الأحد 8 نيسان (أبريل) 2012

«إخوان» مصر : خطوات اضطرارية أم انتحارية؟

الأحد 8 نيسان (أبريل) 2012 par علي جرادات

كان خليقاً بقيادة حركة «الإخوان» المصرية، قبل، وأكثر من، غيرها أن تحسب كل حساب، وأن تَزِنَ بميزان الذهب قراراتها قبل الإقدام على أية خطوة تنطوي، (صراحة أو ضمناً)، على إدخال الحركة في مغالبة مع المجتمع المصري بشقيه السياسي والمدني اللذيْن فتحت لهما ثورة 25 يناير باباً واسعاً لصيرورة انطلاقٍ وازدهار كبحتها عمليات التجريف والتصحر التي تسبب بها، وقادها على مدار ثلاثة عقود ويزيد نظام الاستبداد والتبعية والفساد والتفرد والإقصاء، أما لماذا كان هذا هو السلوك الخليق بقيادة حركة «الإخوان» المصرية؟ فلأن فيه وبه من الأسباب التي يمكن أن تلتقي عبرها، وتتحقق من خلالها، مصلحة الحركة ومصلحة مصر الدولة والوطن والشعب والمجتمع، ولعل أهم هذه الأسباب هي :

1- دون هذا السلوك يغدو مجرد شكل من الخيال التوق إلى تبديد ما أثاره صعود الحركة من مخاوف مشروعة، سواء بسبب الشك في تخلصها، (فعلاً وكلياً)، مما اختزنته ثقافتها السياسية من نزوع إلى السيطرة والاستئثار والإقصاء، أو بسبب ما في تاريخها من لجوء إلى المغالبة الفئوية والصدامات السياسية، كان أخطرها على الحركة ومصر، (وفقاً حتى لمراجعات بعض قادتها)، ما أقدمت عليه من صدام سياسي مع قيادة الثورة الوليدة بقيادة عبد الناصر في أواسط خمسينات القرن الماضي، أو بسبب اليقين بأن ثمة داخل الحركة، (كأي حركة سياسية أخرى)، اتجاهات تفكير متباينة تجاه العديد من القضايا المفصلية، وبالذات تجاه الموضوعة الديمقراطية بشقيها السياسي والمجتمعي.

2- دون هذا السلوك يغدو بالتمني أشبه، تجنب تعريض مصداقية الحركة والثقة السياسية والشعبية الممنوحة لها للتهتك والطعن، خاصة بعد ما قطعته على نفسها من وعود معلنة بأنها لن ترشح أيّاً من قادتها لانتخابات الرئاسة، وأنها لن تجنح للسيطرة على لجنة صياغة الدستور الجديد، وأنها لن تُغالِبَ أحداً من ألوان الطيف الفكري والسياسي الوطني، وأنها لن ... إلخ، من وعود انتهاج سياسة المشاركة الديمقراطية والتوافق الوطني سبيلاً وحيداً لمعالجة قضايا الوطن والشعب المصيرية الملقاة على عاتق سلطة ما بعد الثورة التي لم تحظَ هي، ولا أي من حركات المعارضة المصرية الأخرى، بشرف إشعال شراراتها الأولى، أو قيادتها، أو طرح برنامجٍ وطني ديمقراطي شافٍ لمعالجة قضايا مرحلتها الانتقالية تحديداً، علماً أن المراحل الانتقالية هي الأخطر على الدول بعامة، فما بالك على الدولة المصرية بكل ما لها من وزن وتأثير في محيطها القومي، وبكل ما يحيط ويتربص بها من أعداء إقليميين ودوليين، (وفي مقدمتهم «إسرائيل» ومَن يرعاها)، يعملون في السر والعلن على ألا تشكل ثورتها فاتحة لنهوض ديمقراطي ووطني وقومي، يخلصها من تركة ثلاثة عقود ويزيد من ممارسات نظام الاستبداد والإقصاء والتفرد.

