الخميس 12 نيسان (أبريل) 2012

عمر سليمان والآخرون : من يحـكم جمهورية قطاع الطرق؟

الخميس 12 نيسان (أبريل) 2012 par وائل عبد الفتاح

الحرب الآن على القناع. دولة لم تكن مدنية، ويريد فريق الحفاظ على مدنيتها، فيتوسلون لمدير استخبارات مبارك للعودة إلى إنقاذها. دولة لا تصلح أن تكون دولة دينية، أو إمارة إسلامية، وفريق الأمراء «الافتراضيين» تخيّلوا البرلمان ساحة من ساحات قندهار ... واجتهدوا في صولات وجولات، نشرت الرعب ليضاف إلى اليأس المنتشر بترنيمات كهنة الفرعون لمناداة كاهنهم الأكبر للعودة. الجنرال ميت، لكنّه يلاحق أميراً قندهارياً، يسعى الى موته، بينما الثورة في مكان آخر.

هل كان كل ما حدث خدعة لينتصر الجناح العسكري في نظام مبارك (مدير الاستخبارات/ قائد الجيش) على جناح العائلة؟ أم كانت الخدعة لمصلحة تمهيد الأرض لأمراء الدولة الإسلامية التي تعيد تدوير ماكينة الرأسمالية المتوحشة مصحوبة بالبركة القرآنية؟

الثورة لم تفعل حتى الآن إلا تحطيم الحواجز والأسوار، ليبدو اللعب على المكشوف، وتخرج الديناصورات من كهوفها، في حرب أخيرة. حرب حياة أو موت.

حرب من يضع قناعه على جمهورية الفرعون ... الجنرالات بمدير الاستخبارات أو مندوبهم الى الكرسي العالي، أو الإسلاميين بالكاهن السري لجماعتهم؟ حرب أقنعة ... ليس إلا.

[rouge]1[/rouge]

لم يصل عمر سليمان متأخراً. وصل بعدما اكتملت فصول الحرب النفسية التي جعلت المصريين «في انتظار البرابرة». وصل بعد طول انتظار لفقرة الساحر.

ترتيبات انتخابات الرئاسة كانت تتم وفق قواعد لم تختبر بعد، وفي صراع مع تقاليد أصبحت أقوى من الواقع في عرف الواقعيين أو المفرطين في واقعيتهم.

هؤلاء كانوا ينتظرون المفاجأة لتسقط من أعلى ... من حيث يجلس حكام مصر، المؤقتون، الذين ورثوا نظام عمل يجعل الجالس على الكرسي (صحيح أنّها أصبحت طاولة مستديرة يلتف حولها ١٩ لا واحد فقط) يتخيّل أنّه مدير عموم العناية الإلهية، والسياسة هي وحي أفكاره وتطبيق رسالته التي يبشر بها، أو يحكم باسمها.

الرئاسة كانت «أم المعارك» لكهنة النظام القديم، أي كهنته السريون وأجهزته الأمنية. هؤلاء هم بقايا الجنرالات المماليك ويريدون عودة جمهوريتهم، حيث القرارات تصدر من الغرف المغلقة.

من أجل الحفاظ على جمهورية ماتت ولم تدفن، اضطر المجلس العسكري إلى القبول بدخول «الإخوان» الى الصالون المفتوح قبل الوصول الى غرف الحكم.

دخول خطر، لكنّه مفروض على المجلس ليضمن بناء أسوار من الإخوان لحماية ركام جمهوريته. الإخوان لعبوا دورهم، وعندما أرادوا المزيد ظهرت لهم العين الحمراء، ولاحت لهم بشائر ١٩٥٤.

[rouge]2[/rouge]

لكن 2012 ليست 1954. إنّها مجرد حرب شهوات.

الجنرالات بلا رصيد، ولا خطاب هيمنة على مجتمع في انتظار مستقبل ... الثورة ليست ثورتهم، لكنّها ثورة عليهم، وخزانة خطاباتهم فارغة إلا من كلمات مستهلكة جوفاء بلا معنى.

