الجمعة 13 نيسان (أبريل) 2012

وداعاً بن بيلا

الجمعة 13 نيسان (أبريل) 2012 par أمجد عرار

برحيل أحمد بن بيلا تنطفئ شمعة أخرى من شموع الكفاح الوطني والقومي والإنساني التحرري ضد الاستعمار الذي ما أن يخرج من الباب حتى يعود من النافذة. بن بيلا عرفه الكفاح الجزائري في ذروة القهر الاستعماري الفرنسي المتجلي على شكل مجازر وشلالات دماء، شكّل أكثر من مليون شهيد روافدها ومداد حبرها لكتابة ملحمة ثورية حقيقية، تصدّت لمحاولات المستعمر المدعومة بالحديد والنار، لإفقاد شعب الجزائر جدوى كفاحه التحرري ودفعه للقبول ببقاء بلده مستعمرة فرنسية إلى الأبد.

صحيح أنه انتهج الاشتراكية اليسارية منهجاً عاماً ومن دون أرضية أيديولوجية محددة المعالم، إلا أنه حدّد مبكراً الهوية العروبية للثورة وميّز بين أصدقاء الثورة وأعدائها في الداخل والخارج، وأنشأ في سبيل ذلك خطاً تحالفياً امتد من الفقراء والفلاحين والقوى المعنية بالتغيير محلياً، مستلهماً تجربة وفكر ودعم الزعيم الراحل جمال عبدالناصر الذي كان أهم الداعمين لثورة الجزائر، وصولاً إلى التحالف مع المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي في ذلك الحين. وكان له أن ترجم منظومة الأفكار ترجمة عملية لمضمون الثورة التحررية عبر تأميم البنوك والأراضي التي استولى عليها وكلاء المستعمر ممن جمعوا ثروات طائلة من عمالتهم معه أو لمصلحته.

أدرك أن التعليم والثقافة قد يكونان جسراً بالاتجاهين، وقد يشكلان مدخلاً لعودة الاستعمار من بوابة اللغة والفكر، وعمل مبكّراً على تعريب التعليم في المدارس والجامعات، مستعيناً بعدد كبير من المعلمين من الدول العربية في إنشاء برنامج وطني للتعليم، وقد جوبهت تلك العملية بمقاومة مضادة من جانب وكلاء الثقافة الغربية، أولئك المنتفعين من بقاء الاستعمار على نحو مخفي.

بن بيلا، كغيره من القادة والزعماء، له ما له وعليه ما عليه، لكنّه بالمحصّلة العامة يمثّل نموذجاً مشرقاً للقادة الذين لم يبيعوا استقلال وطنهم الذي شيّدته دماء مليون شهيد، وظلوا حتى الرمق الأخير مخلصين لمبادئهم ولم يقايضوها بسلطة منزوعة الاستقلالية والكرامة. ويسجّل له أنه رغم فشل حزبه في الانتخابات التشريعية نهاية عام 1991، إلا أنه اعترض على إلغاء نتائج تلك الانتخابات، واعتبر مجلس الرئاسة الذي شكّل في أعقابها غير شرعي. ورغم كل الانتكاسات والنكوص عن مبادئ وقيم الثورة في بلاده، لم يتسلل الإحباط إلى نفسه، وظل يعمل جاهداً من أجل إنجاز المصالحة بين أبناء الشعب الجزائري من دون أن يكون له نصيب شخصي من منصب أو سلطة، انسجاماً مع نزاهة العمل الوطني الذي تخرّبه وتخدش شفافيته المآرب والمصالح ولعبة الكراسي.

بين الكفاح الثوري والعمل الحزبي وسجن الاستعمار الفرنسي والمنفى وقمة السلطة والعودة للسجن على أيدي رفاقه، تشكّلت شخصية هذا الرجل الذي سيذكره الجزائريون والعرب واحداً من أبناء الرعيل الأخير في حقبة النضال العربي الاستقلالي، قبل أن تتراجع الثوابت القومية من عقل الكثير من النخب السياسية في زمن تغلب عليه الأنماط الاستهلاكية والنزعات الانتهازية، ويحتل فيه الفردي مكان الجماعي والخاص محل العام.

بعد رحيل بن بيلا، لم يبق أحد من حقبة النضال الثوري ضد الاستعمار، ذلك النضال الذي ينشئ علاقة جدلية بين النضال الوطني والديمقراطي من دون فصل تعسّفي يلغي الثاني بذريعة الأول، أو يلغي الأول من أجل فتح الباب أمام استعمار يتّخذ أشكالاً محدّثة كبرامج الإنترنت.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2165868

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165868 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010