الخميس 5 نيسان (أبريل) 2012

المنطلق السياسي إذ ينقض الديني

الخميس 5 نيسان (أبريل) 2012 par د. أمينة أبو شهاب

ليس المنطلق الديني هو الذي يغلب في السلوك السياسي للأحزاب الإسلامية المعتدلة التي تولت السلطة في بلدان ما يسمى الربيع العربي بل المنطلق السياسي، حتى وإن تناقض مع الديني، ومعادلة التناقض هذه، هي التي يتم فرضها الآن على المجتمعات العربية وعلى الرأي العام فيها وعلى الجماهير التي فوضت باسمها تلك الأحزاب للحكم على أساس من نقائها الأخلاقي ودينيتها ومصداقيتها واختلافها عن الأحزاب الأخرى. هذه المعادلة من التناقض ما هي إلا بنية أساسية أصلية، وطبيعة أولى لهذه الأحزاب. أليس هذا ما كشف عنه الربيع العربي الغطاء وأظهره واضحاً في شواهد كثيرة؟

حزب الإخوان في مصر لم يملك الخروج عن طبيعته في تغليب المنطلق السياسي على المنطلق الديني، ونقض عهداً قطعه على نفسه بعدم الدخول في سباق الرئاسة المصرية من خلال التقدم بمرشح إخواني. هنالك فرق بين أن يقوم حزب سياسي غير ديني بالتراجع عن وعوده وتعهداته وأن يناور سياسياً وتكون صفته هي عدم الوضوح واللعب بصيغ الخطاب السياسي، وأن يقوم بذلك حزب ديني، مع أن الحزب غير الملتزم بالإطار الديني يتحرك أيضاً ضمن الحدود المبدئية والأخلاقية والقواعد السياسية واشتراطاتها.

حين تتفجر أزمة ما بعد ترشيح خيرت الشاطر في وجه الإخوان في شكل الأزمة الأخلاقية - السياسية بالدرجة الأولى، فإنها بلا شك تحصل على أساس من خديعة أو وهم عام يشترك فيه الكل أصدقاء الجماعة ومناصروها والذين يقفون ضدها وكذلك المحايدون والمراقبون والمترقبون. وهذا الوهم هو أن الطبيعة والمنطلق الإسلامي للإخوان سوف ينعكسان على الجسم السياسي المصري المتعفن فساداً والذي هو بأمس الحاجة إلى الإسعاف بعلاج الإصلاح والتنظيف والشفافية. لقد كان طبيعياً في الحقيقة توقع أن يرسي الإخوان أعرافاً وقيماً جديدة مستندة إلى المثل الإسلامية والتجارب التاريخية وما أكثرها، وأن يسعفوا بها الجسد السياسي المصري العليل خاصة وأن شعارهم الأعلى هو الإصلاح ومقاومة الفساد، وهو الشعار الذي أهلهم للفوز شعبياً. وكان التوقع أيضاً أنهم سوف ينسبون أنفسهم إلى هذا الإنجاز التاريخي ويعززون شعبيتهم وحقيقتهم ومصداقيتهم به. هذا فقط لو كان يحكمهم المنطلق الديني.

لقد أصيبت هذه المراهنة في الصميم، ولم يكن غريباً أبداً أن أهم المعترضين على الخطوة الإخوانية في ترشيح نائب المرشد العام نقضاً لعهد عام كانوا هم من الدائرة الإسلامية، حيث كان منطلقهم وأساس نقدهم أن الخطوة «لا تليق بأخلاق» الجماعة وأن تحللها من النسق الأخلاقي المفترض هو أمر فادح الثمن ويؤثر بشكل جدي في صورتها السياسية ومصداقيتها. كثيرة فعلاً هي الآراء التي عبرت عن نفسها في هذا الاتجاه، وكلما غاص المرء فيها يتعزز لديه شعور الاستغراب والحيرة إزاء غياب «الحساسية» لدى القيادة الإخوانية تجاه السؤال الأخلاقي في ممارسة السياسة وما يتركه من أزمة سياسية بعد حديث عن «ثورة» يطهر الأجواء السياسية.

لم يجد الإخوان كبير مشكلة في التضحية بمصداقيتهم الأخلاقية، وهم بذلك قد أسهموا، كما هو واضح من امتدادات ردود الفعل السياسية، في توليد أزمة سياسية جديدة وفي شعور عام بالإحباط والحيرة وعدم الفهم.