والإخوان لعبوا اللعبة ليصلوا الى النقطة نفسها، وتصوّروا أنّهم لو ساروا على كتالوغ النظام القديم لحافظوا من أجل العسكر على استقرار يؤهلهم لإنهاء المرحلة الانتقالية كما خططوا لها بداية، من عودة الدولة الأمنية الى آخر إعادة ترميم الجمهورية التسلطية بوجهها الناعم المبشر بدولة «المؤمنين».

العسكر لا يريدون سوى السلطة، والإخوان بالنسبة إليهم هم اللمسة الدينية المناسبة لمجتمعات محافظة ما تزال تبحث عن الشرعية الدينية، رغم انتهاء دولة الخلافة، ورغم سقوط فكرة الحاكم الذي يعتبر نفسه نصف إله أو مندوب الآلهة على الأرض.

وفي كل مرة، يضطر العسكر فيها للّجوء إلى الإخوان باعتبارهم البديل المتاح، فإنّهم يكتشفون لهم أنياباً وشهوة للخطف أو المشاركة الفعالة في السلطة، كما حدث في ١٩٥٤.

بدت جمهورية الجنرالات مطمعاً للإخوان هذه المرة، فالجمهورية أطلال والجنرالات عواجيز، وهذه فوضى ما بعد سقوط الديكتاتور، وهذه هي الفرصة، وهنا تصادمت الشهوات، وبدا ما بدا من مؤشرات ذكّرت البعض بسيناريو ١٩٥٤.

المدهش طبعاً أنّ بيان المجلس العسكري أشار الى التاريخ «كأنّه» يهدد ، وهو بالفعل «كأنّه»، لأنّ التاريخ لا يعيد نفسه، ونحن الآن لسنا في ١٩٥4، فاللحظة الكبيرة في ثورة «٢٥ يناير» كانت لحظة الأيام الـ ١٨ في ميدان التحرير. هي المقياس والموديل للتغيير. الموديل الذي حاول تحطيمه العسكر والإخوان كل بطريقته، لكنّهما التقيا في تنفيذ خطة «شيطنة» الثوار، ونشر الرعب واليأس. وهي الخطة التي تنتهي عند العسكر دائماً. وهنا اكتشف الإخوان أنّهم يعودون الى الدور نفسه الذي كانوا يلعبونه أيام مبارك، لكن هذه المرة على مسرح أوسع، وفي غياب نجوم مبارك. عليهم إذاً أن يلعبوا دور النظام القديم ومعارضته في الوقت نفسه.

اللعبة فشلت، ولم تعد تصلح إلا كدراما في مسلسلات أميركية مصنوعة على الطريقة التركية، لأنه لا العسكر أسد سيفترس الجميع في نهاية المسرحية، كما فعل ضباط ١٩٥٤، ولا الإخوان ذئب يمكنه أن يدخل في تقسيمة باكستانية (برعاية أميركية) ولا حرب على الطريقة الجزائرية.

سيظل صدام الشهوات مستمراً، بدون حسم نهائي، ولا نقطة نهاية. عرض مفتوح أغلبه مملّ، وبين الحين والآخر تنتابه لحظات من التشويق والإثارة.

ماذا ستستفيد قوى الثورة من لحظات التشويق في هذا الصدام؟ هل تنحاز الى العسكر لتوقيف خطف الدولة؟ أم تنحاز الى الإخوان لكي لا يعود العسكر؟

أولاً، هذا الصدام لا شيء فيه غير السلطة، ولا هدف منه إلا الاستيلاء وليس الوصول الى السلطة، إذ إنّ الوصول الى السلطة لا يعني أن تبني الدولة وفق أحلام جماعتك، وإن حازت الأغلبية الآن.

