الثلاثاء 17 نيسان (أبريل) 2012

كيف ننقذ الثورة في أربع خطوات؟

الثلاثاء 17 نيسان (أبريل) 2012 par د. علاء الاسواني

نفترض أنك تعيش في بيت وفي الشقة المقابلة لك جار لا تستريح اليه، وقد حدثت بينكما مشاكل عديدة أثبتت لك أن جارك هذا أناني ولا يفكر الا في مصلحته. جارك هذا يتحدث عن المبادئ لكنه كثيرا ما يتغاضى عن المبادئ التي يتحدث عنها من أجل مصلحته.. هكذا تعقدت العلاقة ودب النفور بينكما حتى صرت لا تتعامل مع جارك اطلاقا. ثم حدث ذات ليلة أن نشب حريق هائل في البيت وامتدت ألسنة اللهب في كل مكان، فاذا بجارك هذا يطرق بابك ليطلب منك أن تشترك معه في اطفاء الحريق. ماذا تفعل؟

حينئذ؟ هل تقول له: أنا لن أتعامل معك حتى لو احترق البيت كله على أولادي وأولادك؟ أم تقدر خطورة الموقف وتشترك مع جارك في اطفاء الحريق من أجل انقاذ البيت والسكان؟ الاختيار الصحيح واضح لا يختلف عليه اثنان.

هذا التشبيه يلخص الحالة التي نعيشها: مصر هي البيت والجار الذي فضل مصلحته على واجبه وخذلنا مرات عدة هو جماعة «الاخوان المسلمون» واللحظة التي تعيشها مصر الآن لا تقل خطورة عن الحريق الهائل... «الاخوان المسلمون» مسؤولون مع «المجلس العسكري» عن النفق المظلم الذي نجاهد الآن للخروج منه. «الاخوان» تحالفوا مع العسكر وصنعوا التعديلات الدستورية المعيبة التي يشكون منها الآن، وهم الذين حشدوا الناس ليقولوا نعم على تعديلات لم يفهموها جيدا، وحولوا التصويت الدستوري الى غزوة بين المؤمنين والكفار... «الاخوان» تخلوا عن الثوار في مذابح «ماسبيرو» و«محمد محمود» و«مجلس الوزراء» و«الاخوان» تقاعسوا عن ادانة المجلس العسكري المسؤول عن هذه المذابح. بل انهم أدانوا الثوار واتهموهم بالبلطجة والعمالة.. «الاخوان» هم الذين خطفوا لجنة كتابة الدستور من أجل أن ينفردوا بكتابة دستور مصر على هواهم، وهم الذين سعوا للسيطرة على الجهاز المركزى للمحاسبات بمشروع قانون يجعل تعيين رئيس الجهاز في يد رئيس مجلس الشعب. كل هذه أخطاء جسيمة اقترفها «الاخوان المسلمون» تحقيقا لمصالحهم الضيقة ودفعت ثمنها الثورة التي تعطلت ولم تحقق أهدافها ودفع ثمنها مئات الشهداء وآلاف المصابين وبنات مصر اللاتي تخلى عنهن الاخوان عندما تم سحلهن وهتك أعراضهن في الشوارع بواسطة الجنود... في النهاية اكتشف «الاخوان» ان كل مكاسبهم السياسية معطلة لأن المجلس العسكري يريد أن يحركهم كالعرائس كما يشاء. عندئذ اصطدم «الاخوان» مع «العسكر» وعادوا الى الثورة وأصدروا مشروع قانون العزل السياسي الذي طالما طالبت به الثورة. عاد الاخوان الى الميدان يهتفون بسقوط العسكر.

ماذا نفعل مع الاخوان؟ هل نضع أيدينا في أيديهم لنعيد وحدة الصف ونعود جميعا قوة ثورية واحدة صلبة كما كنا أثناء الأيام الأولى للثورة، أم أن أي تعامل مع «الاخوان» سينتهي كالعادة بأن يتخلوا عن مبادئهم بمجرد أن يحققوا مصالحهم السياسية؟

