الثلاثاء 8 حزيران (يونيو) 2010

لا جدوى من سياسة عربية تمضغ من دون أسنان

الثلاثاء 8 حزيران (يونيو) 2010 par د. كلوفيس مقصود

بدا توقعي بأن يقوم نتنياهو بزيارة للرئيس الأمريكي أوباما في الأسبوع الماضي منطقياً، لكن كالعادة فإن السلوك “الإسرائيلي” عامةً يتميز باللا منطق وهو ككل إرهاب يمارس المباغتة. ورغم أنه كان علينا توقع اللا منطق الشرس من “إسرائيل” إلا أنه هذه المرة وفي أعقاب ما قامت به من قرصنة في عرض البحار على أسطول الحرية كان يتميز لا بالشراسة فحسب بل بالحماقة التي يبدو أنها آخذة بأن تكون السلوك السائد لما تقوم به الحكومة العنصرية التي يتزعمها محور نتنياهو- ليبرمان.

لذا علينا من الآن وصاعداً أن نتوقع مباغتات لا عقلانية كون “إسرائيل” تعتبر أن أية إدانة لها، ناهيك عن أي معاقبة، هي بمثابة تهديد “لأمنها وتشكل خطراً وجودياً”، وهذا ليس نتيجة تقييم من قبلها بل تعمل على استباق أي انتقاد لها ولسلوكها وتصرفاتها حتى تتيح لنفسها حق العدوان الذي تمارسه من دون أي قيد أو أي محاولة ردع كما برهنت الأحداث الأخيرة، وأنها فوق القانون حتى إنها استفزت تركيا حليفها الرئيسي بشكل فظ، بعد أن كانت شريكاً استراتيجياً وتجارياً لها في المنطقة.

كان رد الحكومة التركية حاسماً بشكل لم تتعود عليه “إسرائيل” من قبل. دفعتها طبيعة الرد التركي لهذا الاستفزاز المتسم بالصفاقة إلى الاستجابة الفورية، فسمحت بعودة جميع المواطنين من حوالي أربعين دولة الى بلدانهم من دون تعطيل أو تردد. كان هذا بمثابة صفعة استحقتها “إسرائيل” وهي التي تعتبر نفسها كأنها بمنأى عن أي مساءلة أو معاقبة.

تفاوتت ردود الفعل الدولية بدورها في شدة إداناتها، وكان واضحاً درجة الاستياء من هذا السلوك الأرعن الذي أدى إلى غضب عارم من شأنه أن يشعر “إسرائيل” من الآن فصاعداً بأنها لن تكون محصنة من العقاب، ولن تستطيع مرة أخرى أن تمارس الابتزاز كي تحول دون جدية القناعة بأنها دولة مارقة بامتياز .

وفي هذا المجال فإن المشروع الصهيوني نفسه الذي تقوم على تنفيذ سياساته بدأ يستولد تمرداً من قبل شرائح متنامية من يهود العالم كونها أدركت أن “إسرائيل” تهدد رسوخ الانتماء إلى أوطان متعددة في العالم، عندما تدعّي إما تمثيلها أو محاولة استقطابها والطعن في القيم الأخلاقية والسلوكية التي ميزت الكثير من يهود العالم الذين بدورهم يشكلون الكثير من طلائع الدفاع عن حقوق الإنسان والتصدي للتيارات العنصرية، والتي تمارس التمييز العرقي والديني. كثير من هذه الشرائح تعمل على تأييد حقوق الشعب الفلسطيني كتعبير عن موقف وجداني تجاهر بشجاعة بحقه بتقرير مصيره، أمثال الأربعة آلاف من كبار المفكرين والمثقفين اليهود في أوروبا الذين دانوا سلوك الحكم اليميني أخيراً في “إسرائيل”. كذلك تنامي التصدي لإملاءات “إسرائيل” التي تتجاهل كما قال الكاتب الأمريكي اليهودي المرموق بيتر بينارت “العلاقة شديدة الارتباط بين كرامة اليهود واللا يهود”. وأضاف “أن المتزمتين من المستوطنين الذين يحرقون شجر الزيتون هم أنفسهم الذين اغتالوا رئيس الوزراء “الإسرائيلي”. إن هؤلاء عصابة المغالين والمتطرفين “المتسترين بالدين الذين حرقوا كتباً مسيحية مقدسة هم أيضاً الذين هاجموا نساء يهوديات يحاولن الصلاة في حائط المبكى.. كذلك الأمر حين تشيطن الحكومة “الإسرائيلية” المنظمات العربية لحقوق الإنسان، إذا كنا نريد أن نكون لأنفسنا يجب أن نكون أيضاً لغيرنا”.

