الخميس 12 نيسان (أبريل) 2012

«الإخوان المسلمون» يمارسون التطبيع

الخميس 12 نيسان (أبريل) 2012 par د. فايز رشيد

بدايةً، من الضروري الإشارة إلى أن رفض مجلس النواب المصري الذي يسيطر عليه «الإخوان المسلمون» والسلفيون، الوقوف دقيقة حداد على روح البابا شنودة، بدعوى أنه كافر هو خاطئ خاطئ، ونموذج لتراجع «الإخوان» عن كل وعودهم السابقة باحترام الغير من القوى الأخرى، وهو مثال حي لمسيرة «الإخوان» في حالة سيطرتهم على الحكم في هذه الدولة العربية أو تلك، ودليل نهج على عشقهم للسيطرة والتفرد والاستئثار وإقصاء الآخرين من القوى الوطنية والقومية والليبرالية واليسارية. هذه القوى التي كانت حقيقةً وراء الحركات الجماهيرية الشعبية أو فيما اصطلح على تسميته بــ«الربيع العربي». قلناها في مرّة سابقة في مقالة بعنوان «الإسلامويون والحكم» وعلى صفحات هذه الجريدة : أن من الصعوبة بمكان إن لم يكن من المستحيل على «الإخوان المسلمين» في أكثر من بلد عربي، الإيفاء بوعودهم التي يقطعونها على أنفسهم فيما يتعلق بالسلطة والحكم، وذلك أن هذه الأحزاب تقاتل من أجل السلطة والحكم، وهذا من حقها. سيما وان صناديق الاقتراع في انتخابات أكثر من بلد عربي أعطتها الأولوية. «الإخوان المسلمون» في مصر والذين تخلفوا في بداية ثورة «25 يناير» عن الالتحاق بالركب الجماهيري، ولما أيقنوا من النجاح، ركبوا موجة هذه الثورة.

من الصعوبة على «الإخوان المسلمين» الالتزام بوعودهم فهم الذين قالوا في مصر :

بأنهم لن يقوموا بترشيح مرشح للرئاسة ثم قاموا بالتراجع عن هذا الوعد،وسموا مرشحاً. وهم الذين وعدوا بعدم السيطرة على لجنة صياغة الدستور المصري، ومارسوا العكس، الأمر الذي أدى إلى انسحاب كل القوى الأخرى من هذه اللجنة، بما في ذلك الأزهر والكنيسة القبطية. في داخل «الإخوان المسلمين» في مصر اتجاهان متعارضان، أحدهما مع الترشيح، والثاني يقف ضده، وقد كان صريحاً في التعبير عن رأيه. إضافة إلى أن الجماعة كانت قد فصلت عبد المنعم أبو الفتوح من بين صفوفها، لأنه تجرّأ وأعلن ترشيحه للرئاسة.

صحيح أن هناك ظروفاً مختلفة «للإخوان المسلمين» في مختلف دول الحراك العربي، لكن تجربة «الإخوان» في كل من تونس والمغرب تسير بسلاسة بعيداً عن التفرد والاستئثار والهيمنة وإقصاء الآخرين، لكن من الصعوبة بمكان الحكم بشكل نهائي على مسيرة «الإخوان» في هذين البلدين.

«الإخوان المسلمون» في ليبيا هم قوة صاعدةً بسبب أن القذافي منع كافة الأحزاب من العمل. «الإخوان المسلمون» في مصر لهم تاريخ عريق، عنوانه : العمل الدؤوب من أجل تسلم السلطة، ولهذا السبب حاولوا احتواء ثورة 23 يوليو، وحاولوا اغتيال الزعيم الوطني والقومي العربي جمال عبد الناصر. «الإخوان المسلمون» في الأردن عملوا في أوج الهجوم على كافة القوى الوطنية والقومية واليسارية ومنعهم من ممارسة النشاط، واعتقال المنتمين لها. وفي يوم الأرض الأخير وفي المسيرة الجماهيرية إلى الغور، حاولت جماعات منهم الاعتداء على حاخامات من «ناتوري كارتا» المعادين للصهيونية و«إسرائيل» والمؤيدين للحقوق الفلسطينية. «الإخوان المسلمون» فنانون في ركوب موجات حركة الجماهيرية العربية. «الإخوان المسلمون» في فلسطين استولوا على السلطة في قطاع غزة، كانوا يزاودون على السلطة الفلسطينية في عدم ممارستها للمقاومة الفلسطينية، وبعد أن جاءوا إلى السلطة (وهي أيضاً سلطة محتلة أي تقع تحت الاحتلال) وصلوا إلى التهدئة مع «إسرائيل»، وتخلوا عن نهج المقاومة رغم التمسك اللفظي بها، واعتقلوا ويعتقلون كل من يمارس المقاومة نهجاً وواقعاً. احتضنتهم سورية في الوقت الذي حاربهم فيه الآخرون، وقاموا بطرد قيادات منهم، وفي الأزمة السورية خرجت قيادتهم من سورية بقرار من الهيئة العامة «للإخوان المسلمين» في العالم، المؤيدة للمعارضة السورية. أدنى حدود الوفاء لسورية وخصوصية القضية الفلسطينية كشعب محتلة أرضه ويناضل ويكافح من أجل حقوقه، كانت تقتضي من «حماس» الوفاء لسورية لكن «حماس» هي أولاً وأخيراً جزء من حركة «الإخوان المسلمين» في العالم. تيار من «حماس» مثل تيار آخر في «فتح» والسلطة الفلسطينية يعمل على تعطيل المصالحة الفلسطينية.