الدول لا تسرق ولا تخطف، ولكن تبنى وفق ما يحفظ للأجيال القادمة مساحات مفتوحة للحياة والتنمية، لا وفق أسوار يبنيها المشير بسلطانه العسكري، والمرشد بسطوته الدينية على أتباعه. كيف يمكن أن تبني جماعة تقوم على السمع والطاعة دولة حديثة؟ كيف يمكن عقليةَ الثكنة أن تبني دولة لا تسيطر عليها في النهاية مافيا محميّة بالقوة؟

كن في جماعتك كما تريد، لكن لا تسرق الحلم بإقامة دولة تحقق مبادئ الثورة «عيش ... حرية ... عدالة اجتماعية». كن في ثكنتك ملكاً كما تريد القوانين العسكرية، لكن عد إليها ونفذ مهمتك في الحماية لا في الحكم.

هذه أحلام الثورة، ومكانها في حرب الشهوات بين العسكر والإخوان، لا تستدعي العسكر لتوقيف شهوة الإخوان المجنونة، ولا تثق في عودة الإخوان الى الثورة فإنّهم في رحلة هروب من مصير ١٩٥٤.

لدى الثورة موديل الأيام الـ 18. لا جماعة ولا حزب ولا كتيبة قادرة على بناء جمهورية جديدة. إنّها مصر الحديثة، بمخزونها الحضاري الهارب من انحطاط مبارك وسنواته العجاف، ومجتمعها المتعدد الثقافات والطبقات والأديان. لم يكن في الميدان ملائكة بأجنحة.

لكنّها لحظة اكتشف فيها المصريون نموذجاً لحياتهم السياسية والاجتماعية. نموذج لم يتوان الإخوان والعسكر عن محاولات تحطيمه.

هل تقع الثورة في حرب الاستقطاب؟ هذه الاستقطابات تبحث عن جمهور. والثوار في النهاية ليسوا جمهوراً للفرجة على حرب الأسد والذئب.

[rouge]3[/rouge]

الأرضيّة مفروشة للساحر باليأس. أجهزة جمهورية المماليك نشرت أنّ الانتخابات ستتم بإرادة المجلس العسكري، ولا أحد غيره. يجعل ذلك توقّع كل شيء وأي شيء بما في ذلك التزوير، وخاصة بعد غياب الرقابة المحلية والدولية على الانتخابات القادمة.

الانتظار إذاً ليس للساحر، ولكن لعودة السحر القديم الذي كان يجعل المصريين يجلسون في بيوتهم انتظاراً لأن يفتح الكهنة الأبواب المغلقة، ويظهر من خلفهم رئيس هابط عليهم كالأقدار.

ماذا سيفعل الساحر بعدما أصابته الشيخوخة بالوهن؟ هل يخاف النزول من على الخشبة؟

الساحر يظهر إذاً من خلف الضباب، مشهد مثير، لكنّه مع شيخوخة الساحر، وثقل الضباب، فإنّها مزحة سخيفة أن يتصوّر أحد، مهما كانت قوته، أنّ الروح التي انطلقت في الشوارع يمكن مصادرتها في علب جاهزة مكتوب عليها: هنا كانت الثورة.

هذه الروح قلقة الآن.

رغم أنّ هناك تحالفات واسعة لنشر اليأس، بداية من إعلام ينشر الكراهية لروح التغيير الجذرية، وإلى ترتيبات انتخابية تبحث عن الفلول لكي تضمن النجاح، وبينهما جمهور واسع ينتظر أن تلمسه الثورة ببركتها، لكنّه يري يقظة العناصر القديمة للنظام. يقظة على طريقة «مستر x» الذي لا يموت أبداً.

الضباب ثقيل، ويبدو معبراً عن صراع بين ربيع شاب، لا يملك خبرة، وخريف تتجمع خلف أطلاله كل القوى الخائفة من الاندثار.

[rouge]4[/rouge]

الإخوان لم يعد لديهم إلا غريزة البقاء.

دراما الصراع على السلطة تدفعهم يومياً الى اختيارات صعبة، وأصعبها كان دفع خيرت الشاطر الى سباق الرئاسة.
«ابتلاء»، كما كتبت إحدى بنات الشاطر على تويتر، وكما ظهر على وجه الشاطر في المؤتمر. فهو الرجل الغامض، الكبير المقيم في كهف بعيد عن اللمس، بيده أمر الجماعة، ينسج شبكتها المالية ويعقد صفقاتها ويجيش كوادرها للمستقبل.