لا تجوز الاجابة عن هذا السؤال قبل أن نفهم ما يحدث في مصر الآن. بعد خلع مبارك، على مدى 14 شهرا نجح «المجلس العسكري» في عرقلة التغيير الذي طالبت به الثورة وتعرض المصريون لمخطط منظم لافراغ الثورة من محتواها واجهاضها وتشويهها والضغط على المصريين بأزمات رهيبة كلها مفتعلة: انفلات أمني وأزمات في المواد الغذائية وأزمة اقتصادية طاحنة.. في النهاية عندما تحولت حياة المصريين الى جحيم تم طرح عمر سليمان كمرشح للرئاسة وكأنه المنقذ للمصريين من المصائب التي يعيشون فيها.. سواء تم استبعاد عمر سليمان من الترشح أم لا، فان مغزى ترشيحه يظل قائما وينم عن نيات المجلس العسكري الذي يبدو مصرا على القضاء على الثورة واستعادة نظام مبارك بأي ثمن. ان ما تفعله اللجنة العليا للانتخابات يؤكد أن قراراتها سياسية وليست قانونية، لأن كل شيء يحدث وفقا لارادة المجلس العسكري وليس أبدا طبقا للقانون. كيف تم ترشيح عمر سليمان قبل أن يتم التحقيق في البلاغات العديدة المقدمة ضده؟ كيف حصل سليمان على 50 ألف توكيل في يومين ولماذا تم استبعاده فجأة بسبب ساذج غير مقنع؟ هل يعقل ان يخطئ مدير المخابرات العامة في عد التوكيلات التي يقدمها للترشح للرئاسة؟

لماذا لا تعلن اللجنة العليا للانتخابات أمام وسائل الاعلام عن جواز السفر الذي يثبت أن والدة المرشح الشيخ حازم أبو اسماعيل مواطنة أميركية؟ ان تقاعس اللجنة العليا عن اعلان ذلك يعنى أحد أمرين: اما أنها لا تملك دليلا يثبت الجنسية الأميركية لوالدة الشيخ حازم، وإما أن لجنة الانتخابات تتعمد هذا الغموض حتى تستفز أنصار الشيخ حازم فينزلوا بالآلاف الى الشوارع وتحدث فوضى تمنع اجراء الانتخابات.. كيف تقبل اللجنة العليا ترشيح أحمد شفيق قبل التحقيق في البلاغات المقدمة ضده؟ وعددها 35 بلاغا، باهدار المال العام، تم تقديمهم ضد شفيق للنائب العام منذ عام كامل، لم يتم خلاله التحقيق في بلاغ واحد؟ مكتب النائب العام يؤكد أنه أرسل البلاغات ضد شفيق الى القضاء العسكري والمسؤولون في القضاء العسكري يؤكدون أنه ليست لديهم بلاغات ضد شفيق. كل ما يحدث في مصر يؤكد أن المجلس العسكري يدفعنا الى سيناريو معد سلفا سيؤدي الى احتمال من الاثنين: اما أن يفوز بالرئاسة مرشح تابع للمجلس العسكري يعيد نظام مبارك الى الحياة ويمكن العسكر من السيطرة على مقادير الحكم من خلف الستار، والاحتمال الثاني ـ اذا تعذر فرض مرشح العسكر ـ أن تحدث مشكلات وفوضى شاملة تمنع عمليا اجراء انتخابات الرئاسة، فيظل العسكر في السلطة الى أجل غير مسمى.. ان الثورة المصرية تمر بأصعب لحظة في تاريخها. الخطر المحدق بالثورة يشبه حريقا هائلا نشب في بيت آهل بالسكان. من هنا فان واجبنا الوطني يحتم علينا جميعا أن نسعى جاهدين لانقاذ الثورة وهذا الهدف لا يمكن تحقيقه الا بتنفيذ الخطوات التالية:

أولا: أن يقدم «الاخوان المسلمون» اعتذارا صريحا عن أخطائهم الجسيمة التي أوصلتنا الى هذه الورطة وأن يقدموا الدليل على حسن النيات بأن يشكلوا توافقا حقيقيا في لجنة كتابة الدستور يرضى جميع الأطياف والقوى ويمنح الدستور شرعية حقيقية. بالمقابل فان القوى الثورية المدنية يجب أن تقبل اعتذار «الاخوان» فورا وتتوحد معهم حتى نستعيد وحدة الصف الثوري التي هي شرط أساسي لانقاذ الثورة.

ثانيا: يجب أن نتعلم جميعا كيف نتعايش مع المختلفين معنا ونحترم حقوقهم.. يجب أن يتعلم الليبراليون واليساريون ان «الاخوان» و«السلفيين» ليسوا مجموعة من الفاشيين من ذوي الأفكار الرجعية، وانما هم مواطنون وطنيون اشتركوا في الثورة وقدموا شهداء، وهم يملكون مشروعا سياسيا اسلاميا مهما اختلفنا معه، يجب أن نحترمه وندافع عن حقهم في تبنيه وطرحه على المصريين.. بالمقابل يجب أن يدرك «الاخوان» و«السلفيون» أنهم لا يستطيعون تحمل مسؤولية مصر وحدهم، حتى لو كانوا أغلبية ولا يستطيعون أبدا تغيير شخصية مصر لتصبح أفغانستان أو السعودية. يجب أن يدركوا أن الليبراليين ليسوا أعداء الاسلام ولا اباحيين ولا منحلين ولا عملاء للغرب بل ان كثيرين منهم لا يقلون تدينا عن الاسلاميين لكنهم ببساطة غير مقتنعين بمشروع الاسلام السياسي.. ان الصراع الشرس بين جناحي الثورة (الاسلاميين والليبراليين) كان من أكبر من العوامل التي ساعدت المجلس العسكري على تعطيل التغيير في مصر.

