لم يتّخذوا قرارهم بلا مقدّمات، بل جهّزوا وحضّروا واستعدوا جيّداً، وعملوا ليلاً ونهاراً على تعبئة أنفسهم نفسياً، وضمنوا استمرار الاتصالات بينهم في أسوأ الظروف، وأجروا اتصالات مع المؤسسات الجماهيرية والإعلامية والفصائل، لكي تواكب الإضراب فعاليات شعبية تضامنية متصاعدة. ومن الواضح أن معركة الأسير خضر عدنان والأسيرة هناء شلبي وعدد آخر من الأسرى الذين تبعوهما في معركة الإضراب، تشكّل جزءاً من حالة الاستعداد النفسي والتحشيد الشعبي والإعلامي لهذه المعركة.

لا أعرف كيف تعامل الأسرى وهم يستعدون لمعركتهم مع البعد العربي والدولي. ففي التجارب السابقة، كان قادة الحركة الأسيرة يبعثون رسائل للمنظمات العربية والدولية والمؤسسات الدينية والمنظمات الحقوقية والإنسانية. لكن في هذه الأيام، أظنّهم لا يراهنون على أحد خارج السجنين، سجن الاعتقال الصغير وسجن الوطن الأكبر قليلاً.

إنهم يراقبون الصورة الواسعة ويدركون تراجع الاهتمام بهم وبقضيتهم برمّتها في الشارعين العربي والإسلامي، ويقدّرون مبادرات متضامنين مع القضية الفلسطينية من غير الناطقين باللغة العربية، ولا شك أنهم يرصدون الغياب الكامل لردود الأفعال العربية والإسلامية تجاه تهويد القدس، ولا يتوسّمون خيراً من هذه المرحلة التي لا يختلف فيها الربيع عن الخريف إلا بحجم النزف والخسائر والتراجع.

اليوم سنشهد بداية معركة على جبهتين، واحدة خلف القضبان يخوضها الأسرى، والثانية خارج الأسر يخوضها ذووهم وأصدقاؤهم وكل فلسطيني ما زال يمسك بجمر المبادئ ولم يتلوّث بفيروس فقدان المناعة الوطنية المكتسبة وعدوى الانقسام السياسي والطائفي والقبلي. ومن خلال هذه الثنائية سينتصر الأسرى لأنهم لم يبدّلوا علَمهم براية الاحتلال ولم يغيّروا شعارهم الذي انتصروا به في المعارك السابقة من دون سلاح وتسليح.

إنهم بدأوها وأكاد أسمع أمعاءهم تهتف واثقة «نعم لآلام الجوع .. وألف لا لآلام الركوع».



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2165272

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

5 من الزوار الآن

2165272 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010