هؤلاء زادت حماستهم الى درجة تصميم دعاية على صفحات فايسبوك يصفون فيها الشاطر بأنّه «يوسف هذا العصر»، الذي خرج من الأسر الى حكم مصر.

حماسة لا تعبر عن ثقة، بل عن شعور غير معلن بالمأزق الكبير لجماعة ترى أنّها تعيش فرصتها الأخيرة في الوصول الى سلطة تسعى إليها منذ 84 سنة.

يتصور شطار الجماعة أن السلطة «مكافأة» والحكم سيكون بـ«شرعية» الضحية. وهذا ما أفقدهم الحكمة القديمة وفطنة الوجود في قلب الحياة السياسية وليس على طرفها.

لكن الجماعة سارت المشوار الى آخره، وواجهت التغيرات الجديدة بعد الثورة بمشاعر «استعلاء» عوضت بها أمام جمهورها الغياب عن اللحظات الأولى والمواجهات التي كسرت حاجز الخوف.

الاستعلاء عوض الغياب الأول، لكنّه صنع فجوة كبيرة تجعل الجماعة وحدها الآن في مواجهة الجميع.

لماذا أعلن الشاطر ترشيحه من الجماعة وليس من الحزب؟ غالباً لأنّ هناك رغبة في إعلان وجود للجماعة، باعتبارها كياناً فوق السياسة، وخارج السيطرة الرسمية. كيان يريدون الإيحاء بأنّه مقدس وسرمدي خارج الزمن، تتوالد منه الشخصيات والكيانات (الأحزاب وخلافه) لكنّه الأبقى.

الشاطر هنا لإنقاذ التنظيم أو تنفيذاً لأوامر حراسه القدامى الذين ينتمون غالباً إلى الفرع القطبي (نسبة الى سيد قطب). وهم الى جانب وصولهم الى عمر الشيخوخة، يفتقرون الى حساسية اللحظة الراهنة. حتى إنّ المرشد، وكعادته في قول الكلام المثير للضحك، لم يجد ما يدعم به فرصة الشاطر، إلا أنّه صاحب دعوات مستجابة، وأن مبارك سقط بهذه الدعوات.

الاعتماد على الجانب الخرافي في السياسة هو جزء أصيل من عقل الجماعة. لكن عندما لا يجد المرشد غير ذلك لدعم مرشح الرئاسة، فإنّه يحاول بشكل كوميدي إعادة ترميم الجماعة، بعد كشف عجز هذا الجانب الخرافي أمام الممارسة اليومية للسلطة.

ترشيح الشاطر ليس انتصاراً، لكنّه هروب من هزيمة قادمة، في صراع الديناصورات بين الجماعة والمجلس العسكري.

وهنا يمكن أن نفهم معنى انقسام مجلس شورى الجماعة عند التصويت على ترشيح الشاطر: بين من يرون أنّ الخروج من المأزق هو «تهدئة» اللعب والعودة خطوة الى الوراء، وبين من يرون أنّ الخطر يعني التقدم الى الأمام واللعب بكل الأوراق دفعة واحدة.

كتبت على تويتر بعد لحظات من إعلان خبر الشاطر: «... إنّها المغامرة الكبرى ... الإخوان قرروا اللعب بكل الأوراق». وكتبت أيضاً إنّها «الديناصورات تتناطح ... ونسمع صرخاتها الأخيرة». الإخوان تدربوا على حماية التنظيم عندما كان محشوراً في دور «الضحية»، لكن مهارتهم عجزت مع الحركة خارج مجال الضحية والرغبة في شراكة الديناصور العسكري. لم تكن صفقة ولا تحالفاً بين العسكر والإخوان، لكنّها رغبة في احتواء القوة المنظمة ضمن عملية ترميم النظام كله، لأنّ الإخوان في النهاية ليسوا من أنصار جمهورية جديدة، ولا تغيير النظام. هم إعادة إنتاج النظام القديم (نظام الوصاية المتسلط) بصيغة دينية. فالشاطر مثلاً رجل أعمال، أو تاجر، لا أفق سياسياً له إلا مشروع جمال مبارك وأحمد عز. ربما يكون الاختلاف الوحيد أنّ الشاطر لم يختبر بعد.

