السبت 14 نيسان (أبريل) 2012

«عين الرمانة» وشرارة الفتنة

السبت 14 نيسان (أبريل) 2012 par أمجد عرار

الثالث عشر من إبريل/ نيسان مرَّ كيوم عادي على اللبنانيين والفلسطينيين، وبطبيعة الحال على معظم العرب. لكنه قبل سبعة وثلاثين عاماً لم يكن يوماً عادياً، ففي ذلك اليوم من سنة 1975 كمنت مجموعة من عملاء الكيان الصهيوني في لبنان لحافلة كانت تقل لاجئين فلسطينيين أثناء مرورها بمنطقة عين الرمانة في لبنان، وقتلت العشرات من ركابها، لتطلق بذلك شرارة حرب أهلية دامت على نحو ميداني ساخن قرابة ست عشرة سنة، حصدت خلالها أرواح آلاف الفلسطينيين واللبنانيين، ودمرت بنى تحتية ومنازل ومؤسسات كثيرة في البلد الذي كان يحلو للكثيرين وصفه بـ «سويسرا الشرق».

لم يكن لبنان واحة هدوء وأمن قبل ذلك اليوم، لكن ما كان يشهده حوادث متفرّقة رغم خطورتها لم تكن دائمة، ولم تَرْقَ تلك الخطورة إلى المدى الذي بلغته بعد حادث عين الرمانة. وليس منتظراً أصلاً أن يكون بلد توجد فيه حركة وطنية فلسطينية ولبنانية، أن تتركه «إسرائيل» هادئاً بلا اقتتال فتنويّ، حطبه جاهز ووقوده جاهز وصواعق تفجيره أيضاً جاهزة. فحين يمسك هذا العدو بخيط المال والسلاح ويجد أغبياء ومتعصّبين، يمكنه أن يفجّر هنا ويخطف هناك، ويفجّر العبوات في أي مكان ينسجم مع المهمة التي كلف القيام بها.

في مطلق الأحوال، يخطئ كثيرون من السياسيين والإعلاميين عندما يسبغون على تلك الحرب الأهلية والمقدّمات التي سبقتها وتلك التي تبعتها، صبغة طائفية، بحيث يجري تقطيع الجسد اللبناني بسكين التقسيم الطائفي والمذهبي، بحسن أو بسوء نيّة، وفي الأغلب بسوئها.

من ارتكبوا جريمة عين الرمانة محسوبون على ديانة معيّنة، لكن لا هذه الديانة ولا أتباعها جميعاً ارتكبوا الجريمة أو يؤيّدونها . كما أن الأطراف المتصارعة لم تكن مقسّمة على أساس طائفي أو مذهبي، حتى لو كانت أغلبية فريق ما محسوبة على طائفة، كما أن أكثر من 150 ألف قتيل، وأكثر من 20 ألف مفقود، ومئات الآلاف من المشردين، كانوا من مختلف الطوائف والمذاهب. وفوق هذا كلّه، أي منطق عاقل يمكنه الادعاء أن الناس يتشكّلون في قوالب؟ ومن يستطيع لي عنق العلم ليدعي أن هناك تداخلاً بين الجينات الوراثية والمشارب الفكرية والسلوكيات والأخلاق والوطنية والخيانة؟ في الفتنة الأهلية لا هوية ولا دين للقتلة والعملاء، فإذا كان قائد الميليشيا العميلة في جنوب لبنان أنطوان لحد محسوباً على طائفة دينية، فإن معظم هذه الطائفة الكريمة تتبرأ منه، كما أن محاولة تصفيته قامت بها المناضلة سها بشارة التي تنتمي إلى الطائفة ذاتها. وكذلك، فإن الميليشيا اللحدية العميلة التي سلّم بعض عناصرها نفسه للسلطات اللبنانية وفر الآخرون إلى أسيادهم في «إسرائيل»، كانت تضم عملاء للعدو من كل الطوائف والمذاهب، كما أن المقاومة في لبنان عبر عقود ضمت مقاتلين من كل الطوائف والأحزاب، وشهداؤها من كل هذه التنوعات.

من يراجع خريطة الصراع وقواه وعوامله في تلك الفترة، لا يستطيع أن يجد مربّعات مقسّمة على أساس طائفي أو مذهبي، لكن بإمكانه أن يلحظ وجود تباينات في مستوى المعيشة والخدمات بين منطقة وأخرى، وهذه التباينات مازالت قائمة حتى اليوم، وهي تسهم في الإيحاء بتقسيم طائفي.

ليس ثمة جدوى من فتح جراح الماضي إن كان الهدف تصفية الحسابات أو نكء الجراح، لكن في التذكير بمناسبات دموية عبرة لمن بقيت لديهم قابلية للاعتبار، وفيه أيضاً قرع جرس إنذار من خطر قائم للفتنة، مادام بعض أمراء الحرب الأهلية مازالوا على رأس عملهم الفتنوي، ويهدّدون بين الحين والآخر بتكرار هوايتهم، ويستغلون كل شاردة وواردة لإشعال النار.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 26 / 2165798

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165798 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010