الاثنين 26 آذار (مارس) 2012

مطران القدس وشيخ الدوحة!

الاثنين 26 آذار (مارس) 2012 par خليل قانصو

الصور التي تعرضها وسائل الإعلام عن سورية مروعة. فتظن أنها مأخوذة في العراق. ولكن هذه الوسائل تقصر إهتمامها في الراهن على بلاد الشام. وما يزيد المرء حزناً و ألماً هو أنها تشبه صوراً شاهدها من قبل أكثر من مرة. بالأمس غصّ لبنان وخضب «الجهاديون» أرض الجزائر من جديد، بالدماء. ثم جاء دور العراق وبعده ليبيا، والآن صارت كُومُ الجثث تظهر في أحياء المدن السورية. لم تـُستخلص العبر إذن من الشدائد والمآسي السابقة رغم أنها تتكرر الفينة بعد الفينة منذ سبعينيات القرن الماضي، لا تفصل بينها سوى أشهر قليلة. لعل الغاية من الرعب والذعر والقتل هي الحطُ من إنسانية الضحية وليس حثُها على اليقظة والحيطة. فما يتسبب به الإقتتال الداخلي لا يختلف نوعاً وكماً في بعض الوقائع، عن نتائج المجازر التي يخلفها عادة المستعمرون «الإسرائيليون» وراءهم، بعد كل اعتداء من اعتداءاتهم المتلاحقة.

من هم السفاحون الذين كوّموا الجثث في سورية؟ لو كان نظام الحكم يحتكر وحده ملكية واستخدام السلاح، كما يقضي بذلك مفهوم الدولة، لما تطلبت الإجابة بحثاً وتدقيقاً، ولكن لم يعد خافياً على أحد أن بعض فصائل المعارضة أعلنت الحرب ضد السلطة، وأن دولاً شجعتها على ذلك فأمدتها بما يلزم من معدات عسكرية، وتموين وأرفدتها بالضغوط، والمطالب، والمشاريع والوساطات، تارة بواسطة جامعة الدول العربية وتارة أخرى عن طريق المنظمات الأممية، بقصد إرباك نظام الحكم، وترعيب الناس، وتعطيل أجهزة الدولة، واستناداً إليه فمن المرجح إذن، أن تكون هذه الفصائل ضالعة في أعمال القتل والتخريب، فليس مستبعداً أن تضم لائحة مآثرها جزءاً من هذه الأعمال على الأقل، لا سيما وأن الجهات التي تقدم لها الدعم والتأييد وتحديداً الحكومات الغربية ذات التاريخ الاستعماري المعروف، والولايات المتحدة الأميركية بوجه خاص، لها رصيد كبير في هذا المجال نتيجة تجاربها التي نكبت شعوباً كثيرة في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية.

إنطلاقاً من هذا المعطى فإن مداورة الأزمة السورية سواء من منظور وطني داخلي أو قومي سوري عربي أوسع، تضع الباحث أمام جملة من التناقضات يتم إهمالها والتغاضي عنها.

فمن البديهي أن استخدام السلاح في مضمار النشاط السياسي الوطني لا يعكس احتراماً لحرية التعبير ولممارسة الديمقراطية. هذه القاعدة لا تحتمل شذوذاً أو استثناء. وبالتالي فهي تنطبق في سورية على نظام الحكم مثلما تنطبق على عمل الذين يعترضون على سياساته ويشككون بشرعيته، أياً كانت مشاربهم وغاياتهم، والتسليم بأن نهج هذا النظام ليس سديداً، لا يلغي حجته في أن من واجبه المحافظة بالقوة إذا أقتضى الأمر، على الأمن والقوانين حتى يتفق السوريون على سيرورة لإيجاد بدائل لها ترضيهم، هذا من ناحية أما من ناحية ثانية فانه لا يبرر على الإطلاق لجوء المعارضات بالمقابل إلى العنف والقتال ضد مؤسسات الدولة الأمنية وإداراتها. تأسيساً على أنه مهما بلغت خطورة الأسباب التي توجب مؤاخذة الحكم، فإنها لا تجيز لهذه المعارضات الطلب من جهات أجنبية الإعتراف بها كممثلة للشرعية الوطنية من جهة والتدخل العسكري لإسقاط نظام الحكم وتنصيبها مكانه من جهة ثانية.