لا أحد يعرف مجال نشاط الشاطر ولا حدود مملكته التجارية. هو ترس جديد لماكينة لا تختلف عن ماكينة الاقتصاد في عصر مبارك، أي الرأسمالية في صورتها المتوحشة، حيث لا حقوق للعمال ولا حدود لحركة رأس المال إلا بما يراه «وحوش» السوق. وحوش غالباً ما تقتصر أعمالهم على أنهم «وكلاء» لشركات كبرى في الغرب أو الشرق، على حسب الهوى السياسي.

رأسمالية الوكلاء ليست رأسمالية تبني دولاً، لكنّها تبني أسواقاً لرأسمالية أخرى، وهذا ما كان يفعله شطار مبارك، الذين دخلوا مبكراً في منظومة الفساد.

شطار الإخوان لا يختلفون إذاً إلا في أنّهم يحملون «البركة» أو يمتلكون ميزة «الدعوات المستجابة».

الشاطر ليس «النبي يوسف الجديد»، إلا بالنسبة إلى الجماعة. هو فرصتها في العبور من النفق، وحقنة الأمل لجمهور الجماعة الموعود بالوصول قريباً الى الأستاذية وحكم العالم.

الجمهور سيكون في مأزق بعد أن يطير حلمه بخروج الشاطر من السباق (لأسباب قانونية تتعلق بأحقيته في المشاركة السياسية بدون رد اعتبار من المحكمة وليس مجرد العفو من المشير). ماذا سيفعلون بعدما أصبحوا «البرابرة» الذين ينتظرهم المصريون برعب. ينتظرون من أجله الساحر. انتظار البرابرة أم الساحر؟ من البرابرة ومن الساحر؟

الشاطر أمير البرابرة أم ساحر سيبني دولة الإسلام؟

وعمر سليمان، هل هو ساحر أم البربري عندما يغيّر بدلته؟

[rouge]5[/rouge]

خروج عمر سليمان من جحره دليل على أنّ النظام ميت، ولا يخرج منه إلا كائنات ميتة.

الرجل الذي انتظرته مصر سنوات وهي عاجزة ضعيفة مستضعفة، وانكشف في أقل من 5 أيام عندما ثارت مصر، وكسرت حاجز الخوف، وحطمت الأقفاص التي كان عمر سليمان نفسه أحد صناعها.

الرجل الذي قال إنّ الديموقراطية ليست من ثقافة المصريين يريد أن يقفز على أكتاف الثورة بالديموقراطية.

الرجل الذي قال عودوا الى دياركم، يخرج الآن من داره التي اختبئ بها خوفاً من محاكمته كمجرم سلطة أقام حرباً ضد الشعب ليضعهم رهن طاعة سيده الذي حكم مصر 30 عاماً. عمر سليمان هو صانع الأقفاص، ومروّض شعوب، يأتي بعدما تمرد الشعب وخرج من القمقم.

لماذا يعود؟ لأنّه يريد الدفاع عن نفسه وعن نظامه الذي فشلت محاولات ترميمه، ويلعب الآن لعبة «الموت والحياة» بلاعب عجوز، كان من المفروض أن تتم محاكمته بعد الثورة؟

عمر سليمان ليس أقل من مجرم تستعين به ليحمي بيتك من لص عابر فيطردك أو يحولك الى خادم لدى أسياده. هذا هو العبث الذي يتحول الى واقع فعلي.