لقد تبين حالياً : أن الاتصالات بين «الإخوان المسلمين» والولايات المتحدة الأمريكية جرت بحرارة قبل «الربيع العربي»، وبعد الانتخابات في دول هذا الربيع، زادت هذه الاتصالات. كان الهدف الأمريكي وما يزال هو احتواء الحراك الجماهيري العربي، لذلك حاولت أمريكا احتواء دول هذا الربيع. في هذه البلدان زادت الولايات المتحدة من اتصالاتها بـ «الإخوان» في مختلف الدول العربية. هذا ما أكده مسؤولون أمريكيون متعددون من بينهم وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون. فجأة أصبح لا مانع عند الولايات المتحدة من تسلم هذه الأحزاب للحكم في بلدانها. أوساط «الإخوان المسلمين» لم تنف هذه الاتصالات وأكدتها. مهم لأمريكا مسألتان : عدم رفع راية العداء لها في بلدان الربيع العربي أولاً، والمحافظة على الاتفاقيات مع «إسرائيل» وبخاصة اتفاقية «كمب ديفيد». «الإخوان المسلمون» في مصر أكدوا تمسكهم بكافة الاتفاقيات التي أبرمتها مصر مع دول العالم. بمعنى آخر: أي أن «الإخوان المسلمون» بطريقة أخرى لن يلغوا هذه الاتفاقية، بالرغم أن الشعب المصري عن بكرة أبيه يقف ضد هذه الاتفاقية.

مؤخراً: عقدت مؤسسة «كارينغي للسلام الدولي» مؤتمراً بعنوان «الإسلاميون في السلطة» دعت إليه قيادات من «الإخوان المسلمين» في بعض الدول العربية (مصر،المغرب،الأردن،تونس،ليبيا).

هذه القيادات التقت أيضاً في وزارة الخارجية الأمريكية بوليام بيرنز مساعد وزير الخارجية الأمريكية. وفي القراءة لما قالته هذه القيادات في المؤتمر المذكور، وبغض النظر عن اختلاف الظروف في بلدانها والخصوصيات الذاتية لكل منها، إلا أن لغة مشتركة ظهرت بينها، عنوانها يتمثل : بالقيام باللعبة الديموقراطية وتداول السلطة والتعددية السياسية والعسكرية والخروج من عهد الاستبداية وعدم القبول بالعودة إليها، وبالتأكيد على رفض مبدأ «الحزب الواحد» وتدخل الأمن بالحياة العامة في النظم الجديدة والاهتمام أكثر بالأمن والتنموي المقلق ومحاربة الفساد وبموقف تقدمي من المرأة والأمن.

بالتأكيد: ما قالوه هو كلام جميل، لكن هناك فرق هائل بين الكلام النظري والتطبيق، فما نراه على أرض الواقع في مصر يناقض هذا الكلام جملةً وتفصيلاً. وحول العلاقة مع «إسرائيل» قال الوفد المصري في المؤتمر: بأنه أعلن التزامه بالاتفاقيات الموقعة (بالطبع منها كامب ديفيد) لكن هذه المعاهدات لا تشكل بالنسبة له أولوية، فهناك القضايا الاقتصادية الملحة، لكن هذا لا ينفي أن المسألة متروكة للشعب المصري في حال قرر مستقبلاً تثبيت أو إلغاء أي معاهدة موقعة. ما نود أن نقوله لصاحب هذا الرأي: أن إحدى الشعارات الأساسية التي طرحتها الثورة المصرية : إلغاء «اتفاقية كامب ديفيد»، ولذلك حاصر الشعب المصري السفارة «الإسرائيلية» في القاهرة، وقام باقتحامها. الشعارات ضد «كامب ديفيد» جرى رفعها في الثورة التونسية وفي ليبيا وفي مظاهرات المغرب. في نفس السياق تأتي الأجوبة على الأسئلة الأخرى، التي جرى طرحها في المؤتمر.

من الصعب، بل من الاستحالة بمكان على «الإخوان المسلمين»: تنفيذ الكلام الذي يقولوه، ويوعدون به. هذا ما رأيناه منذ بدايات تجربتهم في مصر، هذا أولاً وثانياً: فإن الأيديولوجيا التي ينطلق منها «الإخوان المسلمون» هي الأيديولوجيا المتشددة فيما يتعلق بالسلطة وليست الأيديولوجيا المنفتحة على الآخر، ثالثاً فيما يتعلق بالمزاوجة ما بين الاعتناق الفكري الأيديولوجي والتنكتيك السياسي، فإن «الإخوان المسلمون» يمارسون التكتيك القصير الأمد، تماماً مثل التكتيك الذي مارسوه في مصر وانكشف سريعاً، بالتالي فإذا ما سار «الإخوان المسلمون» بالتكتيك السياسي الذي قالوه في المؤتمر المذكور، فسيصبحون حزباً غير الحزب الذي اعتنقوا أيديولوجيته وسيصبحون شكلاً مسخاً لحزب جديد.هذه هي الحقيقة.

الطريق أمام «الإخوان المسلمين» مازال مفتوحاً. ننصحهم بالابتعاد عن سياسات التفرد والإقصاء وتكفير الآخرين، والاستئثار والاستهانة بالقوى الأخرى، فهذه المرحلة هي انتقالية بامتياز، ولذلك يتوجب تجميع كافة القوى (لا تفريقها) في جبهة واحدة على القواسم المشتركة. يبقى القول أن «الإخوان المسلمين» يمارسون التطبيع بامتياز.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 33 / 2165918

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165918 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010