الثلاثاء 27 آذار (مارس) 2012

تشيني .. القلب والحرب

الثلاثاء 27 آذار (مارس) 2012 par أمجد عرار

ديك تشيني اسم يعرفه العالم لطول عهده في السياسة بأسخن أشكالها ممثّلة بالحروب وما تتخللها من جرائم قتل وتعذيب، وبأشد أشكالها انتقائية حين يدافع قادة مثل ديك تشيني عن احتلال واستيطان كالذي تمثّله «إسرائيل» في الأرض العربية، ويدينون في الوقت نفسه دفاع الضحايا عن أنفسهم كما يفعل العرب المعتدى عليهم. لماذا هذا الكلام الآن والرجل ترك البيت الأبيض منذ سنوات؟ لأن التقارير الإخبارية تقول إن ديك تشيني خضع لعملية جراحية زرع له خلالها قلب تبرع به شخص لم يرغب أن تُعرف هويته، ولا ندري إن كان من أيتام إحدى الحروب التي شارك تشيني في التخطيط لها والدفع باتجاهها.

يعتقد كثيرون أن الأزمات القلبية تداهم مرهفي القلب والرومانسيين ولا تقترب من القساة المتجلّدين وأمراء الحروب الذين يشعلونها بلا أدنى تفكير بأعداد اليتامى والنساء الثكالى والمشردين الذين تخلّفهم. من هنا تأتي الغرابة من حقيقة كون تشيني تعرض لخمس أزمات قلبية وتم تركيب مضخة تعمل ببطارية لمساعدة قلبه على القيام بوظائفه الفسيولوجية التي لا علاقة لها بالعطف والحنان، وهما من وظائف القلب أيضاً.

هذا الديك تشيني اسم يعرفه العراقيون أكثر مما يعرف الديك الرومي، شعب أُخضِع لحصار محكم قاس وتجويع قتل الملايين من أبنائه خلال سنوات سبقت وتخللت قصفه بالقنابل الأمريكية التي يمكن أن تكون ذكية أو غبية، لكنّها بالتأكيد بلا قلب، وفي كل ذلك كان لديك تشيني دور ونصيب ومسؤولية.

في أواخر التسعينات شكل تشيني مجموعة سرية لتحضير ملف خاص بالعراق عنوانه «أسلحة الدمار الشامل» لكي يُقدّم للفلترة والتنقيح والتكييف في الأجهزة الأمريكية ومجلس الأمن القومي لبنتاغون قبل ترويجه في وسائل الإعلام لمنح الحرب غطاء شعبياً. بعد ذلك نعرف جميعنا ما الذي جرى، إذ لم يبق مكان على وجه الأرض إلا ووصله مشرّد عراقي نجا من النوم الأبدي تحت ركام منزله أو تحوّل إلى طعام للطيور الجارحة في الصحراء، أو كان من نصيبه انتهاك عرضه في سجن أبو غريب الأمريكي الذي يشكّل وصمة عار في جبين السياسة الأمريكية وكل المسؤولين الذين رسموا سياسة هذه الحقبة.

تشيني وضع العراق في دماغه وعلى أجنداته وزملاء آخرين من المحافظين الجدد الأشد صهيونية من الصهاينة أنفسهم من أمثال ريتشارد بيرل الذي عمل مستشاراً لبنيامين نتنياهو وللبنتاغون. تشيني هذا كان محط ثقة جورج بوش الأب الذي عينه وزيراً للدفاع قبل حرب الخليج الأولى واستمر بعدها حتى سنة 2003. ولفرط عشقه للحرب والتدمير أبقاه جورج بوش الصغير نائباً له خلال فترتي رئاسته لأمريكا من السنة الأولى للسنة التاسعة في الألفية الثالثة، وكان من أشد المؤيدين لغزو العراق وأفغانستان.

عام 2001 كان لديك تشيني تصريح يظهر إلى أي حد كم هو غريب أن يصاب قلبه بالأزمات. فعندما كانت «إسرائيل» تجتاح المدن الفلسطينية العزلاء وترتكب المجازر بحق الأطفال والنساء والشيوخ وتدمّر البيوت على ساكنيها الفلسطينيين في بلدة نابلس القديمة ومخيم جنين وغيرهما، خرج ليعطيها المبرر والغطاء المعتاد، ولم يراع مشاعر أكثر من مليار عربي ومسلم كانوا يشاهدون جرائم الكيان وتخفق قلوبهم حزناً على مشاهد الضحايا ومناطق بدت كأنها منكوبة بزلزال.

سيتذكّر المؤرخون ديك تشيني كأحد المسؤولين عن إعادة تشكيل الواقع والمستقبل العسكري للولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب الباردة، وسيتذكرون زيارته لجورجيا داعماً لها سياسياً ضد روسيا، ومالياً بمليار دولار، ربما لتدفع أجرة الخبراء «الإسرائيليين». لكن يبقى أن نذكّر بأن عملية زرع القلب كلّفت تشيني مليون دولار، فكم عدد الأمريكيين الذين قد تحتاج قلوبهم مثل هذا المبلغ ولا يجدوه؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2182014

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

65 من الزوار الآن

2182014 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 59


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40