من كان يتخيّل أنّ عمر سليمان سيظهر بعدما أصبح «الراجل اللي واقف وراه» أشهر منه؟ من كان يتخيل عودة رمز عهد الاستبداد ليكون أول رئيس بعد الثورة؟

ظهر عمر سليمان بعدما تحوّل الإسلاميون الى فزاعة فعلاً. لم تحتج الأجهزة الامنية إلى شيء إضافي لتؤكد لكل فرد عادي أنّ البلد سيخطفه قطاع طرق يرفعون راية «شرع الله»، يكذبون ويكذبون، ويقولون إنّهم أنبياء جدد، أو هم مبعوثو الخلافة الإسلامية؟

هناك طبعاً قطاعات في المجتمع ستقول لنفسها «ما دمت سأخطف تحت حكم قاطع طريق، فلماذا أجرب الجديد والقديم حي يرزق وفيه الروح؟».

قطاعات أخرى ستضمن عودة مصالحها، ودوران عجلة الفساد من جديد بعد تشحيمها بكل ما لدى عمر سليمان من وصفات قديمة، وتجمع للاعبين الذين اختفوا من الواجهة بعد الثورة، لكنّهم يلعبون بأموالهم لتحويلها الى «سلعة» متداولة بين الجميع.

لهذا تعامل عمر سليمان على أنّ الثورة يتيمة في سوق الذئاب، وأعلن أنّ ترشيحه هو استكمال للثورة أو انتصار لها. وهذا ما يثير الغثيان، لأنّه يعني أنّه ما يزال يتصور أنّ الشعب ساذج ويمكن الضحك عليه.

عمر سليمان ابن الذعر. ابن الدولة الأمنية التي لم يعد لديها مندوبون علنيون سواه هو وتوفيق عكاشة ومصطفي بكري.

يتصورون أنّ الخوف من طالبان يمكن أن يقود الى القبول بحارس الفرعون الأخير.

خروج عمر سليمان من جحره ليس مصلاً، لكنّه محفز لتطوير جهاز المناعة ضد كل القوى الساعية إلى بناء جمهورية وصاية، سواء على طريقة الشاطر وإخوته ومنافسيه، أو عبر إعادة إحياء الديناصور الذي مات وشبع موتاً.

عمر سليمان هو إحياء ميت ... أو انتظار الإنقاذ من قاتلك. الشعب في الحقيقة خائف من أمراء قندهار وإسلام المانيفاتورة، لكنّه خوف المنتظر للموت فيختار الانتحار.

[rouge]6[/rouge]

عمر سليمان عاد كما ذهب. رجل أمن من طراز لم يعد قادراً على تحقيق الأمن.

يهدد الجميع بفتح الصندوق الأسود، وصندوقه فارغ، إلا من الأوراق القديمة، ولم يعد يملك إلا الخديعة يحكم بها.

كان لا بد من أن يحاكم عمر سليمان على كتمانه للأسرار، وعدم اعترافه بجرائم النظام.

الثورة لم تقم من أجل إعادة التجربة الرومانية أو الروسية فيحتل مدير الاستخبارات مقعد سيده، أو يحافظ مجلس الديناصورات الميتة على نفوذه وقوته، رغم رائحة موته النفاذة. هم ميتون ويريدون حكم شعب عاد للحياة بعد غيبوبة ٦٠ سنة في متاهات الجمهورية الأبوية.

عاد عمر سليمان عكس حركة التاريخ.

الثوار حركوا التاريخ لتحطيم دولة الفرعون وكهنته. أياديهم ما تزال غضة، وطرية، لكن أرواحهم تكسر سوراً وراء سور، كلما انهارت دولة الأسرار، بعدما دخل المجتمع على الخط. لكن حراس الأسرار يعملون، وتجار الدولة يخرجون الآن ليبيعوا الخوف. يقول عمر سليمان: لا بد أن تعود هيبة الدولة. ونحن نقول له: لا بد أن تعود الدولة التي خطفتها عصابة كانت في حمايته. لا بد من التخلص من العصابة لا البحث عن رئيس جديد للعصابة.

إنها حرب قطاع الطرق، وليست انتخابات الرئاسة.