إضافة إلى هذه الحماقة المنظمة والمستشرية حرمت حكومة محور نتنياهو - ليبرمان البروفيسور فيلكستاين من جامعة نيويورك والأستاذ الشهير نعوم تشومسكي من دخول الأراضي المحتلة. تجدر الإشارة إلى كلمات البروفيسور “الإسرائيلي” في جامعة أكسفورد آفي شلايم عندما قال “إنه شعر بحزن عندما سمع عن الهجوم المجنون للقوات “الإسرائيلية” على البواخر غير المسلحة والتي تحمل مساعدات إنسانية لغزة، وأن أكثر من 9 متطوعين قتلوا”. وأضاف “لقد خدمت في الجيش “الإسرائيلي” عامي 1964 و1966، الآن هذا الجيش في الأربعة عقود الماضية تقلص الى قوة بوليس وحشي لسلطة استعمارية همجية”. وقال “إن هذه القرصنة هي قمة سجلٌ وحشي غير متقطع تجاه مليون ونصف المليون من سكان غزة التي تعود الى 1967. وأكد أن الحصار هو عقاب جماعي يحرمه القانون الدولي.

ودان توني بلير وغوردون براون ووصفهما بأنهما راعيان لمنظمة اسمها “صندوق يهودي وطني” وهي منظمة “إسرائيلية” تعنى فقط باليهود وليس العرب في بريطانيا. لعله حان الوقت لديفيد كاميرون رئيس الحكومة البريطانية ’“التحرر من هذا الإرث المعيب لسلفيه، ويستطيع بالتالي أن يفرض مقاطعة لبيع أسلحة بريطانية لـ“إسرائيل”، وأن يقترح للاتحاد الأوروبي عقوبات تجارية كي تنهي احتلالها للأراضي الفلسطينية - أطول وأشرس احتلال عسكري في الزمن المعاصر”.

هذا قليل من كثير مما قاله وصرح به العديد من “إسرائيليي” ويهود العالم إثر المجزرة التي ألحقتها “إسرائيل” بغزة عامي 2008-2009 وعادوا وأكدوا إدانتهم وقناعاتهم إثر القرصنة التي قامت بها مؤخراً.

يستتبع هذا أن نؤكد من دون تردد أن معركتنا مع المشروع الصهيوني الذي ينطوي على تمدد الاستيطان بشتى أشكالها، وليست حتماً وقطعاً بشكل قاطع مع أي يهودي كإنسان واليهودية كدين وتراث.

لا أدري إذا كانت حكومة “إسرائيل” تلقت الدرس، أو أنه كما يبدو لا تزال في حالة الإنكار، والإدمان على عدم الاعتراف لا بأخطاء التقدير في حساباتها فحسب، بل أيضاً في خطاياها بحق الإنسانية من خلال ممارساتها العدوانية المتفاقمة في إلغاء حق الحياة للشعب الفلسطيني والتي كانت المجازر في غزة أحد أوضح تجلياتها مما لا يزال يستفز الضمير العالمي.

أما الباخرة راشيل كوري فخطفتها “إسرائيل” في المياه الدولية، و”راشيل كوري” مناضلة أمريكية شابة طحنتها جرافة “إسرائيلية” غير آبهة بحياة فتاة في مقتبل العمر. جاءت راشيل إلى غزة لتساهم في تخفيف معاناة وآلام أهل غزة، فكان عقابها من “إسرائيل” مماثلاً لنمط التعامل “الإسرائيلي” مع كل من يعترض على سياساتها أو يعارض احتلالاتها، ناهيك عمن يقاومها، كالانتفاضات التي حصلت والتي كانت وستبقى ضمن الشرعية الدولية التي تؤكدها قرارات الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية. هذه القرارات تدمن “إسرائيل” على نقضها وإجهاض مفاعيلها.

