الثلاثاء 8 حزيران (يونيو) 2010

تراجعات عرب أميركا ظرفية وغزة تحتاج إلى السلاح مع الغذاء

الثلاثاء 8 حزيران (يونيو) 2010 par ابراهيم الأمين

لم يكن ممكناً إعادة الاعتبار الى قضية الحصار على غزة إلا بالدم. هذه هي حقيقة ما نشهده منذ نحو أسبوع، على اثر الجريمة التي ارتكبتها إسرائيل بحق ناشطين كانوا يقودون أسطول الحرية لفك الحصار. والحقيقة هذه لا تستوجب المبالغة، كما لا تستدعي الهلع. هي بالضبط، الوجه الطبيعي لأي مواجهة يراد منها إرغام إسرائيل، ومن خلفها الغرب والمتحالفون معه من العرب، على التراجع.

عقود طويلة من المقاومة، ومواجهات سقط فيها عشرات الآلاف، كلها تعيد الى الأذهان الحقيقة نفسها: لا شيء يرغم إسرائيل على التنازل والتراجع سوى الاستعداد لبذل الدم. أما الكلام الكبير والصراخ من فوق السطوح، أو كل أشكال الاستعراض، فهي لا تحقق سوى إطالة أمد القهر.

لم يكن ممكناً لرئيس مبنى المقاطعة في رام الله محمود عباس أن يتحدث (ولو خبثاً) عن موضوع المصالحة، إلا بعد الذي حصل. ولم يكن مستعداً لإرسال موفدين عنه الى غزة إلا بعدما أحرجه موقف تركيا الرافض لتطبيع العلاقات مع إسرائيل بسبب جريمتها. ولكن ليس ممكناً توقع نتائج سريعة أو إيجابية من هذه الاتصالات، إلا إذا ابتعد عباس عن أعداء المصالحة الحقيقيين: أميركا وإسرائيل ومصر والسعودية والفاسدين من أتباعه في الضفة وغزة.

لم يكن ممكناً فتح معبر رفح من الجانب المصري إلا بسبب الدماء غير العربية التي سالت قبالة بحر غزة. وبرغم أن حسني مبارك وجماعته كانوا يصرون على أن المعبر مفتوح أصلاً، إلا أنهم حاولوا الاحتفال بالإعلان عن فتح غير مشروط وغير محدد الأجل للمعبر. لكن ذلك لا يغيّر فعلاً في موقف مصر. فبعد مرور أقل من خمسة أيام على القرار، عادت الوقاحة الى الخطاب الرسمي، فتقرر سلطات الامن المصرية منع قافلة مواد بناء من الوصول الى القطاع، ثم يعلن مسؤول مصري أن المعبر سيظل مفتوحاً «ما لم تحدث تجاوزات من الجانب الآخر» في إشارة الى حماس. والله أعلم، فهل صراخ فتى فلسطيني سيُعد تجاوزاً وتتخذه سلطات الحاكم في مصر ذريعة لإقفال المعبر من جديد. ولكي لا يفهم أحد بطريق الخطأ أبعاد خطوة فتح المعبر، قال المسؤول الامني المصري نفسه إنه «سيتم إنجاز أعمال بناء الجدار الفولاذي الذي يجري إنشاؤه تحت الارض مع غزة مع نهاية هذا الصيف». وأضاف بزهو: «سنغلق كل الأنفاق بالتأكيد»، مجدداً احترام حكومته طلب إسرائيل «تسليم مواد البناء لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) لتقوم هي باستخدامها في عمليات البناء».

لم يكن ممكناً أن يشهد النادي الصحافي الاميركي أكبر عملية قمع لولا حدث غزة. فالصحافية المخضرمة هيلين توماس (89 عاماً) أجبرت على الاستقالة أمس بعد تعرّضها لانتقادات بسبب تصريحات أدلت بها ضد إسرائيل. وهي التي قالت قبل أسبوع عن أحوال الفلسطينيين «تذكروا أن هؤلاء الناس يقبعون تحت الاحتلال وتلك هي أرضهم، وليست أرضهم ألمانيا أو بولندا».. على الاسرائيليين العودة الى ديارهم في بولندا وألمانيا وأميركا وأي مكان آخر». وقبل الاستقالة أجبرت توماس على الاعتذار. لكن رسالتها وصلت الى من يهمه الامر، كما وصلت رسالة تحطيمها بعد ستة عقود من العمل الصحافي أمضت معظمها بين رؤساء البيت الابيض.

لم يكن ممكناً اضطرار نظام الفصل العنصري الحاكم في الاراضي الفلسطينية المحتلة، لأن يعلن جهاراً هويته لولا مشاركة شابة عربية هي النائبة حنين الزغبي في أسطول الحرية، حيث أوصت أعلى هيئة تشريعية في هذا النظام (المجلس النيابي) بمعاقبة الزعبي وسحب امتيازات منها «لأنها ضالعة في محاولة قتل جنود إسرائيليين» علماً بأنه ليس في هذه الأرض من يحتاج الى تذكيره بمآسي الاحتلال.

لكن ذلك لا يمنع من التوقف عند ظاهرة احتفالية، لها بعدها الانساني والنضالي عند المجموعات الكبيرة التي تريد تسيير أساطيل ورحلات الى غزة لكسر الحصار. ثمة حماسة ممكنة الفهم لناحية أنه أتيحت اليوم فرصة لمن يود المشاركة المباشرة في مقاومة الاحتلال، للقيام بخطوة ليست منزوعة المخاطر. بل إن احتمالات الموت فيها كبيرة جداً، ولو أن في اسرائيل من يدرس الآن آليات وخطوات لمنع أي احتكاك دموي مع ناشطين يقاومون قرار منع السفر الى غزة.
هل هذه الظاهرة تفي بما هو مطلوب لمواجهة الاحتلال والحصار؟

بالتأكيد لا، بل على العكس، فإن قيمة ما يجري الآن في كونه يفتح كوة في الجدار السميك المرفوع بوجه المقاومة في غزة، وهو الجدار الذي يمنع وصول ما يجب وصوله من مواد بناء ومساعدات... وسلاح تحتاج إليه المقاومة هناك، برغم ان ما قامت به قوى المقاومة خلال 15 شهراً خلت، فيه الكثير من الإنجازات على صعيد رفع مستوى الجهوزية لدى قوى المقاومة في القطاع، ومدّها بعناصر قوة كبيرة، تمكنها من مواجهة أفضل وأقوى لأي مغامرة إسرائيلية جديدة بوجه القطاع.

وإذا كان في إسرائيل أو الغرب من يريد ربط الأنشطة الانسانية بأعمال المقاومة العسكرية لتبرير الجرائم، فإن ذلك لا يفيد إسرائيل، لكن المهم ألا يتوقف أحد عند هذا الاعتبار، وأن يتخيّل أو يتوهّم أن المقاومة السلمية كافية لإنهاء احتلال أو تحرير شعب يقتل بالحديد والنار يومياً، ومن قبل عدو يقول لنا يومياً إنه لا يفهم غير لغة الحديد والنار نفسها!.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 81 / 2181115

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

6 من الزوار الآن

2181115 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40