الجمعة 6 نيسان (أبريل) 2012

ماذا بعد التردد كسياسة أميركية؟

الجمعة 6 نيسان (أبريل) 2012 par د. سمير كرم

تبدو أميركا مترددة في تطبيق سياسة التدخل في سوريا، مع أن خطط التدخل العسكري موجودة وجاهزة في غرف العمليات الأميركية في البنتاغون وغرف العمليات في حلف الأطلسي.

لكن هذا التردد ليس سوى الجانب الظاهر من السياسة الأميركية. التردد الأميركي في الحقيقة هو بين التدخل العسكري العلني على غرار ما حدث في ليبيا، ولا يزال يشير الى كارثة قابلة للوقوع في أي لحظة - من ناحية - والتدخل السري غير العلني وغير المباشر، أي استمرار الشكل الحالي من التدخل بالأسلحة والأموال، من ناحية أخرى.

لكن هذا التفسير لا يتفق مع وجود خطة كوفي أنان المبعوث «الدولي- العربي» لدى سوريا. وهي الخطة التي رمت إلى وقف إطلاق النار بين «النظام والمعارضة». فهذه الخطة لا تسمح للتدخل الأميركي بأي من صيغتيه لأن يطبق تجاه سوريا. وهذا بدوره لا يصح إذا تصورنا أن أميركا توافق فعلياً وحرفياً على خطة أنان. فالحقيقة أن أميركا تتعامل مع خطة الأمين العام السابق للأمم المتحدة باعتبارها غطاءً لاستمرار المعارضة في عملياتها المسلحة، يضمن كسب الوقت لأميركا والأطلسي، لمعرفة ما اذا كانت الظروف يمكن ان تتاح لتدخل اميركي- أطلسي في الصراع الدائر في سوريا.

يقول الكاتب السياسي الأميركي ستيفن ليندمان إن أنان «كأمين عام للأمم المتحدة لمدة عشر سنوات أيد حروب الامبريالية ولم يفعل شيئاً من أجل السلام». ومعنى هذا أنه ليس من المتصور أن يلعب الآن بصفته مبعوثاً دولياً وعربياً دوراً مختلفاً إزاء الوضع في سوريا. وتنتظر الولايات المتحدة منه أن يؤدي دوره القديم خلال أيام قليلة.

جانب آخر من موقف التردد الأميركي في التدخل المباشر في سوريا يتعلق بموقف إيران. كانت الولايات المتحدة تخطط للتدخل العسكري في سوريا كطريق نحو التدخل العسكري في إيران. ولكن أميركا أدركت أن هذا التدخل المزدوج يتطلب أكثر كثيراً مما تستطيع الولايات المتحدة في الوقت الحاضر. والوقت الحاضر يشهد ان اميركا تمارس دور كبح جماح «إسرائيل» بالنسبة للرغبة «الإسرائيلية» في شن هجوم أو هجمات جوية ضد إيران.

وقد جاء التحذير الرسمي الإيراني، الذي عبر عنه المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي قبل أيام، من أن إيران ستدافع عن حليفتها الإقليمية سوريا بسبب موقفها ضد «إسرائيل». وتضمنت أقوال المرشد الأعلى الإيراني لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أثناء زيارته لطهران، تحذيراً واضحاً بأن إيران تعارض بكل حزم أي تدخل لقوات اجنبية في سوريا. بل إن المرشد العام الإيراني أضاف رفض بلاده الحازم لأي مبادرة تقودها الولايات المتحدة بشأن الأزمة الراهنة في سوريا. وينبغي التنبه في هذا السياق الى ان تركيا انحازت الى جانب «المعارضة السورية» منذ بدايات الازمة، ولكن هذا الانحياز لم يمنع إيران من ان تحدد موقفها الى جانب سوريا ضد «إسرائيل» وضد المخططات الاميركية الظاهرة والخفية على السواء.

وثمة سبب آخر لسياسة التردد الاميركية ازاء سوريا يتعلق بالداخل الاميركي. يتعلق بمسار السياسة الخارجية الاميركية كما تبدو في حملة انتخابات الرئاسة الاميركية. من ناحية يتعرض الرئيس الاميركي اوباما للنقد من جانب مرشحي الرئاسة الجمهوريين. بسبب تردده في التدخل في سوريا وفي مهاجمة إيران، ومن ناحية أخرى تبين ان اغلبية كبيرة من الرأي العام الأميركي تصل الى نسبة 78 في المئة تعارض مهاجمة إيران.