وبكلام أكثر صراحة ووضوحاً لا يحق استناداً إلى مفهومية الشراكة الوطنية وإلى الحرص على كينونة الأمة، لأي فريق من الفرقاء الوطنيين الاتصال بدول أجنبية والإستقواء بها على خصومه في الداخل، أو الاستعانة بها لتأسيس شرعية في الخارج، بديلة للشرعية الوطنية التي تجسدها الدولة والذين يديرون شؤونها. علماً بأن بنية الدولة ومواصفات حكامها لا تتغير نحو الأفضل إلا بتضحيات الناس وإصرارهم على فرض إحترام أرادتهم. فالدولة الحديثة ليست قرضاً من البنك الدولي أو هبة من مشايخ النفط. ينبني عليه أن المعارضات السورية التي تلقت التأييد والسلاح على أنواعه من أمراء خليجيين وحكومات دول غربية، واستقدمت إلى البلاد مقاتلين من جنسيات غير سورية إنما أقدمت بفعلها هذا، على انتهاك قانون الشراكة الوطنية وتهديد وجود الأمة بأفدح الأخطار، حسب المعايير التي تحتكم إليها الدول نفسها التي تحتضنها. بمعنى أن الديمقراطية والحرية لا تجيزان في مضمار العمل السياسي تجاوز حدود الوطن والإستعاضة عن الشرعية الوطنية، بشرعية يمنحها مجلس الأمن الدولي أو مجلس جامعة الدول العربية التي أسرها أمراء النفط. ينجم عنه أن ما تقوم به المعارضات السورية، عن قصد أو عن غير قصد، بمساعدة أمراء الخليج وحكام تركيا وقادة الغرب، يمثل خطراً قد يعرض سورية للتقسيم والأمة للتفرقة والتجزئة، والقضية القومية للتلاشي.

وفي سياق آخر يحار المرء في أمر الذين يبدون حماسة شديدة لإغاثة السوريين وإيصال المساعدات الإنسانية لهم، دون أن ينبسوا بكلمة لوم واحدة ضد سياسة حكوماتهم التي فرضت مقاطعة شاملة على التبادل التجاري بينها وبين سورية. ألا يوجد تناقض بين الحصار الغذائي والتشجيع على ضرب البنية التحتية من جهة وإدعاء الحرص على السوريين من جهة ثانية. وكأن التجارب من بيافرا إلى الصومال إلى دارفور على سبيل المثال لا الحصر، لم تُثبت بالدلائل القاطعة أن «المساعدة الإنسانية مساعدة على الحرب» كما يشير عنوان أحد الكتب (éd complexe,2001) وأن الممرات الإنسانية تمهد لجحافل الغزو.

ولا منأى في النهاية، في إطار هذا البحث في التناقضات التي تطفوا على سطح الأزمة في سوريا، ولكن الكثيرين فضلوا إغفالها والتعامي عنها، ومنهم مفكرون وصحافيون، عن القول بأن الكاتب عندما لا يكترث القارئ لما يكتبه، يتحول إلى عامل مأجورٍ في وكالات الدعاية. يبقى سؤال ملح لا مفر منه، لماذا يكون المطران عطاالله حنا الذي تتناهي إلى السمع جلجلة صوته من القدس محذراً من إضعاف أو ضياع سورية، أقل حماسة للديمقراطية السياسية ولحرية الرأي من رجال دين في السعودية وقطر، يتقيئون سيلاً لا ينقطع من الفتاوى لشحن الكيدية والعصبية المذهبية الغرائزية، دعماً للجهل. هل يعقل أن يكون مطران القدس ضد الثورة من اجل الحرية والتقدم والاستقلال وشيخ الدوحة داعية ونصيراً لها؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2165922

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2165922 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010