السبت 14 نيسان (أبريل) 2012

أسطورة من الخيال : إيران تثير سباق التسلح النووي

السبت 14 نيسان (أبريل) 2012

«إن حصول إيران على القنبلة النووية سيدفع دولاً أخرى مثل السعودية وتركيا ومصر إلى السعي بدورها لامتلاك السلاح النووي».. فرضية ثابتة لازمت الخطاب الغربي «التهويلي» في مقاربته لمختلف المراحل التي مرّ بها البرنامج النووي الإيراني.

الأمثلة كثيرة في هذا الصدد: خلال الشهر الماضي، حذّر وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ من أن السماح لإيران بصنع قنبلة نووية سيتسبب في نشوب سباق تسلح في منطقة «الشرق الأوسط». وكان الرئيس الأميركي باراك أوباما سبقه بالتحذير أمام «الآيباك» من سباق تسلّح نووي تطلقه إيران بامتلاكها السلاح.. خلال الشهر الماضي كذلك، نشر مراسل صحيفة «هآرتس» «الإسرائيلية» آري شافيط مقالة في «نيويورك تايمز» جاء فيها أن «حصول إيران على القنبلة النووية سيدفع السعودية وتركيا ومصر إلى السعي للحصول أيضاً على القنبلة».. ومثلهم فعل كثيرون من مراقبي التسلح في «الشرق الأوسط» والمؤسسة العسكرية «الإسرائيلية» والمسؤولين الأميركيين، الذين ارتكزوا على نظرية «سباق التسلّح» كحجة مقنعة إما لضرب إيران أو التضييق عليها إلى أقصى حدّ، لا سيما على ضوء التطورات الأخيرة على خط النزاع الإيراني - الغربي كما مع اقتراب موعد المفاوضات في اسطنبول.

في مقابل ما ينشره «الأنبياء الدجالون»، بحسب وصف زاكاري كيك في مجلة «ذا ناشيونال إنترست»، هناك من يؤكد أن «ما يشكل كابوساً للمسؤولين الأميركيين لا يعدو كونه ضرباً من ضروب الخيال الذي لا يمت للواقع بصلة». من هؤلاء الكاتب في مجلة «فورين بوليسي» ستيفن كوك الذي يؤكد أن «ثمة أسبابا كثيرة تدعو المجتمع الدولي الى مواجهة التحدي الذي تمثله إيران، لكن الخوف من السباق على التسلح النووي في «الشرق الأوسط» لا يشكّل أحد هذه الأسباب».

يدرس كوك إمكانيات كل بلد من البلدان التي يرشحها الغرب لدخول سباق التسلّح، مشدّداً على الحدّ الفاصل بين الرغبة والقدرة. في هذا السياق حقيقة واضحة برأي كوك: «الشرق الأوسط» لن يكون بقعة لسباق غير مضبوط للتسلح. السبب: هناك فرق شاسع بين الرغبة بالتسلّح وامتلاك القدرة على تحقيق هذه الرغبة.

هذا هو حال تركيا، التي تبدو المرشحة الأكثر حظاً في السباق، لكن كوك يفنّد مكامن الخلل في الحدّ الفاصل بين رغبات تركيا وقدراتها. في الواقع تقع تركيا ضمن المظلة النووية الأميركية: إنها واحدة من الدول الخمس الأعضاء في حلف شمال الأطلسي. وهي تستضيف ما مجموعه 90 قنبلة نووية B61 في قاعدة «أنجيرليك» الجوية، ويتم تخصيص 40 منها للاستخدام من قبل سلاح الجو التركي في حال نشوب نزاع نووي، لكن استخدامها يتطلب موافقة حلف شمال الأطلسي. أما إذا رغب الأتراك في بناء قنبلتهم، فتنقصهم حينها القدرة على تطوير تكنولوجيا السلاح النووي.

«يتفهم» الكاتب الأميركي سعي تركيا «في ضوء التغيّرات في السياسة الخارجية التركية لتطوير سلاحها النووي»، فيما يلفت إلى أن «أنقرة ستبدأ حرفياً من الصفر: ليس لديها مواد انشطارية، ولا قدرة على تخصيب اليورانيوم، كما أنها لا تمتلك تكنولوجيا معالجة الوقود المستنفد.. وهي أمور مطلوبة لتطوير السلاح النووي»، مضيفاً «إن جهود أنقرة حتى الآن مرتبطة بشكل مباشر بنقص الطاقة المتوقع في تركيا والناتج عن مزيج بين اقتصاد مزدهر وتزايد في عدد السكان».

ينتقل كوك إلى المصريين الذين «يسبقون الأتراك ببعض الخطوات، إذ يعملون على تطوير البنية التحتية النووية»، لكنه يحرص على نصحنا بـ«عدم توقع رؤية قوة نووية على نهر النيل في وقت قريب». ويشرح كوك قائلاً إن»هناك مؤشرات مثيرة للقلق بشأن البرنامج النووي المصري، لا سيما ما يتعلق برفض القاهرة فتح مفاعل «إنشاص» النووي أمام مراقبي الوكالة الدولية للطاقة الذرية حتى بعد توقيع معاهدة السلام مع «إسرائيل»، لكنه يشير إلى أن عدم توقيع مصر على البروتوكول الإضافي الذي يسمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفتيش المنشآت النووية له أبعاد متعلقة بالسياسة أكثر مما هو مرتبط بإنشاء برنامج نووي سري».