وسط كل هذه الأحداث شكر رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس الرئيس مبارك على رفع الحصار عن معبر رفح، وإذا أضفنا إلى ذلك أن السلطة الفلسطينية تدفع باتجاه إعادة ما سمي زوراً “مفاوضات” إن كانت مباشرة أو غير مباشرة من دون اشتراط مسبق مثل الرفع الفوري للحصار “الإسرائيلي” الظالم على قطاع غزة لا تمهيداً لمصالحة بين فتح وحماس فحسب وإعادة الوحدة بين القيادات الفلسطينية، بل كأولوية لكل تعامل مع المجتمع الدولي وخاصة مع الإدارة الأمريكية.

أما قرار مجلس وزراء الخارجية العرب بتعليق ما لا يزال يسمى “إعادة المفاوضات” والذي عطل وحدة الموقف العربي، حيث اعترضت الدول المطبعة مع “إسرائيل” والسلطة الفلسطينية على القرار المطروح بوقف ومقاطعة “التفاوض”. ثم تم الاتفاق على ترحيل معالجة الأزمة إلى مجلس الأمن، علماً بأن قرار الذهاب إلى مجلس الأمن لم يستوف كافة المعلومات والمواقف كي تضمن قراراً بمستوى التحدي الراهن، وهذا يعني أن أي قرار يتم، يجب أن يكون من شأنه ردع تمادي “إسرائيل” باستباحة الشرعيات الدولية وقرارات الأمم المتحدة وحقوق الشعب الفلسطيني كلها الوطنية والإنسانية، إن لم يكن القرار على مستوى يؤمن بموجب الفصل السابع هذه الحقوق واستقامة وحتمية تنفيذه، إذ إن هناك احتمالاً لا يزال مبهماً بأن أي قرار نافذ قد يتعرض لاستعمال حق “النقض” خاصة أن الدول العربية لم تمهد للذهاب إلى مجلس الأمن بإجراءات جدية كقطع العلاقات الدبلوماسية القائمة مع “إسرائيل” وكل أوجه التعامل معها، وإعادة تفعيل أجهزة المقاطعة التابعة لجامعة الدول العربية. إذاً لن يكون هناك قرار يرقى إلى ما تتوقعه الأمة العربية وخاصةً الشعب الفلسطيني.

في هذا الشأن تشير البوادر الأولية للإدارة الأمريكية إلى تلعثم علني، كتصريح نائب الرئيس جو بايدن بأن “إسرائيل” لها حق تفتيش البواخر غير المسلحة التي تأتي إلى غزة حاملة المساعدات الإنسانية، ومن جهة ثانية يصرح الرئيس الأمريكي ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون بأن بعض التعديلات مطلوبة، ويفضلان التركيز على لجنة تحقيق “إسرائيلية” بحضور أمريكي، وهو ما انتقدته بشدة افتتاحية “نيويورك تايمز” (4 يونيو/حزيران) التي اقترحت أن تكون لجنة التحقيق دولية أو على الأقل تشمل الرباعية مع الأمم المتحدة. صحيح أن هذا التلعثم ناتج أيضاً عن أن اللوبي “الإسرائيلي” لا يزال قادراً على تحريف أو عرقلة الكثير من مشاريع القوانين التي تشكل أولويات إدارة أوباما، لذلك فإن أية سياسة عربية تمضغ من دون أسنان، أي قطع العلاقات مع “إسرائيل” وإعادة تفعيل جهاز المقاطعة، معناها أن العرب فوتوا فرصة تاريخية قد لا تتكرر في القريب العاجل، وتبقي حقوق فلسطين وكرامة العرب بدورها معلقة. يبقى السؤال: حتى متى؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 8 / 2180622

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2180622 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40