والدولة التي أرادتها الثورة ليست دولة مماليك تبحث عن مملوكها الكبير، أو الفتوة الذي سينزل ليعيد الفتوة الإسلامي الى تحت الأرض.

سيّد عمر، لا نبحث عن «فتوة»، نبحث عن دولة لم تكتمل بسبب حرب الشهوات بين الجنرالات والمشايخ، بين المستبد القديم والمستبد بـ«شرع الله». الثورة في مكان آخر.

ليست لعبة للاستخدام بينكم وبين الشاطر وفرقته. ليست غنيمة تقدرون على خطفها لأنّكم تملكون مؤسسات الدولة بوضع اليد أو مؤسسة السلاح.

ضحى الشهداء بأرواحهم وغامر آلاف الشباب بحياتهم لكي لا نرى وجوهكم الكئيبة، ولنتخلص من أرواحكم الشريرة.

ماذا تفعل مصر أكثر من التضحية بالدم والروح والحياة للتخلص منكم؟

دفعنا فاتورة المستقبل، وتريدون أن نعود إلى الماضي. ماضيكم القريب خوفاً من ماضٍ أبعد وأكثر ضراوة.

بضاعتكم لا مكان لها. لن يقبل أحد بعد الآن بالأمن مقابل الكرامة، ولا بالقهر مقابل الحماية من غزاة الصحراء وتجار الشنطة.

الشاطر وجماعته أرادوا خطف الدولة وفرض قوانينهم على الجميع. قطعوا خطوط الاتصال مع الثوار والقوى الجديدة التي أعادت الحيوية لمصر. تخيّلوا أنهم في لعبة «بنك الحظ»، وأنّهم يستحقون الآن الفوز بكل شيء، والانقلاب على الدولة الحديثة.

خيال الشاطر وجماعته محدود، وواقعيته مشوارها قصير، لأنّ اللعب بمنطق الخطف يعني العودة الى الجمهورية القديمة وقانون المماليك. وإذا لعبت مع المماليك فاعرف أنّ الخنجر هو القانون الوحيد.

وعمر سليمان يحتكر توكيل الخناجر منذ زمن. وها هو ظهر بشارب غير مصبوغ ليعلن أنّ الصندوق الأسود معه. وسيترككم تصرخون في البرلمان المختطف تطالبون بعزل الفلول، بعدما فات أوان العزل، وبعدما دخل الفلول في حماية المجلس العسكري.

ها هو اللواء الذي أرسلتم له التحية في أول يوم هو وبقية الـ «١٩ مبارك»، يقف بدبابته على باب المجلس ويقول لكم: اللعبة انتهت ... نحن ولا أحد غيرنا.

اللعبة لعبتهم لو كنتم تعلمون، وشرعية الغالب غير شرعية الأغلبية. وعندما تضع ذراعك في فم الأسد لا تخرج باكياً، أو تتصوّر أنّ الولولة ستعيد ذراعك.

هكذا لم يجد عمر سليمان إلا مصطفى بكري ليروي له محاولات اغتياله من القوى الإسلامية. نفسه مصطفي بكري الذي هتفتم خلفه «البرداعي عميل»، وصفقتم من أجل أن يستمر معززاً مكرماً. هو يعلن أمام الجميع أنّ شرعيتكم وأغلبيتكم بلا قيمة في ظل شرعية الكاكي التي منحها المجلس الموقر قبلات الحياة.

الثورة هي في مكان آخر. لن تستحضر عمر سليمان لتقتل الشاطر، ولن ترفع الشاطر ليحارب عمر سليمان.

الثورة هي سقوط كل من يريد إعادة بناء جمهورية الوصاية والتسلط والرأسمالية المتوحشة. الثورة ضد قطاع الطرق من كل طرف.

عمر سليمان الديناصور الميت يحارب الشاطر الديناصور الذي في طريقه الى الموت. كلاهما يجمع أسلحته وينادي جيش الاحتياطي، ليحافظ على البقاء ... بينما الثورة في مكان آخر ... فعلاً.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 22 / 2165303

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2165303 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 22


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010