وتشير الدلائل الى وجود سبب آخر لانتهاج الإدارة الأميركية سياسة التردد بشأن سوريا وتفضيل إفشال المبادرات التي تهدف الى وقف الصراع المسلح في سوريا، وهو ان التقارير التي وضعتها رئاسة الأركان الأميركية بشأن إمكان تطبيق التدخل في ليبيا على الوضع في سوريا، إذ أكدت هذه التقارير أن الوضع في سوريا يختلف كثيراً من حيث مكوناته العسكرية والسياسية والبشرية عن الوضع في ليبيا. وأشارت هذه التقارير أيضاً إلى أن التطورات الأخيرة في سوريا تدل على أن «المعارضة السورية» تخسر مواقعها على الأرض في مواجهة القوات المسلحة لـ«النظام السوري»، الأمر الذي يزيد في صعوبة المهمة التي يمكن أن يعهد بها الى قوات اطلسية - وضمنها قوات اميركية خاصة - بالتدخل في سوريا الى جانب «قوات المعارضة». وأضافت تقارير رئاسة الأركان الأميركية أن المقارنة بين القوات النظامية السورية ونظيرتها في ليبيا قبل التدخل، تصب في صالح القوات السورية تماماً، من حيث التدريب والتسليح ومن حيث الولاء.

فإذا كانت الإدارة الأميركية تحاول أن تؤدي لعبة كسب الوقت انتظاراً للحظة أنسب للتدخل في سوريا، فإن التطورات الجارية في سوريا أقرب لأن تصيب الإدارة بالإحباط. هذا في الوقت الذي تقف فيه دول عربية الى جانب فكرة التدخل الأطلسي - الأميركي، وتمني النفس بأن ترى النظام السوري ينتهي نهاية عنيفة على النمط الليبي. ولا تستطيع اميركا ان تتجاهل هذه الرغبات خاصة تلك التي تعبر عنها في اتصالاتها مع واشنطن المملكة العربية السعودية وقطر وباقي دويلات الخليج.

إن ما يجمع بين واشنطن والسعودية ودول الخليج الأخرى ليس الرغبة في نهاية عنيفة في سوريا على النمط الليبي، فهذه النقطة لا تهم اميركا كثيراً، بل إنها يمكن أن تكون الى جانب تجنب مثل هذه النهاية بعد الانعكاسات السيئة التي احدثها ما حدث في ليبيا، سواء في الداخل الاميركي او في البلدان العربية بلا استثناء، خاصة وقد اعتبرت اميركا مسؤولة عنه. لكن ما يجمع اميركا ودول الخليج بشأن سوريا هو الرغبة المشتركة في رؤية حكم موال للغرب في سوريا، يحل محل النظام الحالي. وهذا هدف لا تستطيع الإدارة الأميركية أو بالأحرى لا تجرؤ على ان تبدو محجمة عنه.

ويفسر هذا الجانب المشاركة الأميركية المتسمة بالحماس في مؤتمر «أصدقاء سوريا» في اسطنبول. ويقول الكاتب الأميركي ستيفن أيضاً «إن موضوع هذا المؤتمر هو الحرب وليس السلام. هو التخلص من بشار الأسد وعزل إيران وتدعيم سيطرة أميركا بشكل أكبر على المنطقة». ولكن اقصى ما تستطيعه الولايات المتحدة بالنسبة لتطورات سوريا هو ان تؤكد لحكومات الخليج - وبصفة خاصة السعودية - التزامها الذي لا يتزعزع باتخاذ المواقف التي تتوقعها منها هذه الحكومات، وخاصة بشأن الاستقرار في المنطقة. وهو تعبير يقصد به دعم استقرار تلك الحكومات على وجه التحديد. وهذا ما أكدته وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون التي عقدت اجتماعاً في الرياض مع الملك عبد الله، خلا من حضور أي مسؤول من الجانبين، ربما عدا المترجم الأميركي.

لكن الولايات المتحدة التي تكرر التعهد لحلفائها في الخليج بالعمل لدعم استقرارهم لا تريد أي قدر من الاستقرار خارج هذا الإطار في المنطقة العربية. لا استقرار لسوريا في ظل الوضع الذي لا تؤيده السعودية، مهما كان ما يبدو من حجم التأييد الداخلي الذي يتمتع به «النظام السوري»، ولا استقرار لمصر اذا لم ترده السعودية، او لم يكن مقنعاً لها بأنه لا يتعارض مع مصالحها.

