السبت 7 نيسان (أبريل) 2012

تفاوض فلسطيني بالرسائل

السبت 7 نيسان (أبريل) 2012 par نقولا ناصر

إن ما وصفه أحدهم في «الجروزلم بوست» العبرية الأربعاء الماضي بـ «معركة الرسائل» بين الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس وبين رئيس وزراء دولة الاحتلال «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو قد حول هذا «التراسل» إلى معبر لاستئناف التفاوض بقدر ما كشف هذا التفاوض الفلسطيني بالرسائل عن توجه لما وصفه أستاذ العلوم السياسية بجامعة بيرزيت د. سمير عوض بعدم الرغبة في «حرق الجسور مع الأميركان» كما نسبت «فايننشال تايمز» البريطانية إليه القول في الرابع من الشهر الجاري، في تراجع مؤقت أو دائم لكنه تراجع واضح عن مواصلة الجهود الفلسطينية لانتزاع اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين وبعضويتها فيها.

وكانت الصحيفة البريطانية قد اقتبست من دبلوماسي غربي قوله إن «حملة» عبّاس باتجاه الأمم المتحدة «فقدت زخمها تماماً»، موضحة أنه باستثناء منظمة «اليونسكو» لم يحاول عبّاس الانضمام إلى أي وكالة أخرى من وكالات الأمم المتحدة، ولاحظت أنه «بالرغم من التأييد الساحق في الجمعية العامة» للمنظمة الأممية لرفع مستوى تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية إلى وضع «دولة مراقبة» فيها، فإن عبّاس لا يزال يستنكف عن استثمار ذاك التأييد، وأرجعت «الفايننشال تايمز» السبب إلى «ضغوط» الأميركان الذين لا يريد عبّاس «حرق الجسور» معهم.

وفي هذا السياق فقط يمكن تفسير «الرسالة» التي تعلن «القيادة الفلسطينية» في رام الله منذ أسابيع أنها قررت إرسالها إلى نتنياهو، ليعلن الأخير بدوره أنه سوف يرد عليها برسالة جوابية.

وبغض النظر عن مضمون الرسالتين، وعن أي استهجان لحصول صحيفة «هآرتس» العبرية على ما ادعت أنه نص رسالة عبّاس ونشرها لها الخميس الماضي دون كل وسائل الإعلام الفلسطينية أو حتى العربية أو الدولية، وقبل تسليمها إلى نتنياهو، فإن الرسالة قد تحولت عمليا إلى ذريعة لاستئناف الاتصالات والمفاوضات المباشرة مع دولة الاحتلال، وعلى مستوى رفيع.

لقد تحولت رسالة عبّاس إلى ذريعة للاتصال والتفاوض المباشر، أولا مع حكومة الاحتلال على مضمون رسالة عبّاس، وطريقة تسليمها، وموعده، مما اقتضى عقد اجتماعات «سرية» لم يعلن عنها بين كبير مفاوضي المنظمة د. صائب عريقات وبين اسحق مولخو مساعد نتنياهو في القدس المحتلة، وثانياً إلى تفاوض مع الأميركان وغيرهم حول مضمونها، حيث قالت تقارير إعلامية إن الضغط الأميركي قاد إلى «تخفيف» لغتها ولهجتها وإلى إسقاط ما تردد في السابق عن تهديد فيها بحل سلطة الحكم الذاتي الإداري الفلسطيني التي كررت القيادة في رام الله مؤخراً القول إنها لم تعد لها أي سلطة، ليتم الاتفاق أخيراً على استعداد نتنياهو لتسلمها بعد انتهاء عطلة عيد الفصح اليهودي أواسط الشهر الجاري، بعد أن «تمنع» عن تسلمها طويلاً (مفوضية التعبئة والتنظيم بحركة «فتح» التي يقودها عبّاس في 3/3/2012) واستعداده للرد عليها برسالة جوابية بعد تسلمها.

ومما يؤكد استغلال موضوع الرسالة كمعبر لاستئناف الاتصال والتفاوض المباشر مع دولة الاحتلال الوفد الرفيع المستوى الذي قررت القيادة انتدابه لحمل رسالة يمكن إعلانها أو إرسالها عبر وسطاء دوليين أو عرباً، أو يمكن حتى إرسالها بالبريد المسجل، فانتداب وفد يضم أمين سر اللجنة التنفيذية للمنظمة ياسر عبد ربه وكبير المفاوضين عريقات برئاسة د. سلام فيّاض رئيس وزراء السلطة في رام الله لحمل هذه الرسالة لا يوجد أي مسوغ أو تفسير له سوى وجود قرار بالرضوخ للضغوط الأميركية بالتمهيد لاستئناف المفاوضات المباشرة. وكان عبّاس قد أعلن بالقاهرة الاثنين الماضي أنه «إذا وافق (نتنياهو على رسالته) نحن مستعدون تماماً للعودة للمفاوضات».

والمفارقة أن المتحدث باسم نتنياهو أعلن بأن رسالة رئيسه سوف ينقلها إلى عبّاس مساعده مولخو، دون أن يقود هذا الإعلان إلى خفض مستوى ناقل رسالة عبّاس إليه، لمعاملته بالمثل في الأقل.

