الجمعة 30 آذار (مارس) 2012

أردوغان في طهران .. خيبة إضافية

الجمعة 30 آذار (مارس) 2012 par د. حبيب فيَّاض

العلاقات بين طهران وأنقرة على ثباتها المعهود. يساهم في ذلك حرص الجانبين على تحييد مفاعيل الملفات الخلافية عن علاقاتهما الثنائية. العلاقات هذه تقيم، أصلاً، في منتصف الطريق بين التقارب والتباعد. فالتقارب بينهما لم يفض يوماً إلى التكامل، وكذلك التباعد لم يكن مرّة مرشحاً للصدام. «الفتور الايجابي» قدر يحكم مسار العلاقة بين قطبي العالم الإسلامي.

لم يدفع إمساك «العدالة والتنمية» بمقاليد السلطة إلى تقارب تركي ملموس مع النظام الإيراني. «إسلامية» الجانبين أوجدت عاملاً إضافياً يدفع بهما إلى التهدئة، فيما «المذهبية» تفتح أمامهما باباً للتصعيد. إنه التاريخ، بارتداداته، يظل الحاضر الأول بين أحفاد الصفويين وأحفاد العثمانيين: خصومة لا يستطيعان نسيانها، وحروب يتجنبان تكرارها. تلكم هي المعادلة التي تحكم العلاقة بين الدولتين الجارتين. وفي هذا الخضم، لكل منهما مشروع لا يتراجع عنه. تركيا تريد العودة إلى المنطقة عن طريق عثمانية جديدة، من بوابة الثورات العربية. فيما تريد إيران قيادة مشروع إسلامي في الإقليم من دون إعادة إنتاج ما ينسب إليها من صفوية جديدة. الأزمة السورية باتت هي المحدد الأول لمدى تقدم كلا المشروعين وتعثرهما.

رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان في طهران. الملف السوري هو الحاضر الأول في زيارته. فشل المباحثات حيال الأزمة السورية بين الرئيس الأميركي وأردوغان على هامش قمة سيول النووية دفع بالأخير إلى تسريع الخطى باتجاه طهران. انسداد الأفق أمام أنقرة في إسقاط النظام السوري، وضعها أمام خيارات غير عقلانية ومحكومة بالفشل. التراجع الغربي في الموقف من هذه الأزمة، اضطر أنقرة إلى التحول من إقناع الحليف الأميركي إلى محاولة استمالة الخصم الإيراني: البديل الوحيد لتعويض القوة العسكرية المفقودة في التعامل مع الأزمة السورية هو فصل القوة الإيرانية عن النظام السوري.. الممرات الآمنة المنشودة، وجهود توحيد المعارضة، وانعقاد مؤتمر دولي آخر في اسطنبول لأصدقاء سوريا، فضلا عن مساعي أنان، كل هذا في حسابات تركيا لن يؤتي أكله ولن يسمن أو يغني من جوع.

انتقلت أنقرة من مرحلة البناء على توقعات مغلوطة إلى مرحلة الرهان على تمنيات واهية. رئيس الوزراء التركي ما زال يصر على رحيل الرئيس السوري «عاجلا أو آجلاً».. ويؤكد أن «لا عودة عن ذلك». وزير الخارجية التركي يعتبر أن الموقف الروسي الداعم للنظام «موجة مؤقتة ولن يستمر إلى ما لا نهاية». في السياق نفسه يمكن وضع محاولات تركيا المتكررة لإقناع إيران بالتخلي عن دعم دمشق.. المحاولات هذه باتت تعكس إفلاس أنقرة في التعامل مع الأزمة السورية. لم يسمع الضيف التركي من الإيراني سوى التأكيد على الوقوف إلى جانب دمشق حتى النهاية. الهوّة، على خلفية هذه الأزمة، ما زالت كبيرة بين الجانبين. وأنقرة في ظل بقاء النظام السوري أكبر الخاسرين. فيما أثبتت طهران أن بقاءها الى جانب حلفائها فوق كل اعتبار.

لقد تعمدت طهران استقبال نائب وزير الخارجية السوري بالتزامن مع زيارة أردوغان إيغالاً في تأكيد دعمها لدمشق. الضيف السوري سمع من الرئيس الإيراني إشادة بأداء نظام بشار الأسد في التعامل مع المعارضة. رهان طهران الرابح على بقاء النظام السوري جعل المطلب التركي أقرب إلى الاستجداء. فيما لن تستطيع أنقرة استخدام دورها المتوقع في ملف إيران النووي ورقة ضغط على الإيرانيين بعدما بات هذا الملف وراء ظهورهم.

أردوغان عاد خائباً من طهران.. العرب عادوا خائبين من بغداد. بين طهران وبغداد، النظام السوري بمنأى عن التغيير. فيما لم يعد أمام خصومه سوى مبادرة كوفي أنان ورقة توت تستر عوراتهم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2165538

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

5 من الزوار الآن

2165538 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010