ثالثا: ان كل المؤشرات تؤكد ان الانتخابات الرئاسية لن تكون نزيهة ولا عادلة. بعد استعادة وحدة الثوريين لا بد من الضغط على المجلس العسكري حتى يحقق ضمانات حقيقية لنزاهة الانتخابات.. لا بد من الغاء المادة 28 التي تحصن قرارات اللجنة العليا للانتخابات ضد الطعن، لأنها مادة شاذة تخالف المنطق والقانون بل وتخالف المادة 21 من الاعلان الدستوري التي تمنع تحصين القرارات الادارية بأي شكل من الأشكال.. لا بد من اخضاع ميزانيات انفاق مرشحي الرئاسة جميعا لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات واعلان مصادر تمويل كل مرشح.. لا بد من ضمانات حقيقية تجعل جهاز الدولة بمنأى عن التدخل في الانتخابات فلا يتم حشد الموظفين بالأمر من أجل التصويت لصالح المرشح الذي يريده المجلس العسكري كما حدث أثناء عمل التوكيلات لأحمد شفيق وعمر سليمان.. لا بد من استبعاد المرشحين المنتمين لنظام مبارك تنفيذا لقانون العزل السياسي الذي أقره مجلس الشعب.. لا بد من التحقيق فورا في البلاغات المقدمة ضد أحمد شفيق وعمر سليمان..

بدون قواعد عادلة تكفل الشفافية وتكافؤ الفرص وسيادة القانون فان الانتخابات الرئاسية ستتحول الى فخ جديد تسقط فيه الثورة وندفع جميعا ثمنه غاليا.. ان تحقيق انتخابات عادلة قد يكون مطلبا صعبا لكنه ممكن اذا توحدنا جميعا من أجله. لقد أثبتت التجربة أن المجلس العسكري لا يتحرك في الاتجاه الصحيح الا تحت ضغط شعبي.. المظاهرات المليونية وحدها هي التي جعلت المجلس العسكري يستجيب لأي مطلب للثورة بدءا من محاكمة مبارك وحتى استبعاد عمر سليمان من الترشح (ولو موقتا) .

رابعا: ان مؤسسات الدولة تابعة بالكامل للمجلس العسكري، بدءا من الشرطة المدنية وجهاز أمن الدولة (الذي يعمل الآن بكامل طاقته) الى الشرطة العسكرية التي سحلت بنات مصر وقتلت شباب الثورة الى بعض القضاة المتعاونين الذين تسببوا في فضيحة هرب المتهمين الأمريكيين في قضية التمويل الأجنبي.. بمعنى آخر ان المجلس العسكري لا زال يستعمل كل أدوات مبارك في السيطرة على الأحداث. في المقابل فان القوى الثورية اذا توحدت ستكون لديها لأول مرة أداتان للتغيير: «الميدان» والبرلمان.. «الميدان» هو الجمعية العمومية للشعب المصري التي صنعت الثورة والتي تستطيع دائما أن تفرض ارادة الشعب.. أما البرلمان فسيكون أداة مهمة لحماية الثورة وتحقيق أهدافها. وقد رأينا كيف تزلزل نظام مبارك عندما أقر مجلس الشعب قانون العزل السياسي ضد رموز العهد البائد.. ان وحدة الثوريين تجمع لهم أداتين كفيلتين باحباط المخطط الذي يتم تنفيذه الآن للقضاء على الثورة.

ان الثورة تواجه خطرا حقيقيا وعلينا أن نختار: اما أن نظل متفرقين نتبادل الاتهامات والشتائم فيتمكن نظام مبارك ـ لا قدر الله ـ من القضاء على الثورة نهائيا، وإما أن نتجاوز خلافاتنا ونتوحد فورا حتى تتحقق أهداف الثورة التى دفع ثمنها آلاف المصريين من دمائهم.

الثورة مستمرة حتى تتحرر مصر من الاستبداد وسوف تنتصر بإذن الله...

الديموقراطية هي الحل.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2165631

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165631 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010