ويتلاءم ويتواءم أيضاً هذا التوجه الأميركي والسعودي مع هدف إبقاء «إسرائيل» مستقرة في حالة سلام رسمي مع مصر ومع الأردن، وفي حالة سلام غير رسمي مع بلدان الخليج. يتفق هذا مع التوجه التقليدي لكل الإدارات الأميركية المتعاقبة وكل مجالس الكونغرس الأميركية المتعاقبة أيضاً.. حتى وإن بدت «إسرائيل» حليفاً لا يتردد في التمرد على القواعد والأسس التي يقوم عليها هذا التحالف اذا بدا انه لا يحقق سريعاً ما تتطلع إليه «إسرائيل» من أهداف .. في حين تبدو كل الدول العربية التي ترتبط بعلاقة تحالف وصداقة مع الولايات المتحدة أكثر التزاماً وطاعة في إطار هذا التحالف.

بطبيعة الحال، فإنه حين يكون التردد سياسة متعمدة فإنها تكون بالضرورة سياسة قصيرة الأجل. لا تستطيع الولايات المتحدة بكل ما تتمتع به من قوة عسكرية أن تبدو مترددة لسنة او لسنوات إنما يمكن أن تبقى مترددة لعدة اشهر. يصدق هذا بشكل خاص حيث تكون «إسرائيل» الحليف القوي صاحب النفوذ على النخبة الحاكمة الأميركية بل على اتجاهات الرأي العام الأميركي ضالعة وذات مصلحة في جانب من جانبين، تتردد الولايات المتحدة بينهما. لهذا لن تستطيع واشنطن ان تبقى في حالة التردد إزاء ما يحدث في سوريا بين التدخل العلني الصريح والتدخل السري بالسلاح والمال. فإن «إسرائيل» تقف في حالة تأهب تريد أن تلغي كل الاعتبارات التي تبعد احتمالات سوريا عما كان احتمالات ليبيا. تريد ان تحل دول دينية محل النظم العلمانية في الوطن العربي. فهذا كاف لتمييز «إسرائيل» سواء اعتبرت دولة دينية او اعتبرت دولة مدنية، أي علمانية.

في الوقت الراهن تبدو الولايات المتحدة أكثر حماساً لقيام الدولة الدينية في البلدان التي اجتاحتها «ثورات الربيع العربي». فقد تصالحت ورسخت علاقاتها مع النخب الدينية الجديدة التي «تجاهد» من أجل السيطرة على الحكم هنا وهناك. والمثل الأوضح على ذلك هو مثل الإخوان في مصر. تريد أن يتكرر ذلك في سوريا حيث يريد الإخوان المسلمون أن يحققوا بإمدادات السلاح والمال الآتية من السعودية ودويلات الخليج ومن أميركا ما حققه «الإخوان» في مصر بواسطة صناديق الاقتراع. وتقف «إسرائيل» في موضع المتفرج راضية عما يجري، بصرف النظر تماماً عما اذا كان الصراع على السلطة في مصر يمكن ان ينحو باتجاه تنحية العسكر او تنحية جماعة الإخوان. وأما اذا كان الصراع المسلح في سوريا يمكن ان يتجه - كما تشير الدلائل الأخيرة للصراع - نحو تنحية الاخوان المسلمين والقوى المسلحة المتحالفة معهم، فإن التردد يبقى بالنسبة لـ «إسرائيل» كما بالنسبة للولايات المتحدة سيد الاحكام. ربما في انتظار فرصة اخرى تأتي خلال زمن يطول او يقصر.

إن العالم - وليس العرب وحدهم - يرقب تطورات سوريا عن كثب، مدركاً أن إحباط الخطط الأميركية للتدخل بأحد وجهيه العلني او السري من شأنه ان يغير اتجاهات الأحداث في المنطقة العربية كلها، خاصة في البلدان التي تقف على حافة تغيير إما أن يأخذها باتجاه استقرار على النمط السعودي او باتجاه النمط الديموقراطي السليم.

يقول كاتب سياسي اميركي آخر ـ هو بول كريغ روبرتس ـ «بالنسبة لواشنطن الديموقراطية هي سلاح للدمار الشامل... وكانت واشنطن لعدة عقود قد أساءت تفسير العدوان السافر بأنه جلب للديموقراطية وحقوق الإنسان الى «الشرق الأوسط»».

والاحداث تسير باتجاه تأكيد خطأ الولايات المتحدة في الحالتين: حالة وضع مصير الشعوب بيد استقرار بعيد كل البعد عن الديموقراطية، وحالة وضع هذا المصير بيد عدم الاستقرار المسلح. وهذا بدوره بعيد كل البعد عن الديموقراطية.

ويطول التردد الأميركي بين النموذجين. وحينما يطول التردد يسفر عن الفشل.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2165892

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165892 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010