3- دون هذا السلوك يصعب، (كي لا نقول يستحيل)، ضمان توافر وحدة الطاقات الوطنية وتماسكها التي دونها هراء ما بعده هراء أي حديث عن إمكان الوفاء بتلبية الآمال العظيمة المعقودة، والتصدي للأعباء الثقيلة الملقاة، على سلطة ما بعد الثورة، أو عن إمكان الحيلولة دون السقوط مجدداً في خطيئة لجوء طرف داخلي يسيطر بآليات الإقصاء والتفرد إلى نيل ثقة القوى الخارجية ودعمها، بحسبان أن السقوط في هذه الخطيئة لا يقع بالنية والقصد فقط، بل، ويقع أيضاً بالنتيجة، وكتحصيل حاصل لغياب الوحدة الداخلية وتماسكها، بمعزل عن حُسْنِ النوايا، التي كثيراً ما تقود، (إذا افترضناها)، إلى «بلاط جهنم» التبعية.

4- دون هذا السلوك يبقى اختزالياً كل حديث عن السير بمصر، (سياسة ومجتمعاً)، نحو تحولها الديمقراطي المنشود، ذلك بحسبان أن الديمقراطية ليست نموذجاً مثالياً، (Ideal type)، يُستدعى للتطبيق التام، بل مقولة تاريخية أنتجتها وحققتها في الواقع تجارب متنوعة ومفتوحة على واسع الآفاق والمستويات التي بات محالاً تحقيق أيٍ منها في العصر الحديث دون الانطلاق من مبتدأ الديمقراطية، أي من الإقرار النظري الممارس بالمساواة بين مواطني الدول بوصفهم مواطنين أحراراً متساوين، بمعزل عن دينهم وجنسهم ولونهم وعرقهم ومعتقدهم و ... إلخ، ما يعني أن حصر الديمقراطية في خبرها، أي ممارسة الانتخابات والإقرار بنتائجها، إنما هو إلى استعمالها، (الديمقراطية)، أقرب وأشبه.

على أية حال، لقد جاء سلوك قيادة «الإخوان» المصرية قصير النظر بامتياز، حين ابتعدت عن ممارسة السلوك الوحيد الذي بمقدوره الجمع بين مصلحة الحركة ومصلحة مصر، سواء بقرارها السيطرة على لجنة صياغة دستور جديد، أو بقرارها التراجع عن وعدها المعلن بعدم ترشيح أي من قادتها لانتخابات الرئاسة، ما قاد إلى تحويل المخاوف التي أثارها فوزها بأكثرية مقاعد الهيئة التشريعية إلى سلوك سياسي احتجاجي معارض وعازل لقيادتها وقراراتها، لا من قبل جميع بقية ألوان الطيف الفكري والسياسي والمجتمعي المصري فقط، بل، وأيضاً من قبل تيارٍ عريض داخلها، حيث تم حسم قرار موافقة أعضاء مجلس شورى الحركة على ترشيح نائب مرشدها العام، خيرت الشاطر، لانتخابات الرئاسة، بفارق صوتين، (54 مع، 52 ضد، 21 غائباً)، بل، ولم يتوانَ رموز «حمائم» هذا التيار الداخلي عن الانضمام إلى المعارضة الوطنية الخارجية، من خلال إطلاق التصريحات العلنية ضد سلوك «صقور» قادة الحركة، واتهامهم بمحاولة «التكويش» والسيطرة والتفرد والإقصاء، تماماً كما كان يفعل قادة حزب نظام الرئيس المخلوع، حسني مبارك، بما يهدد بإعادة إنتاج ما خلقه هذا النظام من مسببات للثورة الشعبية، إنما باسم تحقيق أهدافها هذه المرة. ولعل هذا ما اضطر رموز «صقور» الحركة ومرشدها العام إلى إصدار بيانات، وإطلاق تصريحات، رسمية تبرر خطواتهم بالقول: إنها خطوات مفروضة بمستجدات ناشئة، وكأنهم يقولون إنها خطوات اضطرارية، لكن، وبحسبان كل ما أشرنا إليه أعلاه، ألا يغدو مشروعاً القول: بل إنها خطوات فئوية «انتحارية» في مرحلة مصرية مفصلية عاصفة وحاسمة، وإنها أشبه ما يكون بخطوة طيارٍ أقلع بطائرته دون دراية منه بظروف موقع الهبوط، وبما يمكن أن يكون عليه من وعورة التضاريس، التي من شأن الارتطام بها أن يودي بطائرته وبحياته، بل، وبحياة كل أو بعض مَن معه من الركاب أيضاً؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2165336

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165336 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010