الأحد 8 نيسان (أبريل) 2012

محاكمة لـ «الجنائية الدولية»

الأحد 8 نيسان (أبريل) 2012 par أمجد عرار

واضح أن قرار «إسرائيل» مقاطعة مجلس حقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمم المتحدة وحملة التشكيك والشتائم التي شنها قادة الصهاينة على المجلس بعد توصيته بتشكيل لجنة تقصي الحقائق بشأن الاستيطان الصهيوني، قد أتت أكلها وأثمرت تأثيراً على المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت قراراً أقل ما يمكن أن يقال فيه إنه يفتقر للحد الأدنى من الأخلاقية التي يجب أن تتحلى بها الأداة الأولى المفترضة للعدل والإنسانية. فالمحكمة رفضت طلباً فلسطينياً بالتحقيق في الجرائم التي ارتكبتها «إسرائيل» ضد الفلسطينيين منذ سنة 2002، تاريخ دخول الجرائم حيز المحكمة، بداعي أن الجرائم المشار إليها لا تدخل في نطاق صلاحيات المحكمة، باعتبار أن فلسطين ليست دولة.

لست خبيراً في القانون الدولي لكي أتناول هذا القرار غير الإنساني وغير الاخلاقي من زاوية قانونية، فهذا شأن أهل الاختصاص، وعلى رأس هؤلاء التحالف الدولي لملاحقة مجرمي الحرب الذي يمثل 650 منظمة حقوقية من مختلف أنحاء العالم، ومعه منظمات أخرى من خارجه. هؤلاء وقّعوا بياناً رفضوا فيها أعذار المحكمة الجنائية الدولية وفنّدوا القرار بتفصيل واف استناداً للقانون الدولي وميثاق تأسيس المحكمة ذاتها. ليعزز فكرة أن المحكمة أداة في يد أطراف لا تعترف باختصاصها أصلاً. لا يحتاج الأمر لعبقرية خاصة أو كبير جهد لكي نلاحظ أن هذا القرار يؤكد أن المحكمة الجنائية شأنها شأن العديد من الدوائر التابعة للمنظمة الدولية، مجرّد أداة في يد أطراف دولية نافذة وباغية ولا تعترف باختصاص المحكمة في جرائمها وجرائم حلفائها.

لكن لنترك هذا الباب القانوني لأصحابه ونبقى في المعالجة السياسية الأخلاقية. فماذا يعني أن فلسطين ليست دولة؟ فهل هي محكمة لحماية حقوق الإنسان أم الدول؟ هذا المنطق أصلاً هو ما يجعل العالم نسخة أشد همجية من شريعة الغاب.

الحملة «الإسرائيلية» المدعومة غربياً والتي دفعت المحكمة لإخراج الكيان الصهيوني من المساءلة الدولية ووضعها فوق القانون الدولي، تذكّرنا بالحملة المشابهة التي أفضت إلى دفن تقرير اللجنة الدولية التي ترأسها المحامي ريتشارد غولدستون بشأن المجزرة «الإسرائيلية» في قطاع غزة أواخر سنة 2008 وأوائل 2009، تلك الحملة دفعت غولدستون نفسه للتراجع عن تقريره، رغم أنه لا يحق له ذلك قانونياً ولا يصح أخلاقياً.

لقد شاهدنا المحكمة الجنائية الدولية تتحرّك بأقصى طاقتها ونشاطها في مناطق أخرى في العالم وضد دول لا تروق حكوماتها للولايات المتحدة وحلفائها، ومن دون أي لجان تحقيق، وأصدرت قرارات سريعة بناء على شهادات من خارج الدول المستهدفة مصدرها دوائر استخبارية وأدوات تابعة لها، باعتراف وسائل إعلام الدول المتنفّذة نفسها، في حين أن الجرائم «الإسرائيلية» موثّقة حتى لدى منظمات حقوقية في الكيان نفسه. لقد مرت مجزرة مخيم جنين، حيث استشهد وجرح المئات من اللاجئين العزل، ولم يحصل تحقيق أو عقاب، ومرت مجزرة البلدة القديمة التاريخية في مدينة نابلس، التي دمّرها المحتلون فوق رؤوس أصحابها وآثار إنسانية عمرها آلاف السنين، بلا أي مساءلة، ومثلهما مجزرة غزة الأخيرة، وقبلها كلها عشرات المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية و«إسرائيل».

إذا كان لجوء الفلسطينيين للمنظمات الدولية يجابه بالصدود والرفض، ولجوؤهم للمقاومة دفاعاً عن النفس واسترداد الحقوق المغتصبة يصنّف بنظر هؤلاء المتنفّذين على أنه إرهاب، فما الذي يريد هؤلاء دفع الفلسطينيين إليه؟ اليأس وترك أرضهم لـ «إسرائيل»؟ هذا ليس عدلاً ولا يستطيع أي فلسطيني قبوله، وهكذا كان منذ اغتصاب فلسطين بالإرهاب والعهر والتواطؤ الدولي، إذ لم يستكن الفلسطيني ولم يستسلم للأمر الواقع، وهذا ما سيكون عليه الحال في المستقبل مهما بلغ التواطؤ والتآمر من مستويات قذرة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2178436

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2178436 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40