وتوجد عدة مؤشرات تؤكد بأن الهدف هو استئناف المفاوضات وليس نقل رسالة لا جديد فيها، أولها أن اللجنة الرباعية الدولية (الولايات والأمم المتحدة والاتحادان الأوروبي والروسي) سوف تجتمع في الولايات المتحدة في الحادي عشر من الشهر الجاري لبحث سبل استئناف المفاوضات الثنائية، وثانيها أن مبعوث «الرباعية» توني بلير كان في سلسلة اجتماعات لهذا الغرض مع فيّاض ونتنياهو منذ أوائل نيسان/أبريل الحالي، وثالثها أن ديفيد هيل خليفة المبعوث الرئاسي الأميركي جورج ميتشل اجتمع بدوره مع فيّاض الأربعاء الماضي للغرض ذاته ثم سلمه الرئيس عبّاس نسخة من رسالته إلى نتنياهو لينقلها إلى «الرباعية»، حسب تقارير الأنباء.

في التاسع من الشهر الماضي قال وزير خارجية السلطة برام الله لـ «الأسوشيتدبرس» إن الرئيس الأميركي باراك أوباما طلب من الفلسطينيين أن لا يحركوا ساكناً خلال السنة الانتخابية الأميركية و«أبلغونا (أي الأميركيين)» أن أوباما سوف يدفع بقوة للتفاوض على دولة فلسطينية إذا أعيد انتخابه. وقال الباحث في مجلس العلاقات الخارجية بواشنطن العاصمة روبرت دانين إن ما يركز أوباما عليه الآن هو «منع الأزمات وليس حل الصراع». ويبدو المالكي والسلطة والمنظمة حريصون على عدم «حرق الجسور» مع الأميركان ويناورون تفاوضياً في الوقت الضائع «بانتظار» نتيجة الانتخابات الأميركية. وهذا هو على الأرجح المؤشر الرابع الأهم الذي يفسر «معركة الرسائل» الحالية وعدم البحث الجاد عن استراتيجية بديلة على قاعدة الشراكة الوطنية، بقدر ما يفسر وضع المصالحة الفلسطينية «في الثلاجة» إلى ما بعد الانتخابات الأميركية.

وهذه هي ذاتها «استراتيجية الانتظار» التي أفصح عبّاس عنها في مقابلة مع «الوول ستريت جورنال» الأميركية في العشرين من كانون الأول/ديسمبر 2009. ففي مقابلته تلك قال عبّاس إن «الكرة.. في ملعب أميركا بصفة خاصة»، و«نحن الآن ننتظر ماذا سيكون الموقف الأميركي»، و«نحن ننتظر اجتماع الرباعية في موسكو»، و«العلاقات بيننا وبين «الإسرائيليين» مستمرة مع كل أذرع الحكومة «الإسرائيلية» بلا استثناء.. والاتصالات متواصلة.. والشيء الوحيد الذي لا يستمر هو المفاوضات السياسية»، ليخلص إلى القول: «أنا مستعد للانتظار»! وكأنما كان عبّاس يصف الوضع الراهن، وكأنما لم تمر خمس سنوات. ولا يبدو أن صبره على الأميركان سوف ينفد في أي وقت قريب، بالرغم من أن الأرض تحت قدميه، باعترافه، تضيق عليه حتى تكاد تخنقه وشعبه، ليقول في مقابلة مع تلفزيون فلسطين (برنامج عالمكشوف): «ليس هناك مجالاً للانتظار».

وهذه الاستراتيجية التي يحاول عبّاس ارتهان المصالحة الفلسطينية لقبول حركة «حماس» بها لم تعد تقنع حتى عضو مركزية «فتح» الأسير مروان البرغوثي، الذي يعاقب في سجنه الآن لأنه طالب مؤخراً باستراتيجية جديدة تتبنى برنامجاً ثورياً ينهي حقبة أوسلو وينفتح على انتفاضة متجددة للمقاومة بأشكالها كافة.

لا بل إنها استراتيجية لم تعد تقنع حتى يوسي بيلين، الشريك «الإسرائيلي» في وثيقة «بيلين - أبو مازن» وفي «وثيقة جنيف»، الذي نشر رسالة مفتوحة إلى عبّاس في «فورين بوليسي» الأميركية مؤخراً حثه فيها على «تصحيح.. خطأ الموافقة على طلب أوباما منه.. الحفاظ على الوضع الراهن»، وحثه فيها على «حل السلطة الفلسطينية وإعادة الإدارة اليومية إلى «إسرائيل»».

وإذا صح نص رسالة عبّاس التي نشرتها «هآرتس»، فإن ذلك بالضبط هو ما خلص إليه عبّاس في رسالته عندما أنهاها بتحذير نتنياهو من أنه إذا لم يوافق عليها.. «سوف نسعى للتطبيق الكامل والشامل للقانون الدولي حول صلاحيات ومسؤوليات سلطة الاحتلال (إسرائيل) في كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة».

لكن، ألا تستدعي مثل هذه الخلاصة تسريع المصالحة الوطنية، التي لن تتحقق ما لم يتم «حرق الجسور» مع أميركا، كأساس لاستراتيجية جديدة لن ترى النور بدورها دون حرق تلك «الجسور»، أو التعاطي الجاد مع البديل الذي أعلنه مروان البرغوثي، بدل «الصمت» عليه، إن كان بديل «حماس» يتجاوز قدرة مفاوض منظمة التحرير على الاستجابة له؟!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2165768

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165768 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010