ويذكر الكاتب «إعلان» جمال مبارك، نجل حسني مبارك، في العام 2006، والذي جاء فيه أن «الحزب الحاكم على وشك تكثيف البرنامج النووي»، معلقاً «كان من الصعب أن يأخذه أحد على محمل الجدية. مبارك انفق أكثر من 160 مليون دولار على الاستشارات المتعلقة ببناء 10 محطات نووية. وإن كان كل مفاعل يكلف 1،5 مليار دولار، فلا بدّ من الانتباه إلى أن هذا البلد أنفق خلال الـ15 شهراً الماضية 26 مليار دولار من أصل الـ36 مليار دولار الموجودة في احتياطي العملات الأجنبية كي يستطيع الصمود». رسالة «مصرية» أخيرة يوجهها كوك: من يحذر من امتلاك مصر للقنبلة النووية أسأله: هل زرت مصر مؤخراً. إن كان الأمر كذلك، فمن الضروري أن تكون قد اكتشفت أن البنية التحتية تتداعى وان الاقتصاد في حالة مزرية، وهذان العاملان هما أساس بناء البرنامج النووي».

وماذا عن المملكة العربية السعودية، القوة السنية التي تقفز إلى لسان جميع المحللين أثناء حديثهم عن امتلاك إيران الشيعية للقنبلة النووية؟ يسأل كوك ليقول «بداية، لا بدّ من الإشارة إلى أن السعودية تمتلك المال اللازم للاستثمار في مجال التكنولوجيا النووية. ما يمكن أن يعدّ مقلقاً في البرنامج السعودي هو قدرة المملكة على جمع الموارد لشراء البرنامج النووي. حتى الآن، وفيما يمكن للرياض تجهيز نفسها بالمنشآت النووية بكل سهولة، إلا أنها لا تمتلك القدرة على إدارتها». يُذكر في هذا الإطار ان الدبلوماسي السعودي السابق محمد الخليوي ادعى أن السعودية طورت ترسانتها النووية لمواجهة «إسرائيل» منذ السبعينيات، لكنه لم يرفق الادعاء بأي أدلة تثبته.

في الواقع، والكلام لكوك، ليس لدى السعودية أي منشآت نووية كما أنها تفتقر للبنية التحتية العلمية لدعم البرنامج. في هذه الحالة، يمكن للسعودية أن «تستورد» علماءها من باكستان. وفيما تشعر الرياض بالراحة في التعامل مع الباكستانيين على صعيد مجموعة من العمليات المشتركة، إلا أن إقامة برنامج نووي بمساعدة باكستان، او الحصول على قنبلة مباشرة من إسلام آباد، يشكّل مجموعة من المخاطر على داخل البيت السعودي. وفي هذا الإطار، لا شك في ان أميركا، التي تمتد مظلتها النووية إلى السعودية، لن تكون راضية كليا عن اتفاق نووي بين الرياض وإسلام آباد. وهنا يستغرب كوك «كيف يأخذ الناس كلام الخليوي على محمل الجدّ.. هو يريد توجيه رسالة لإيران بأن العائلة المالكة تمتلك في أقبية قصورها السلاح طيلة هذه السنين، لكننا لا نسمع في هذه الأقبية سوى صوت الصراصير».

على الرغم من كونها تشكل حجة مقنعة لمن يدافعون عن نظرية ضرب إيران، إلا أن الأدلة تؤكد أنه إذا أرادت أميركا ضرب إيران فلسبب له علاقة بإيران، اما استخدام هذه الحجة فمرفوض لسبب بسيط: ليس هناك أي سبب للاعتقاد بان هذه البلدان تشكل خطرا نووياً.

كوك لم يكن وحيداً في جزمه بـ«سقوط أسطورة سباق التسلّح»، فقد حذا حذوه عميل الاستخبارات السابق بول بيلار الذي أكد أن «هناك ركيزتين أساسيتين في الحكمة التقليدية القائمة على التهويل من إيران، الأولى وهي أن امتلاك طهران للسلاح النووي سيجعلها أكثر إزعاجا وعدوانية في «الشرق الأوسط»، وهي حجة لا تصمد طويلا عند التدقيق في حسابات إيران ودوافعها، أما الثانية فهي ان امتلاك إيران للنووي سيؤدي إلى سباق تسلح في المنطقة، وهو ما استفاض كوك في شرح احتمالاته ودوافعه وهو ما أجده صحيحاً عند الحديث عن عدم وجود أي مرشح معقول للمنافسة».

حجة بيلار في موقفه تتلخص بالقول إن «أيا من المرشحين لا يمتلك البنية التحتية التي تؤهله لذلك، كما أن لدى هذه البلدان اعتبارات على الساحة الدولية كبيرة ولا سيما في ما يتعلق بالولايات المتحدة». ومن جهة ثانية، يحمّل بيلار المسؤولية في انتشار هذه النظرية لأميركا التي «اعتادت النظر إلى المخاطر الإيرانية بخيال مبالغ فيه».

[rouge]-[/rouge] [bleu]المصدر : صحيفة «السفير» اللبنانية.[/bleu]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2177253

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع تفاعلية  متابعة نشاط الموقع ريبورتاج   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2177253 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40