هل عاد بعد لدى المصريين صبر أو استعداد لسماع حديث إخواني عن «السياسة المطعمة بالأخلاق»؟ أما المنطلق السياسي والحسابات السياسية التي ثبت أن لها الأولوية على حساب المبدئية الدينية، فمع الاقرار بذلك وبمبدأ «إذا هبت رياحك فاغتنمها»، إلا أن القرار الإخواني كان عصياً على الاقتناع به لدى كل من كتب وأبدى رأيه من كبار المحللين السياسيين والكتّاب المصريين. لقد رأى البعض فيه استسلاماً لنزعة الاستيلاء والاستحواذ على السلطة «والتكويش» عليها من دون حسبان للنتائج ورأى آخرون تآمراً وتحالفاً مع المجلس العسكري على الأحزاب والقوى السياسية الأخرى، ولم ينظر أحد إلى الرابط الخارجي في القرار السياسي الإخواني حيث إن هذا الرابط هو الأكثر بداهة نظراً لطبيعة الربيع العربي، والأكثر أهمية في حسم القرار بالتالي وكشف خلله «الأخلاقي السياسي» الآخر مضافاً إلى الأول.

بعد يوم من تفاعل الأزمة المصرية ذكرت صحيفة «الينويورك تايمز» أن هنالك موافقة ضمنية أمريكية هي التي دفعت جماعة الإخوان إلى ترشيح خيرت الشاطر وذلك لقطع الطريق على المرشح الإسلامي الآخر، حازم أبو إسماعيل الصاعد نجمه في الحملة الانتخابية للرئاسة والذي يهدد صدارة الإخوان السياسية كما يهدد برنامجه المصالح الأمريكية، فهو يريد إلغاء معاهدة «كامب ديفيد» ويريد رخاء اقتصادياً لمصر بالاستغناء عن مساعدة الغرب والتعامل معه، كما أنه يرى في إيران نموذجاً للاستقلالية. وتمضي الصحيفة في القول إن حازم أبو إسماعيل قد مثل تحدياً لسياسة الإخوان البراغماتية التي تقوم على علاقات مستقرة مع أمريكا و«إسرائيل» وعلى اقتصاد السوق الحر. وبحسب الصحيفة فإن الشاطر هو محل إشادة من المسؤولين الأمريكيين وهو على تواصل مستمر بالسفيرة آن بترسون.

ولقد صدر من الإخوان ما يؤيد أخبار «نيويورك تايمز» ولا ينفيها. فقد قال النائب حسن البرنس في تصريحات نقلها حزب الحرية والعدالة، الواجهة السياسية للإخوان، إن «لقاءات عدة ما بين مسؤولين بجماعة الإخوان مع دبلوماسيين وسفراء أجانب كانت سبباً رئيسياً في اتجاه الجماعة لاختيار مرشح للرئاسة من صفوفها بعد نجاح هذه اللقاءات في إزالة صورة الفزاعة التي كانت تختمر في أذهان الغربيين سابقاً عن أفكار وتوجهات الجماعة».

كما في تصريح البرنس، فإن الصورة لدى الغرب عن الإخوان هي الأهم، وهي التي نجح الإخوان في إجلائها وتزكية أنفسهم لدى الغرب على أساسها كي يرشحوا أنفسهم باعتبارهم «الأصلح» لديه إزاء الآخرين من الإسلاميين. الغرب هو «المرجعية» وهو المحدد الخفي لقرارات بدت مبهمة وغير منطقية واعتبرها البعض خرقاء بما يكفي لعدم الثقة في أهلية الإخوان للحكم. إن هذا الجانب في السلوك السياسي للإخوان كان مهماً رؤيته وفهمه وفهم مرتكزاته التي تستند إلى حسابات سياسية وليس دينية والتي يقل فيها اعتبار الشعوب وحساسياتها السياسية والأخلاقية.

إن معادلة التناقض هذه والتي تصبح صيغة سياسية للحكم مدعومة من الغرب وضامنة لهيمنته هي ما تشكل سلوكاً سياسياً مولداً للفوضى والأزمات كما هو في المشهد السياسي المصري.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2181429

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

7 من الزوار الآن

2181429 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40